تحالف تركيا – سوريا – لبنان: ملامح محور جديد في شرق المتوسّط
خاص مناشير
بين أروقة التحليل السياسي وتكثيف الاجتماعات الأمنية منذ 24 كانون الثاني وحتى منتصف نيسان 2025، برز سيناريو غير مألوف في خارطة التحالفات الشرق أوسطية: تحالف ثلاثي يضم تركيا، سوريا، ولبنان. لم تعد المسألة مجرّد مقاربة دبلوماسية أو تنسيق أمني موضعي، بل تحوّلت إلى مشروع استراتيجي يتّسع ليشمل تعاوناً دفاعياً، اتفاقات عسكرية شاملة، وربما ترسيماً للحدود البحرية يعيد رسم خطوط النفوذ في شرق المتوسط.
التحوّل التركي
التحوّل التركي ليس تفصيلاً. أنقرة التي شكّلت طوال سنوات أحد أبرز داعمي المعارضة السورية، تجد نفسها اليوم تنسج خيوط شراكة أمنية مع دمشق، وتفتح قنوات تنسيق علني بعد سنوات من القطيعة. هذا الانقلاب في السياسة التركية مدفوع بعدّة عوامل: الإرهاق من النزاع السوري، التهديدات الكردية على الحدود الجنوبية، وتراجع الثقة بالولايات المتحدة كشريك استراتيجي. في هذا السياق، تعيد تركيا تموضعها الجيوسياسي عبر بناء اصطفافات جديدة في بيئة إقليمية متقلّبة.
لبنان: الحلقة الأضعف أم نقطة الارتكاز؟
انضمام لبنان إلى هذا المحور يبدو للوهلة الأولى مفاجئًا، نظراً لهشاشة وضعه الداخلي والانقسام الحاد بين مكوناته السياسية. لكن من وجهة نظر جيوسياسية، يُعدّ لبنان بوّابة استراتيجية نحو شرق المتوسط، حيث تتقاطع أطماع الغاز والنفط، وتتصادم المصالح الإقليمية والدولية. المشاركة اللبنانية – ولو بصيغة رمزية أو عبر قوى أمر واقع – تمنح التحالف بعداً بحرياً وشرعية لمطالب ترسيم الحدود التي قد تتعارض مع الاتفاقيات الموقّعة سابقاً بين لبنان وإسرائيل أو تلك التي ترعاها واشنطن وباريس.
إعادة ترسيم المتوسط: صدام مرتقب؟
أكثر ما يُقلق في هذا التحالف هو ما يطرحه من إمكانية تعديل قواعد اللعبة في شرق المتوسط. التعاون العسكري بين الدول الثلاث قد يسبق خطوات أكثر حساسية: إعادة النظر في الحدود البحرية، تحدي الاتفاقيات الثنائية بين قبرص واليونان من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وفرض وقائع جديدة على الأرض وفي البحر. هذا وحده كفيل بتفجير توتر إقليمي، خصوصاً مع تورّط لاعبين مثل فرنسا، مصر، والولايات المتحدة في ملف الطاقة البحريّة.
البُعد الأيديولوجي: محور مقاومة جديد؟
في عمق هذا المشروع يتسرّب سؤال مركزي: هل نحن أمام تحالف وظيفي مؤقت، أم محور استراتيجي ذي طابع أيديولوجي؟ ما يظهر حتى الآن هو محاولات لتأسيس جبهة مضادة للنفوذ الغربي والإسرائيلي، في تكرار مُعدّل لتجربة “محور المقاومة”، لكن هذه المرّة بنكهة تركية. التقاء مصالح أنقرة ودمشق وبيروت – رغم تناقضاتها السابقة – يعكس فهماً مشتركاً بأنّ البيئة الدولية لم تعد تسمح بالرهان الكامل على الغرب، وأن الشراكات الإقليمية قد تكون الخيار الوحيد أمام دول محاصرة بالعقوبات، ومُستهدفة أمنياً.
أخيراً..
التحالف التركي-السوري-اللبناني لا يزال في طور التشكّل، لكن إشاراته الأولية تكشف عن نية جديّة لتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة. نجاح هذا المشروع يتوقّف على عوامل عدّة: مدى قدرة تركيا على تحمّل كلفة الانقلاب على تحالفاتها الغربية، استقرار النظام السوري وقدرته على الانخراط في تحالفات غير تقليدية، ومرونة الداخل اللبناني في امتصاص تبعات هكذا تحوّل.
لكن الأهم: كيف ستردّ إسرائيل، الولايات المتحدة، ودول الخليج؟ وهل نشهد في الأشهر المقبلة تحوّلاً من حرب باردة دبلوماسية… إلى مواجهة مفتوحة على ساحات متعدّدة؟