وفيات الحجاج.. ما الحلول لتفادي وقوع المأساة مجددا؟
شهد موسم الحج لهذا العام حصيلة مؤسفة بوفاة المئات من الحجاج، حسب تقارير، نتيحة الحر الشديد أثناء أداء المناسك، وجميع الضحايا من غير المسجلين في القوائم الرسمية، بحسب السلطات السعودية.
فما الحل لمواجهة المشكلة؟
وفق تقارير، لقي أكثر من 1800 حاج مصرعهم، الاغلبية من مصر، هذا ما طرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة وكذلك تداعياتها على مستقبل الحج والحلول الممكنة لتفادي وقوعها مجددًا. وبحسب تقارير السلطات السعودية ان درجات الحرارة وصلت إلى 51.8 درجة مئوية مع اختتام موسم الحج في مكة المكرمة، بينما حج إلى المناسك هذا العام تقريبًا 1.8 مليون حاج. فيما نقل حجاج ان الحرارة لامست ال60 درجة مئوية.
وليس هذا الرقم الكبير من الحجاج غريبًا فهو تقريبًا نفسه خلال العام الماضي، وتشير التقارير السعودية إلى أن عدد الحجاج القادمين من الخارج هم الأغلبية بحوالي 1.6 مليون حاج وحاجة، أغلبهم من الدول الآسيوية غير العربية بحوالي 63% ثم الحجاج العرب بحوالي 22% والباقي موزعون عبر العالم.
الإجهاد الحراري.. سبب رئيسي
وتشير الكثير من التقارير أن السبب المباشر لوفيات الحجاج هو درجات الحرارة المرتفعة. وتثير دراسات حول المناخ مخاوف من ارتفاع جديد للحرارة خلال السنوات المقبلة، وهو ما سبق لمجلة “جيوفيزكال ريسورش ليترز” العلمية أن أشارت إليه عام 2019 بالقول إن التغير المناخي سيرفع الإجهاد الحراري للحجاج إلى مستويات تتجاوز عتبة الخطر الشديد في السنوات القادمة.
“موجات الحر هذه غير مسبوقة وتدفعنا للعمل أكثر لمواجهة تغير المناخ ومطالبة الحكومات بالالتزام بتعهداتها وتحديثها من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة”، تقول نهاد عواد، منسقّة الحملات والتواصل العالمي في تحالف “أمّة لأجل الأرض”، التابع لـ”غرينبيس” الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في جواب لـDW عربية.
وحسب صحيفة الواشنطن بوست، توفي عدد من الحجاج هذا العام خلال سيرهم تحت اشعة الشمس الحارقة.
لعدم إمكانية استخدامهم الحافلات وعدم القدرة على الدخول إلى الخيام المكيفة ومراكز التبريد المخصصة لحاملي التصاريح، وكذلك تفاديهم البحث عن المساعدات الطبية، خوفًا من إبعادهم لكونهم سافرو للحج بشكل غير نظامي، لكن هناك شهود صرحوا أن حتى مكيفات الهواء داخل الخيام توقفت في فترات عن العمل بسبب الحرارة.
مشكلة الحج غير النظامي
وأرجعت السلطات السعودية في تصريحات لوكالة فرانس برس سبب ارتفاع الوفيات إلى “سوء تقدير من الناس الذين لم يقدروا المخاطر التي سوف تحدث لهم”، ومن ذلك مشكلة الحجاج غير النظاميين، وهم الحجاج الذين وصلوا إلى أداء المناسك دون أن يكونوا مسجلين بشكل رسمي في القوائم.
وقال مسؤول سعودي إن التجهيزات، ومن ذلك الحافلات، معدة مسبقًا للحجاج النظاميين المسجلين بشكل مسبق.
من جانبه يقول مشرف مصري في شركات السياحة المصرية لـDW عربية إن هناك تساهلا أمنيا كبيرا في المعابر، وهناك سهولة شديدة في الدخول إلى الحج عن طريق الطرق البرية دون ترخيص، ما يساهم في ارتفاع أعداد الحجاج غير النظاميين.
ويطالب المشرف، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، كذلك بالحد من دخول الناس غير المسجلين قبل شهر على الأقل من مناسك الحج. كما وجه الحجاج عموما وخصوصا كبار السن والنساء إلى عدم السفر بمفردهم بسبب صعوبة الأوضاع في الحج، لافتاً أن عددا مّمن توفوا كانوا بمفردهم ولم يكن معهم من يدعمهم.
واعترفت السلطات المصرية بوجود تحايل من مجموعة من شركات السفر لأجل نقل الحجاج بصورة غير نظامية، وهي ظاهرة منتشرة في مجموعة من الدول التي تلجأ فيها بعض الوكالات إلى خرق القانون بسبب الضغط الكبير على التأشيرات وارتفاع التكاليف، وسحبت السلطات تراخيص عدد من شركات السفر المشتبه بخرقها القانون.
جهود محمودة ولكن
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن دراسة صادرة من مستشفى الملك فيصل التخصصي أن درجات الحرارة ترتفع في مكة المكرمة بمعدل 0.4 درجة مئوية لكل عقد، لكن حالات ضربات الشمس انخفضت بنسبة 74.6% مما أدى إلى انخفاض معدل الوفيات تقريبًا إلى النصف.
ومن الإجراءات المتخذة حسب المصدر “مراوح الرذاذ وأعمدة الضباب المائي لتلطيف الهواء في الأماكن المفتوحة وتوزيع الماء والمظلات وتوفير وسائل نقل مكيفة وتقديم خدمات طبية مجانية أثناء الحج”، فضلاً عن القيام بطلاء الأسطح الأسفلتية لمسجد نمرة، قرب جبل عرفات، بهدف خفض درجة الحرارة.
لكن في الأوان ذاته هناك من يرى أن هذه الإجراءات، وتحديدا “الطلاءات العاكسة” محدودة النتائج، كما تقول أريان ميديل، باحثة في المناخ من جامعة ولاية أريزونا، للواشنطن بوست، وتقول إن “توفير ظلال على طول طرق الحج هو طريقة أكثر فعالية لتبريد الأجواء على الناس”، غير أن الباحثة أشادت بزراعة الأشجار وتوفير المياه والمظلات وتركيب أنظمة الرش، مطالبة بتكثيف مثل هذه الجهود.
من جانبها تقول نهاد عواد: “لنكرم ذكرى من فقدنا من الحجاج بالعمل الفوري للتخلص من الوقود الأحفوري والالتزام بعالم أكثر خضرة واستدامة”، مؤكدة أن موجات الحر التي نشهدها أضحت “أكثر حدّة وتواترًا بسبب تغير المناخ لذلك إذا لم نعمل بشكل عاجل وطارئ فسنشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة لفترات طويلة، وسنعاني أكثر من ظواهر الطقس المتطرفة”.
وتقترح المتحدثة بعض النصائح للحجاج للتأقلم مع موجات الحر، ومن ذلك “الحرص على شرب الكثير من المياه، وتجنّب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين كذلك تناول الأطعمة المرطبة كالفواكه مثلا”.