خلط اوراق وتحوّل في التحالفات… لا وقف لإطلاق النار هذا العام..!
اسامة القادري – مناشير
حركة المبعوث الاميركي اموس هوكشتاين عشية انتخاب “الجمهوري” دونالد ترامب رئيساً لأميركا بعد مرور سنة وشهران على حرب الإبادة التي تشنها اسرائيل على غزة ولبنان، بإمداد ومساندة امريكية مباشرة وغطاء “الديمقراطي” جو بايدن وادارته، اشبه ما يكون حراك في دائرة مفرغة واللعب في الوقت الضائع.
فالتفاؤل الذي تحاول ادارة بايدن ان توحيه لا يعطي أملاً في وقف اسرائيل عند حدها ولا يمنعها عن عملية ضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال التي بدأت التحضيرات بها وبناء البنى التحية لإقامة المستوطنات، بدى ظاهرياً نتيجة لتعاطي الاميركي والغربي المؤيد والساكت عن توسع الاستيطان وبناء المستعمرات كل هذه مؤشرات تعقد الوصول الى وقف الحرب، ما يضع القضية الفلسطينية على طاولة التشريح والقطع والبتر أكثر عن ما كانت عليه قبل عام، كما يترك لبنان بين فكي ازمة اصطفاف طائفي وبين تحوّل أراضيه وسمائه مسرحاً مستباحاً لعدو لا يفهم سوى لغة الغدر والقتل، بحجة أمن مستوطني الشمال الفلسطيني المحتل.
ترامب لنتنياهو: “أكمل ما تقوم به وما تريده بإنهاء حماس وحزب الله حتى 20 كانون الثاني، بعدها تجهّز للعمل على وقف اطلاق النار في غزة ولبنان برعاية سعودية وعربية ووفق الشروط التي تريدها
في المحصلة ما رفضه رئيس الكيان الصهيوني نتنياهو في عهد بايدن قبل الانتخابات من الطبيعي عدم القبول به في أيامه الأخيرة، “مرحلة تسلم وتسليم الإدارة الجديدة لترامب”، المعروف بدعمه وتأييده الشديد لسياسة الإستيطان بحسب المعطيات والمعلومات.
لذا تتغلب فرضية التعقيد وإعادة خلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط بما يتناسب الأميركي، وإعادة التموضع بعد التحول في التحالفات الجديدة والتوجهات وبناء المستعمرات، وهذا يتطلب مزيد من الدمار والدم عند مفترقات الانتقال من ضفة الى اخرى، وذلك حسب مصادر تؤكد على أن اتفاق حصل بين ترامب ونتنياهو، حيث قال الأول للثاني “أكمل ما تقوم به وما تريده بإنهاء حماس وحزب الله حتى 20 كانون الثاني، بعدها تجهّز للعمل على وقف اطلاق النار في غزة ولبنان برعاية سعودية وعربية ووفق الشروط التي تريدها بإبعاد حماس كلياً واعلان هزيمتها وتركيب سلطة تناسب المرحلة الجديدة للتحدث بمشروع حل الدولتين، وفي لبنان ابعاد حزب الله الى شمال الليطاني وتطبيق القرار 1701”.
في الوقت نفسه تعمل ادارة “الحزب الاميركي الديمقراطي” في الدقائق الأخيرة لأن تسجل انجازاً في ملف التفاوض حول وقف اطلاق النار خاصة في الجبهة الشمالية “الإسرائيلية” بين اسرائيل ولبنان حفاظاً على ماء وجه الديمقراطيين وما تبقى لهم من علاقات في المنطقة. الا أن المسار التسووي تمهيداً لإستلام ترامب بدأت عجلاته تدور في الدول العربية برئاسة السعودية تمهيداً الى حين بدء مرحلة ترامب، وقد لا تكون ذات جدوى، مع غياب تام للوزن العربي وسكوت مدوي حيال حرب اجرامية منذ 14 شهراً، امام حكومة يمينية صهيونية متطرفة تستعرض فائض قوتها العسكرية المدمرة امام العالم اجمع، وتضرب بها كل المعايير الإنسانية والإجتماعية والقوانين الدولية دون ان يكون لها رادع، وما نتائج القمة العربية الإسلامية في الرياض إلا دليل واضح على التفكك العربي وغياب الوزن وعدم القدرة على التأثير في حده الأدنى، فأقسى ما حفلت به بيان مشترك شجب وادانة لا يضيف للقضية شيء ولن يحمل أي خطوات إجرائية لوقف النار في غزة ولبنان.
فأمام هذه اللوحة الموزاييك وعودة ترامب الى البيت الأبيض المعروف بتشدده لدعم اسرائيل وعدائه لإيران وقناعته بقطع اذرعتها في كل من لبنان وسوريا واليمن والعراق، يعيد المفاوضات الإيرانية حول الملف النووي الى المربع الأول، “خلافاً لبايدن الذي يعتمد سياسة استكمال التفاوض مع ايران على قاعدة مقابل النووي السلمي إستغناءها عن الاذرع في المنطقة بالقدر الذي يريده بعد تلقيها ضربات قاتلة وكبيرة في قياداتها وترساناتها.
فالضبابية في مفاوضات وقف اطلاق النار تجعل الأفرقاء ايران والأمريكيين اقرب الى الفوضى في العهد الأمريكي الجديد، ويرجح بحرب أهلية على الارض اللبنانية وعلى حساب اللبنانيين بعد وقف اطلاق النار، ما لم يلتزم حزب الله بتطبيق القرار 1559 وتسليم السلاح وقرار الحرب والسلم الى الجيش اللبناني، وتوافق اللبنانيين حول هويتهم ويلملمون جراحهم ويعلنون هزيمتهم لينكبوا الى بناء وطن بعيداً عن سياسة الأحلاف والاصطفاف الطائفي خدمة لأجندات ومشاريع ليست لبنانية.
ولأن التطرف لا يجرّ سوى التطرف، يخطئ من يظن أن تصفية قيادات حماس وحزب الله وضرب ترسانتهما التسليحية وقتل المدنيين تقضي على المقاومتين، فإجرام اليمين اليهودي في غزة ولبنان مؤشر واضح لإعادة بناء قوة المقاومة الإسلامية سنية وشيعية بتأييد شعبي واسع رداً على فظائع الجرائم اليهودية العنصرية، هنا يقبع “لبّ” المشكلة ان الغرب أجاز لإسرائيل التمادى الوقح بفائض القوة وبتطرف يهودي عنصري اقفل كافة ابواب التفاوض ومبادرات السلام حول مصير الشعب الفلسطيني منذ نحو عشرين عاماً فأرخ واقعاً ميؤساً منه دفع بالفلسطينيين واللبنانيين الإنحراف أكثر نحو الإسلام السياسي الذي تمثله حركة حماس والجهاد الاسلامي، وحزب الله، ما يعيد دوامة عدم الاستقرار ويمنع قيام الدولة المدنية المستقلة، وأيضاً يكرر فشل سياسة السلطة الفلسطينية أي كانت في فك طلاسم الإجرام الاسرائيلي وإيغاله في تهجير الناس وجرف الاراضي وبناء المستعمرات، التي اتت بعملية 7 اكتوبر 2023 رداً واضحاً وطبيعياً على التطرف الاسرائيلي وتعنته. فلا استغراب اننا قد نكون شهود في المرحلة المقبلة على عمليات اكبر واشد من 7 اكتوبر، ورداً على سياسة ضم الاراضي الفلسطينية، وتحويل قرى لبنانية حدودية الى أشبه بملعب كرة قدم بعد قتل ابنائها وتهجير من تبقى منهم وذلك عملاً بمشروع تغيير ديموغرافي، فالزمن لا ينتهي عند تسوية او طي صفحة في كتاب قضية محقة.