العَلمانية خيار تاريخيّ.. ومشروع حلّ..! – كمال اللقيس
العَلمانية خيار تاريخيّ.. ومشروع حلّ..! – كمال اللقيس
كمال اللقيس – مناشير
-“العَلمانية هي استقلال بين ما هو للإيمان وبين ما هو للمجتمع أي أنّ الإنسان حرّ بمبادئه الإيمانية ويمكن أن يعمل من أجل المجتمع وقد يكون ملحدًا أو مؤمنًا بالله أو من فئة”لا أدري من هو الله”(اللاأدرية) .
لكلّ شخص الحقّ في العمل مع غيره شرط أن يقبل مبادئ الآخر والتعددية والنسبية”.
المطران الأحمر غريغوار حدّاد
-” العَلمانية مشروع حلّ للجميع أمّا الدّين فهو علاقة فردية بين الانسان والله ” ( السيد هاني فحص )
أمّا أروع الصباحات فذاك الذي يجمع الوزير والخفير الثري والفقير على فنجان قهوة محلًّى بنكهة العلمنة.
الديمقراطية متابعة يومية وفعل نضال دؤوب تعزز من خلال محطات تاريخية بارزة: من مرافعة سقراط الشهيرة حول انحراف أثينا عن مبادئ الديمقراطية الحقة مرورًا بخطب شيشرون الأربع عشرة ضد تعسف مارك أنطوني وابتعاده عن أسس الجمهورية وصولًا إلى مقاومة ابن رشد لمنفى عقله وتشبّث غاليلو بعقلانية عقله أمام محاكم التفتيش .
أمّا العقلانية فهي وعيّ مطابق للواقع العياني المشخص واستجابة موضوعية لحاجة ملحّة في زمن ملحّ .
وبذا تكون العلمانية-حيث تتفتح الورود وتتلاقح الأفكار تحت سقف دولة القانون دولة المساواة في الحقوق والواجبات – المولود “الشرعيّ” لأبوين “شرعيين” عنيت الديمقراطية والعقلانية.
والعلمانية هي موقف معرفي أخلاقي وعودة مستمرة إلى نقاء الضمير هذا الموقف يذهب إلى أعماق الأشياء إلى الجذور من أجل تشكيل رؤية أكثر صحة وعدلًا ودقة عن عالم الإنسان للوصول إلى تلك اللحظة المبدعة والمتألقة التي تخترق كلّ المعوقات والحواجز “المقدسة” لإدراك كنه الحياة التي تتغير باستمرار .
كما أنها – أي العلمانية – تهدف إلى الحياد الايجابي للدولة ومؤسساتها إزاء الأديان
وهي تعتبر بأنّ المجتمع يجسد علاقات إنسانية بين الأفراد أنفسهم لا علاقات دينية بين الناس ومعبودهم -العلماني قد يكون مؤمنًا أو ملحدًا أو يمينيًا أو يساريًا أو عبثيًا أو وجوديُا أو ليبراليًا….أو…- وهي تلفظ الطائفة كوسيط مسخ بين المواطن والدولة وبذلك توفر شرطًا ضروريًا – إلى الحدّ الأقصى الممكن تاريخيًا – لتوحيد المجتمع في إطار عقلاني يرسخ وعي المجتمع لحاضره ومستقبله ولعلاقته بالمجتمعات الأخرى.
وجذور العلمانية تعود إلى أوروبا إلى نتاج خمسة قرون من الإختمار الفكري والسياسي وهي فرع من ثورة ثقافية طالت جميع البنى وصولًا إلى القطيعة مع موروث أوروبي قرووسطي ثقيل .
– اقتراح مشروع للعيش المشترك في لبنان :
إذا ما تتبعنا الجذر اللغوي لفعل عايش نجده يعني عاش معه وعاشره والعيش المشترك يكون بين أفراد – يشكلون المجتمع المعني- مختلفين دينًا وعقيدة وثقافة وعماد هذا العيش نبذ التخاصم وإزالة أسبابه من النفوس قبل النصوص وهذا مشروط
بالانفتاح على الآخر المختلف ( الآخر المختلف ليس مرآة للذات فحسب بل هو المكان الذي تولد فيه تلك الذات التي لا تعرف نفسها إلّا من خلال تماسها واحتكاكها وعلاقتها بالآخر المختلف فهو فضاء اختبارها الحيوي والحصري ) واعتماد الحوار سبيلًا للتفاهم والاندماج/الانصهار الذي يجد ضالته في مجتمع مدني يتبع نظامًا علمانيًا تجسد جوهره الديمقراطية الحقة حيث تُحلّ عقدة الأقلية التي تتوجس دائمًا من المساس بخصوصيتها ومن ذوبانها في فكر الأكثرية التي تشعر – بدورها – بالغبن حيال حكم الأقلية لها
ولكي يصبح هذا المشروع/الحلم أمرا واقعًا علينا تطبيقه في كافة المؤسسات :
– في المؤسسة الدستورية :
التزام رؤساء الجمهورية والسلطتين التشريعية والتنفيذية بالثوابت الوطنية المجسِّدة لحق السيادة الكاملة على الأرض والماء والحدود والقرار وترجيح كفة المصلحة الوطنية العليا على ما عداها ورفض الإذعان لأيّ ولاء خارجي قريبًا كان أم بعيدًا وإذا ما توفرت هذه الشروط في تلك الشخصيات الرئيسة فلا ضير من انتماء الرؤساء الثلاثة إلى الأقلية الأشورية على سبيل المثال لا الحصر .
– في المؤسسة العسكرية
ضرورة الالتفاف الشعبي والرسمي حول شخصيتَي قائدَي الجيش والأمن الداخلي ووزيرَي الدفاع والداخلية وإبطال مفاعيل التوازنات الطائفية والمناطقية كممر إلزامي للانتساب إلى المؤسسة العسكرية
والأهم من هذا إلزامية تقديم دراسات تخطيطية ميدانية تأخذ بالاعتبار الضرورة
والحاجة والكفاءة والحسّ الوطني الأصيل لقبول الانتساب .
– في المؤسسة الصّحية
بناء وتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية انطلاقًا من مبدإ الإنماء المناطقي المتوازن وترشيد وتفعيل الكادر الصحي بإخضاعه لدورات تدريبية مكثفة ومنحه الرواتب المناسبة كي يقوم بواجبه كاملًا تجاه المريض الذي يلفظ أنفاسه – غالبًا – أمام باب المستشفى الخاص لأنه لا يملك بدل التأمين لدخوله.
– في المؤسسة الضريبية
فرض الضرائب التصاعدية على الأملاك والأرباح والمداخيل وضبط أداء كلّ المؤسسات التي تقدم ميزانيات سنوية وهمية لوزارة المالية ومصرف لبنان وذلك يتم طبعًا بفضل المفتشين “المخلصين” وخبراء المحاسبة “المحلفين” !!
ومن ثم تنظيم العمالة الأجنبية وضبطها بقوانين تفرض الرسوم على الإقامة والعمل بعيدًا عن الاستنسابية وتقديم دراسات تخطيطية ترصد الحاجة لليد العاملة الأجنبية في القطاعات المختلفة وقيام السلطات المختصة بلجم دخولها غير الشرعي.
– في المؤسسة التشريعية :
تخفيض سن الأقتراع الى الثامنة عشرة كي يتسنى لعنصر الشباب – مصدر الثروة والثورة في آن – التعبير عن همومه وطموحاته وليٌضخّ في البلد دم جديد يقاوم التقليد السياسي ويحارب شراسة فساده وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة التمثيل النسبي ( وهذا مشروط بإصدار قانون عصري يمنع تأسيس احزاب دينية ( وطائفية ضمنًا ) ويسمح بقيام أحزاب علمانية عابرة للطوائف والمناطق ) .
ورفع الحصانة عن كلّ مرتشٍ أو متلاعب بالقانون مهما علا شأنه .
– في مؤسسة الأحوال الشخصية :
إقرار قانون الزواج المدني الاختياري وإقامة المحاكم المدنية المنوط بها تنظيم علاقات الزواج والطلاق والإرث كي لا تشعر الشريحة العلمانية اللبنانية بالاغتراب وحتّى لا يُضطر المواطن – إذا ما أراد الارتباط بقرين على غير دينه – إلى تبديل دينه ممالأة وكذبًا أو إلى السفر مكرهًا إلى دولة علمانية لعقد قران مدني وهو في الغالب لا يملك ثمن تذكرتَي السفر وقد يتعرض أحد القرينين أو القرينان معًا للنبذ أو القتل من قبل الأقارب او الأهل .
– في المؤسسة التربوية :
توحيد كتاب التاريخ ( والمعاصر منه بخاصة ) وشطب كلّ ما يعيد إلى الأذهان أسباب الاقتتال الأهلي وتحصين المدرسة الرسمية بالكادر التربوي النزيه اللاطائفي وفتح باب الجامعة اللبنانية أمام كلّ الطلاب على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية ورفع أيدي قوى الأمر الواقع الطوائفية عن فروع الجامعة اللبنانية وتفعيلها واعتماد اللامركزية الإدارية .
– في المؤسسة الإعلامية
تصنيف المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وفق شروط المهنة وحسب وضمان حرية التعبير في الإعلام الرسمي لأيّ مواطن أيًا يكون رأيه ما دام لا يمسّ الثوابت الوطنية بسوء وإعطاء الفرصة بالتساوي لكلّ المرشحين إلى المجالس التمثيلية ( نيابية- بلدية- طلابية…) لتغطية برامجهم الانتخابية .
– في الإدارة :
الضرب بيد من فولاذ لكلّ من تسول له نفسه التلاعب بمصالح المواطن واستغلال حاجته وهدر وقته لكسب المال ومعاقبة كلّ من يستبيح المال العام ويشرِّع الرشوة والفساد بدءًا بموظفي الفئة الأولى وانتهاء بالساعي أو الحاجب وفي المقابل يتوجب على الدولة تأمين عيش المواطن الكريم وطبابته وتعليم أولاده وسدّ عوزه كي يشعر بجدية الإنتماء والمواطنة.
وإذا كانت العلمانية التي تكرِّس العيش المشترك وتوطد أركانه تعتبر كفرًا في عرف دعاة التفريق والناعقين في بوق الطائفية المَقيت فلا يسعنا إلّا أن ننشد مع رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) :
سلام على كفر يوحِّد بيننا
وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم .
وبعد…
أيها اللبنايون
حتَّام سنفقد القدرة على التفيير الجذري فنهرب إلى التكيف مع
الأسوإ من الأزمات؟!
حتَّام سننتظر “غودو”؟!
ها قد بلغ السيل الزُبى
وبات إذلالكم طقسًا يوميًا لدى منظومة الطوائف والفساد
فحتَّام ستبقى العلمانية عاشوراء آمالنا غير المتحققة ؟!
أحبّتي في الحلم
العلمانية هي الماء الذي سيُصبّ على ألسنة اللهب التي التهمت منذ دهر هذا الوطن الافتراضي والمعلق على مشنقة الانتظار.
كمال اللقيس(فيسبوك /أحمد بن نصر)