خبر عاجلسياسةمقالات

تحوّل في الخطاب والهوية: حزب البعث اللبناني بين الماضي والمستقبل وتغيير الاسم

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

تحوّل في الخطاب والهوية: حزب البعث اللبناني بين الماضي والمستقبل وتغيير الاسم

خاص مناشير

في مشهد استثنائي من حيث الحضور والتنظيم، نجح حزب «البعث العربي الاشتراكي» في لبنان في تنظيم مهرجان سياسي حاشد بمدينة بعلبك، جذب جمهوراً واسعاً من مختلف قرى وبلدات البقاع وسائر المناطق اللبنانية. وعلى الرغم من تغيّر الموقع وظروف المرحلة، فإن هذا الحضور الشعبي الكبير شكّل رسالة واضحة تعبّر عن قدرة الحزب على إعادة التموضع واستعادة شيء من حضوره الشعبي والتنظيمي في لحظة سياسية دقيقة.

ما ميّز هذا المهرجان لم يكن حجمه فقط، بل الرمزية التي حملها. فقد غابت للمرة الأولى صور الرئيس السوري بشار الأسد وأعلام البعث التقليدية، لتحلّ محلها راية العلم اللبناني فقط، في خطوة تعبّر عن رغبة الحزب في التماهي أكثر مع الهوية الوطنية اللبنانية، بعيداً عن الإرث البعثي المرتبط بالنظام السوري السابق. هذه المقاربة الجديدة جاءت مدعومة بكلمة أمين عام الحزب، علي حجازي، الذي أعلن بوضوح توجّه الحزب نحو تغيير اسمه، في إطار “قراءة نقدية للمسار التاريخي” وإعادة تموضع تفرضها التحولات في الداخل اللبناني.

إعلان نية تغيير الاسم ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو مؤشر على تحوّل أعمق في هوية الحزب وخطابه السياسي. فالحزب الذي لطالما ارتبط اسمه بالنظام السوري وتاريخه، يسعى اليوم لتقديم نفسه كلاعب وطني ضمن الساحة اللبنانية، يحتفظ بتحالفاته الاستراتيجية مع حزب الله وحركة أمل، ويؤكد ثوابته في دعم خيار المقاومة وقضية فلسطين، لكن من موقع مستقل عن الاصطفافات الإقليمية الحادة.

اللافت أيضاً هو موقف الحزب من القضية السورية. ففي حين شدد حجازي على الحرص على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وخروج الاحتلالات منها، أكّد في الوقت نفسه ضرورة احترام خيار الشعب السوري في تحديد مستقبله السياسي، في إشارة واضحة إلى ابتعاد الحزب عن التدخل في الشأن الداخلي السوري، وتمايزه عن النظام من دون الدخول في مواجهة معه.

إن ما شهده مهرجان بعلبك لا يمكن قراءته فقط كتحرّك جماهيري، بل كرسالة سياسية مدروسة تعكس نضوجاً في قراءة الواقع اللبناني، ومحاولة جدية لتكييف الحزب مع متغيرات المرحلة. وفي وقت تعاني فيه معظم الأحزاب من ترهّل فكري وتنظيمي، يقدّم البعث نموذجاً لحزب يُعيد النظر في تجربته، ويستشرف مستقبل دوره الوطني ضمن إطار لبناني واضح.

يبقى التحدي أمام حزب البعث في قدرته على ترجمة هذه التحولات إلى ممارسات فعلية على الأرض، والموازنة بين ثوابته العقائدية وتطلعاته الجديدة. فهل يستطيع الحزب أن يتحوّل إلى قوة سياسية لبنانية فاعلة خارج العباءة السورية القديمة، من دون أن يفقد ما تبقى له من رصيد تاريخي؟ الأيام المقبلة ستقدّم الإجابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى