الفدرالية في لبنان بديل نظري
د. راشد الشاشاني / مناشير
لم تنطلق الاصوات المنادية بالفدرالية عبثا، لقد حركها وسار بها الم الغربة داخل الوطن، هذا الالم لم يكن ليهدأ لو ان شكل الوطن كان مختلفا ، اقصد شكله السياسي وتركيبته الاثنية، صحيح ان هذه العناصر تشكل قوام همّه وعدّة ويلاته، لا لذاتها بل بطريقة ادارتها.
لم يكن التنوع الذي تنادي جماعة انصار الفدرالية باعادة تنظيمه سياسيا عيبا يوما ما، التنوع سنة الحياة وقدر الاحياء وتضارب المصالح ثمن التنعّم بألوان هذا التعدد اللوني، بل شكلت أساليب فض تنازع هذا التضارب على الدوام مناطق النزاع وميادين الخصام ؛ ما كان يستدعي على دوام هذا الخصام ادامة ادوات تسويته التي تستلزم من بين ما تستلزم هياكل سلطة فرض حلوله .
تطالب البداهة دوما ان تكون هياكل سلطة الفرض هذه داخلية محلية بمعنى تمثيلها لفرقاء الخصومة واطراف النزاع بل يمتد الأمر الى اجزاء التوافق واقطاب الاتفاق ، غير أن واقع الحال كان مغايرا في كل حالة تطلبت تدخل هذه الهياكل ؛ إذ بات امر تقرير الموقف الذي تتبناه كل جهة يرتكن الى مشورة – بالأقل – خارجية ان لم يتعدى الامر ذلك.
انتج هذا الوضع نتيجة اسوأ من تلك التي سعت كل الأطياف الى تفاديها ؛ حالة التخندق في خنادق الغير زادت على الطين بلّته ، محولّة معها شأن الاطياف الداخلي هذا الى ساحة افتراضية لمعارك سياسيه اقليمية ودولية بدلا من كونها قلعة لصد هجوم الخلاف ، بمعنى : ترسيخ حالة الظلم باعتبار اساس صدوره من جهة ما لا على اساس طبيعة الظرف الذي انتجه ، ما يعني إعلاء جدار الفصل والفرقة بين اطياف المجتمع الذي لم يكن يعرف سوى انه ابن هذه الارض .
نتيجة لما سبق : كان طبيعيا تمترس كل طيف بما يواليه ورفضه كل ما يوالي غيره : فكرا ، اشخاصا ، مواقف ….الخ ، بغض النظر عما اذا كانت في صالح طيفه او في صالح البلد عموما ام لا ، اصبح مع هذا معيار المصالح هو : من هي جهة تبني هذا الرأي .
حتّم الوضع السابق تسابقا على استحواذ قوة العدد لا قوة الفكرة او الطرح بغية الوقوف امام تعدد الاطياف هذا ، هذا التعدد الذي اريد له ان لا يقبل غيره إلّا تابعا وهو ووصف لا يستثني طيفا منها .
طبيعة الاشياء تفرض الاستقلال في حالة كهذه ، لم يغب عن بال هذه الاطياف هذا الاستقلال واختار كل منها ميدانه الذي رأى فيه نطاقا للمد والجزر تحت مظلة عدم اتهامه من قبل الاخرين بوطنيّته ، هذا الفخ الذي سقط فيه الجميع ، ففي خضمّ هذا الزحف نحو الوقوف على قمة مثلث : السلطة ، الاطياف ، الارض ؛ وجد الكثير انفسهم يمشون بل يهرولون في مضمار الدعوة الى الاستقلال تحت مظلة الفدرالية ظنّا فيها الخلاص من سطوة قيد السير الجماعي وغلبة المشقة في حل التنازعات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
لقد هرب هذا الاتجاه نحو هذه الفكرة دون تفكير جاد بعواقبها، الامر لم يتعدى – بالنسبة لهم – نكاية بغيرهم ،او خلاصا من الدلف حتى لو كان في اتجاه الذهاب الى المزراب .
كيف لمن عجز عن التفاهم على مسائل قائمة لا تحتاج الا الى قليل من التنازلات ان يتفاهم ويتوافق على ما هو اصعب واقسى حتى يصل الامر الى حد هدم سياسي ولا اقول انتقال وبناء سياسي جديد ولا اقول اعادة بناء .
يتناسى مؤيدوا الفدرالية صغر مساحة بلدهم التى تابى تقسيما من هذا النوع ، يجاهر بعض مؤيدوها عدائهم غيرهم من اطياف المجتمع وفي ذات الوقت يأملون التفاهم معهم على مهمة اصعب ” التقسيم الفدرالي بما يتطلبه من بناء دستوري جديد ” وهم غير قادرين على تنظيم ما هو ابسط من ذلك .
يتابع هؤلاء فكرتهم عن عدم تحقق الفدرالية بالانفصال كبديل يناسب وجهة نظرهم ، لم يتنبّه هؤلاء الى مصيرهم مع فقدانهم القوة الفاعلة في حمايتهم : قوة السلاح بغض النظر عمن كان بيده فالجميع ابناء هذه الارض ، وقوة الوحدة التي ستقتسمها قوى اخرى فيما لو تحقق مرادها .