خبر عاجلدولياتسياسة

الإجهاز على “الأونروا” إجهازٌ على “الدّولة الفلسطينيّة”

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

الإجهاز على “الأونروا” إجهازٌ على “الدّولة الفلسطينيّة”

عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان – النهار العربي
مناشير
بين الرئيس الأميركي الذي يحاول إنقاذ “ولايته الثانية” ورئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يحاول إنقاذ حكومته ومستقبله السياسي، لا تزال محاولة التوصّل إلى “هدنة طويلة” في غزّة والجبهات الأخرى تفتقد المصداقية. لماذا؟ لأنها لا تحدّد “إنهاء الحرب” كأولوية تستجيب للمناشدات العالمية، ولا تُبرز وقف التقتيل والتدمير والتهجير كأهداف عاجلة وملحّة، ولا تطرح خطة كبيرة واقعية وواضحة لمواجهة حقيقة أن قطاع غزّة بات منطقة غير قابلة للحياة، كما خطّطت لها إسرائيل، بل إنها تقفز إلى أهدافٍ بعضٌ منها كان مطلوباً منذ عقود وقوّضته إسرائيل (حل الدولتين) وبعضٌ آخر يرمي إلى تعزيز الوضع الإقليمي لإسرائيل (التطبيع مع العرب) على رغم أنها برهنت، بارتكابها الإبادة الجماعية، أنها لا تستحقه.
جاء متأخراً جداً هذا الإقرار الخجول بـ”الاستعداد للنظر في الاعتراف بالدولة” أو بالأحرى بـ”دولة فلسطينية”، بما فيه من تكرار للعب والتلاعب بـ”ال” التعريف، كما حصل سابقاً مع “أراضٍ” أو “الأراضي” التي ينبغي أن تنسحب منها إسرائيل لأنها استولت عليها بالقوّة، خلافاً لما تجيزه قوانين الشرعية الدولية. لذلك لم يصدّق أحد النيات التي أبداها الوزيران ديفيد كاميرون وأنطوني بلينكن، لأنها لم تقترن بمراجعة معلنة لـ75 عاماً من السياسات الظالمة والمخادعة في حق الشعب الفلسطيني والأخطاء التاريخية حيال الشعوب العربية. كان لافتاً أن تلك النيات لم تثر أي ردود فعل من “الحلفاء” الغربيين أو من العواصم العربية، أما السلطة الفلسطينية، المعنيّة بهذه “الدولة”، فاكتفت بترحيب عادي يضع الكلام تحت الاختبار. لا يمكن مقاربة طموح “الدولة الفلسطينية” بمزيد من الخداع، بل لا يمكن أن تُطرح في سياق تحقيق طموح إسرائيلي للإجهاز على وكالة “الأونروا”، إذ إن قطع التمويل عنها لا يعني سوى تزكية دعوات بتسلئيل سموتريتش وزمرة المتطرّفين الإسرائيليين إلى إفراغ تلك “الدولة” من سكانها قبل التفكير في إنشائها.
تعاملت إسرائيل مع “اتفاق الإطار” لهدنة تبادل الرهائن والأسرى باعتباره “صفقة” مربحة لـ”حماس” وهذا كافٍ لرفضها، و”صفقة” خاسرة لبنيامين نتنياهو، ما يحفّزه على العبث بها، خصوصاً أنها مرفقة بـ”وعد” – للعرب – بإمكان الضغط لاحقاً لجعل الهدنة الموقّتة “دائمة”. أما الجانب المعلّق بـ”التطبيع” فلا يعني نتنياهو في هذه اللحظة، سواء لأنه مكتفٍ بما أنجزه من “تطبيع” على طريقته، أو لأنه غير واثق بأنه سيكون في الحكم عندما يُصار إلى توسيع هذا “التطبيع”. فالمهم عنده الآن ليس استعادة الرهائن بل استعادة القدرة على البقاء في منصبه.
من جانبه، يسعى جو بايدن إلى اتفاق عاجل لاستعادة الرهائن من غزّة، وبينهم أميركيون، علّه يعوّض بهم بعضاً من السخط الذي أضرّ بحملته الانتخابية داخل حزبه وبـ”الأخلاقية السياسية” التي طالما تباهى بها. لذا استنبط فريق إدارته “رزمة” أفكار يعرض في جانبٍ منها استعداداً لـ”الاعتراف بدولة فلسطينية” علّه يصحّح به أخطاء دعمه للوحشية الإسرائيلية. لكنه مع ذلك لا ينسى واجبه – كصهيوني – في إنقاذ إسرائيل من نفسها، حتى لو تطلّب ذلك بعض القرارات الصعبة.
لكن نتنياهو يريد الأشياء ونقائضها: استعادة الرهائن للانتهاء من الضغط الداخلي عليه، ومواصلة الحرب لـ”القضاء على حماس”، وإلغاء “الأونروا” لفرض تهجير الفلسطينيين كأمر واقع، وإحياء الاستيطان في غزّة بموازاة توسيعه المستمرّ في الضفة الغربية للحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي. وعلى رغم تكاثر المطالبات برحيله حتى داخل حزبه – الليكود، إلا أنه ليس مستعداً للتسليم بنهاية حلمه بأن يكون ثالث الشخصيات البارزة في تاريخ إسرائيل، بعد هرتزل وبن غوريون.
يختلف أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي، ويتشاجر أعضاء “الحكومة المصغّرة” في شأن “اتفاق الإطار” الذي صيغ في باريس بعناية مديري الاستخبارات، الأميركي والمصري والقطري والإسرائيلي، ولا يقولون إنه مجرد عناوين تحتاج إلى تفاصيل، أي أنه يمنحهم هامشاً كبيراً للمراوغة. لكنه لم يقنع “حماس” والفصائل الأخرى بجدوى قبوله، إذ إن خسارة الرهائن كورقة ضغط في يدها من دون “وقف العدوان” تبدو لها مجازفة مكشوفة المعالم.
من الواضح أن المهندسين الأميركيين لـ”الهدنة” المفترضة أخذوا في اعتبارهم فقط أولوية رئيسهم بإعادة انتخابه، ولم يُبدوا اهتماماً بالأولويات الإنسانية العالمية (وقف التقتيل والتدمير، وإنهاء حرمان سكان غزّة من الغذاء والماء والدواء). فبعد كلّ ما حصل، لا تتخلّى إدارة بايدن عن مصالح إسرائيل، سواء تماشى نتنياهو مع أطروحاتها أم واصل التمرّد عليها. لم تكتفِ بالدعم المطلق الذي قدّمته للحرب، مغطيةً على جرائم إسرائيل ومجازرها، بل ذهبت بعيداً في تسفيه محكمة العدل الدولية وقرارها، ثم في الردّ على هذا القرار بتبنٍّ سريع ومتهوّر للمزاعم عن مشاركة أفراد غزّيين عاملين مع “الأونروا” في هجوم “7 تشرين”. ولكي تبرّر قطع تمويلها لهذه الوكالة الدولية، أعادت واشنطن ربط هذه المزاعم بالموقف الغربي العام من حركة “حماس” وكأن الهجوم حدث بالأمس، أو كأن مشاركة 13 شخصاً فيه تستحق معاقبة 13 ألفاً يعملون مع “الأونروا”، وبالتالي معاقبة شعب غزّة والشعب الفلسطيني فوق كل ما تعرّض له طوال هذه الحرب وما سبقها.
في مرحلة البحث عن نهاية للحرب، خرج نتنياهو للدعوة إلى “إنهاء عمل الأونروا”، أي إلى استكمال حملة الإبادة التي شنها جيشه باجتذاب آخرين للمشاركة فيها، وإذا بثماني عشرة دولة تجمّد تمويل الوكالة وهي تعلم يقيناً أن لا بديل منها لمساعدة الشعب الفلسطيني في الضفة والأردن ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى غزّة التي هي بأمسّ الحاجة إليها الآن وغداً. الأسوأ أن معظم الدول التي حجبت تمويلها أعلنت قرارها مستجيبة لضغوط أميركية من دون أن تطّلع على تفاصيل الاتهامات الإسرائيلية وقبل أن تنهي “الأونروا” تحقيقها في المزاعم.
الحقد الإسرائيلي على “الأونروا” متأصّل ومزمن، لمجرّد كونها “وكالة لغوث اللاجئين” أي لمنع إبادتهم، والحقد موصولٌ للأمم المتحدة لأنها الجهة الدولية الشاهدة على وجود احتلال لفلسطين واضطهاد لشعبها. أرادت إسرائيل عبر التشكيك بـ”الأونروا” أن “تنتقم” من أنطونيو غوتيريش ومن الأمم المتحدة التي استندت محكمة لاهاي إلى تقاريرها في تثبيت شبهة الإبادة الجماعية. أما نتنياهو فوجد فرصة سانحة لاستئناف حملة مزمنة بلغت ذروتها خلال الإعداد لـ”صفقة القرن” مع “صديقه” الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي قطع التمويل فعلاً عن “الأونروا”. ولا شك في أن الاستجابة العمياء من إدارة بايدن زادت نتنياهو اقتناعاً بأن الظروف ملائمة لتحقيق الهدفين معاً: التخلّص من “الأونروا” وحرمان شعب غزّة من أي مساعدة تمهيداً لتهجيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى