المنطقة بعد سليماني… “شرق أوسط جديد”؟
هيبة خامنئي على المحك!
هو يد إيران الطولى على امتداد خريطة الإقليم، وسيف مرشدها المصلت على المنطقة وشوكته الغارزة في خواصر العرب والغرب… فكيف سيردّ المرشد الإيراني علي خامنئي على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد أن “كسر شوكته” ووضع هيبته على المحك أمام أعين الإيرانيين والعالم أجمع؟ من نافل القول إنّ اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني جاء بمثابة “الطعنة في الوجه” لخامنئي يصعب عليه تورية ندبتها، وبات لزاماً عليه أن يتدبّر أمر حفظ “ماء وجه” نظامه ويشدّ من عضد أتباع محوره، عبر عملية نوعية لا تقل إيلاماً عن الوجع الذي تكبده هو نفسه جراء خسارة عظيمة بحجم بتر يده العسكرية العابرة للدول والمحيطات والقارات.
بلا أدنى شك، ومع انطلاق صاروخ “Hellfire” على موكب سليماني، كان الأميركيون مدركين أنّ أبواب جهنّم قد تُفتح عليهم من بين نيران تفحّم الموكب الذي قضى فيه سليماني نحبه، ورغم ذلك فعلها ترامب ولم يرتجف له جفن ولا قلم في التوقيع على قرار تصفية رجل خامنئي الأول، واضعاً نفسه في موقع الفعل والمرشد في خانة رد الفعل، ليرى ما هو فاعل بين خطين أحمرين رسمهما أمامه “حرب خاسرة” أو “مفاوضات رابحة”.
وبانتظار ما سيؤول إليه الوعد الإيراني بالانتقام لمقتل سليماني “في الزمان والمكان المناسبين”، نشطت الديبلوماسية السويسرية في نقل الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران على وقع الدعوات الغربية والعربية والأممية إلى ضبط النفس وإخماد رماد البركان المتفجر في المنطقة، في وقت ذهب البعض إلى ترقب ولادة “شرق أوسط جديد” بدأت معالمه ترتسم في المنطقة تأسيساً لمرحلة ما بعد اغتيال سليماني، على أن يبقى اتضاح تكاوين المولود الجديد رهناً بالمسار الذي سيسلكه تخصيب مستوى الرد الإيراني الموعود، بين سقف الاكتفاء بالتهويل وحرق الأعصاب والوقت توصلاً إلى الجلوس إلى مائدة التفاوض، بعد ردّ خلّبي يقي طهران شر المواجهة المباشرة مع “الشيطان الأكبر”، وبين الإقدام تحت هول الفاجعة الإيرانية على لعبة “صولد” دموية في المنطقة، من قبيل الترجمة العملانية لتهديد خليفة سليماني، إسماعيل قاآني، بقوله في أول تصريح له بعد تعيينه قائداً لـ”فيلق القدس”: “أصبروا قليلاً وسترون بأم أعينكم بقايا جثث الشيطان الأكبر في الشرق الأوسط”. وإذا كان قاآني يتكل بطبيعة الحال في تهديده هذا على الأذرع العسكرية المتشابكة التي أورثه إياها سليماني على طول هلال محور الممانعة، وقد تداعت بمجملها أمس إلى تسطير بيانات تؤكد جهوزيتها للرد على اغتيال قائدها بعيد وصوله من دمشق إلى بغداد، فإنّ الأنظار تتركز على “حزب الله”، باعتباره درّة التاج العسكري الإيراني في المنطقة والسلاح الأمضى في قبضة المحور الممانع، لرصد حجم انضوائه تحت راية الانتقام لسليماني، وما إذا كان سيشكل رأس حربة هذا الانتقام بشكل قد يضع لبنان في “بوز مدفع” إعادة ترسيم الخطوط الحمراء بين طهران وواشنطن، وهو ما سيكون بالإمكان استشراف باكورة ملامحه عصر الغد من خلال خطاب الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله، الذي سيطلّ “معزياً ومباركاً ومؤكداً المُضيَ على طريق الجهاد حتى تحقيق كل ما كان يعمل لأجله سيد شهداء مِحورِ المقاومة قاسم سليماني”، حسبما أعلنت “المنار” مساءً، بينما الدولة اللبنانية من رأس جمهوريتها إلى رأس خارجيتها حسمت تموضعها مع بزوغ فجر اغتيال سليماني في الوقوف صفاً مرصوصاً في خانة المندّدين بالعملية الأميركية، وقد أكد الرئيس ميشال عون للرئيس الإيراني حسن روحاني أنه تلقى “بألم نبأ اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري”، مؤكداً “إدانة لبنان للجريمة التي أدَّت إلى مقتل اللواء سليماني وصحبه”.
يبقى أن الترقب سيكون سيّد الموقف ريثما يقول المرشد الإيراني كلمة الفصل في رسم خريطة “ساحات الانتقام” في المنطقة، بمعزل عن الرسائل الاستيعابية التي حرص الرئيس الأميركي على إيصالها للإيرانيين، عبر إشارته إلى كون قرار تصفية سليماني أتى في معرض “منع الحرب لا إشعالها”، بعدما تبيّن للإدارة الأميركية أنه كان “يخطط لهجمات وشيكة وشريرة ضد ديبلوماسيين وجنود أميركيين”، مشدداً في الوقت عينه على أنّ “استخدام إيران لمقاتلين بالوكالة لزعزعة استقرار دول الجوار يجب أن يتوقف الآن”.
المصدر جريدة نداء الوطن