الانتخابات البلدية والاختيارية: دور حيوي للعشائر البعلبكية لا غنى عنه
كتبت لينا اسماعيل في النهار
فيما بدأ العد العكسي في الدائرة البقاعية الثالثة بعلبك-الهرمل للإنتخابات البلدية والاختيارية 2025، يزداد إدراك أهمية الدور الحيوي الذي تؤديه العشائر والعائلات الكبيرة في تشكيل التحالفات وتوزيع الأصوات، في منطقة تُعتبر الأكثر تماسكاً عشائرياً على مستوى لبنان.
يكاد لا يخلو أي خطاب سياسي أو حزبي في بعلبك من الإشارة إلى العشائر أو محاولة كسب ولائها، نظراً الى تأثيرها الواسع على شريحة كبرى من المجتمع المحلي، فهذه الكيانات الاجتماعية لا تزال تشكل بيئة حاضنة قوية، تتمتع بامتداد واسع في القرى والبلدات، ولديها قدرة حقيقية على الحشد والتوجيه.
العشائر البعلبكية لها دور مهم في تعزيز القوة السياسية للطائفة الشيعية. فهي دعمت حركة “أمل” و”حزب الله”، مما ساهم في تقوية نفوذهما وزيادة شعبيتها، خصوصاً بين الشباب، ما جعل من تحالفهما مع العشائر رابطاً متيناً.
في الانتخابات البلدية يظهر هذا الدور واضحاً، إذ تضطر القوى السياسية إلى نسج تحالفات مع رموز العائلات الكبرى، سعياً الى ضمان تمثيل متوازن يجنبها إثارة حساسيات داخلية أو اختلالات في توزيع القوى، فالعشائر تمثل العمود الفقري للتحالفات الانتخابية.
لكن في السنوات الأخيرة، شهدت العشائر تحولات جذرية، إذ خضعت لتغيرات اجتماعية مع توجه الأجيال الشابة فيها نحو التعليم الجامعي واندفاعها الى العيش في المدن، بحيث بدأت تظهر تباينات في الآراء داخل العائلة الواحدة، ما قلّل من فاعلية “القرار الموحد” الذي لطالما طبع دور العشائر في الانتخابات السابقة.
“حزب الله” وحركة “أمل” أدركا جيداً هذا التحوّل، وسعيا معاً إلى إدارة علاقتهما مع العشائر بمرونة، بحيث قرنا الاحترام التقليدي لزعاماتها مع انفتاحهما على الكفاءات والوجوه المستقلة من هذه العشائر والتي أصبحت تكتسب حضوراً لا يُستهان به.
العشائر المنتشرة على أطراف المنطقة، خصوصا في الهرمل والقصر، حافظت على نفوذ خاص بفضل موقعها الحدودي مع سوريا، وما أنتج ذلك من علاقات اقتصادية وأمنية، ما جعلها شريكاً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة بلدية أو تنظيمية.
رغم هذا الحضور القوي، تشير المعطيات إلى أن العشائر لم تعد قادرة على فرض سلطتها بمفردها، مما يستدعي من الأحزاب التفكير في سبل إعادة صوغ طريقة التعاطي معها، ليس كأدوات للحشد الانتخابي، بل كمكوّن اجتماعي متنوع يستوجب شراكة سياسية حقيقية.
قد تكون انتخابات 2025 هي الفرصة الأخيرة للتأكيد أن الزمن قد تغيّر. فالعشائر التي كانت دائماً عنصر حسم في الاستحقاقات المحلية، بدأت تخوض اختباراً جديداً تُحدده صناديق الاقتراع، لا الزعامة وحدها.
واليوم، مع شد عصب الناخبين، أصبحت أصوات غالبيتهم تتجه نحو اعتبارات سياسية وحزبية بدلاً من الروابط العشائرية. هكذا، يتحرّك المجتمع البعلبكي العشائري سلوكياً بعيداً من “عباءة العشيرة”، مُتجاوزاً تقاليدها ليواكب متطلبات الحياة السياسية الراهنة.
في المقابل، تحاول القوى السياسية، ولاسيما منها الثنائي الشيعي، استيعاب هذه التحولات، عبر اعتماد نهج مزدوج يوازن بين احترام الرموز العائلية التقليدية والانفتاح على الوجوه الشابة والكفاءات المستقلة، في محاولة لإبقاء العملية الانتخابية ضمن إطار متماسك ومستقر.