مناشير أسامة القادري
يصح القول “ويل لأمة تشرب مما في باطن ارضها ماء”، وهي تعوم على بحر من المياه العذبة وتشرب السم الزعاف، لم يعد السكوت وانتظار النتائج يجدي نفعاً، بينما تهدد خطة تنظيف النهر وجود المصانع والمعامل بالإقفال، والبلديات بالإفلاس، والزراعة بالاندثار، لهدر أهلية المسؤولية، بحجة تلويث “مجرور الليطاني” ، طالما لم نجد المسبب الرئيسي لإكتشاف مادة الزئبق بنسبة تعد خطراً على حياة الانسان 0.0048 ملغ من أصل نسبة 0.001، في المياه الجوفية، مما ترفع من نسبة الاصابة بمرض السرطان، فهي مواد كيميائية متحللة وصلت الى باطن الارض وخاصة في الينابيع الواقعة تحديداً عند سلسلة جبال لبنان الغربية. أي في المناطق المرتفعة عن مجرى الليطاني. وهذا ما يستدعي الوزارات المعنية بكافة أجهزتها التفتيش في المرتفعات عن دفائن تسبب هذا التلوث الكيميائي في المياه الجوفية.
وارتفاع نسبة النترات في مياه الشفة ووجود نسبة خطيرة من الزئبق مما يدل أن المشكلة تأتي خلافاً لما هو ظاهر في تلوث المياه السطحية.
ولأن القوى السياسية اللبنانية تجمع على تنظيف نهر الليطاني من الملوثات فيه، بإصرارها على تنظيفه بندوات ومزايدات فيما بين الوزراء وجولاتهم للنهر، واذ بخطاباتهم الرنانة والوعود تسقط في المياه فتزيدها تلوثاً وترفع نسبة السموم.
فأقل ما يمكن أن يقال أن هجوم الوزارات كافة ما هي إلا كرمى لأرقام مئات ملايين الدولارات المرصودة لهذا المشروع البيئي لتقول كل وزارة وادارة مصلحة نحن أحق من هذا وذاك بالمبلغ المرصود.
دون وضع خطة توازي بين ضرورة تنظيف الليطاني من الصرف الصحي الذي تتحمل الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها المسؤولية، وغياب فعلي لخطة تنظيف المياه الجوفية من التلوث والتي تشير التحاليل والفحوصات المخبرية وجود نسب عالية وملوثة. وبالتالي يهربون الى تحميل القطاع الصناعي كأنه الملوث الوحيد. فيتهدد عشرات المؤسسات الصناعية بالإقفال، وسد أبواب الرزق أمام المئات من العمال والموظفين في وقت تمارس الدولة سياسة التقشف ووقف توظيف نحو ١٢ الف سنوياً في القطاع العام، وبالتالي من لم يمت من التلوث يموت من الجوع والبطالة فتبقى المشكلة دون حل، فيما هي تكمن في مكان آخر. ربما تكون مطمورة في المرتفعات أو ان هناك منشأت خطيرة في مناطق محظورة بعيدة عن عين الدولة، تتسرب منها الى المياه الجوفية.
لا أحد ينكر أن المصانع ترمي صرفها الصناعي في النهر، وتحتاج الى حل بمحطات تكرير قد تكون مشتركة بين مجموعة مصانع او محطات تنشئها الدولة وتشرف عليها وتتقاضى بدل من كل مصنع بحسب كميته بالمتر المكعب. وبمعادلة حسابية صغيرة تظهر أن نسبة تلوث الليطاني من الصناعة لا تشكل الرقم الضخم كما يصوّر.
وهذا ما أكده الباحث في علوم المياه والمحاضر في الجامعة اللبنانية الدكتور ناجي كعدي، ل”مناشير ” أن الدراسات والتحقيقات تثبت أن التلوث يندرج في ثلاث أقسام.
الجزء الأكبر من الصرف الصحي، والثاني من عشوائية استعمال المبيدات الزراعية والثالثة من التلوث الصناعي.
يفند كعدي بالأرقام الفروقات بين الصرف الصناعي والصرف الصحي، يوجود ما يقارب 200 مؤسسة صناعية، تعتبر جميعها صناعات تحويلية خفيفة، تصب في النهر نحو 2.3 مليون متر مكعب سنوياً، 53 % منها صناعات غير ملوثة، وقال “ان تلويث نهر الليطاني لا ينحصر فقط بالمصانع انما يشمل كل القطاعات الإنتاجية الأخرى”. وتابع كعدي بحسب الأرقام أن نسبة تلوث المياه السطحية “نهر الليطاني” النسبة الأعلى تأتي من الصرف الصحي لأن عدد سكان الحوض الأعلى للنهر 750 ألف نسمة بالحد الأدنى، يصبون صرفهم الصحي أكثر من 60 مليون متر مكعب سنوياً. وبالتالي أي خطة ما لم تبدأ الدولة بتشغيل محطات التكرير المنشأة وإنشاء محطات لبلدات وقرى تديرها البلديات او اتحادات البلديات، يكون العمل “غير كامل”.
وتابع كعدي كاشفاً ل”مناشير”، أن مصلحة الابحاث العلمية الزراعية في تل عمارة، أجرت عام 2016 فحوصاً مخبرية لمياه نبع البردوني وكانت النتيجة كارثية 0.0048 ملغ من مادة الزئبق، من أصل 0.001 ملغ المسموح فيه، وبذات الوقت أجرت فحوصاً من مياه النهر في زحلة ولوحظ تدني نسبة الزئبق الى 0.003 مع ارتفاع كمية المياه، وأيضاِ عند التقاء البردوني بالليطاني وصلت النسبة الى 0.002، مما يدل أن المشكلة في المياه الجوفية وما يتسرب اليها من اعالي الجبال. وقال “هذا دليل على تعدد مصادر التلوث المبهمة والخطيرة”.
الباحث الدكتور ناجي كعدي
وعن ارتفاع نسبة النترات في المياه الجوفية قال ” السبب الرئيسي هو الأسمدة والأدوية الزراعية التي يستعملها المزارعين بشكل عشوائي، دون الاعتماد على رزنامة زراعية تخفف من هذه المبيدات. والتي تحتاج اولاً الى رقابة فاعلة في موضوع استعمال الاسمدة، وحذر الكعدي أن 9500 هكتار من الاراضي الزراعية تقع في الحوض الأعلى للنهر تروى من مياه الصرف الصحي، وهذا ما يضاعف التأثير السلبي لأنه يلوث بالملوثات العضوية الجرثومية ( ايشيريشياكولاي) وثانيا التأثير الكميائي بالنترات والمبيدات، لأن مياه الصرف الصحي ترفع نسبة النيترات في النبتات التي تروى منها، بطريقة مباشرة تلوث المزروعات بإثنين من الملوثات “بيولوجية وكميائية”، وبالتالي تسهل عملية التبادل الادرولوجي بين السطحية والجوفية فترفع من نسبة تلوث المياه الجوفية.
أما عن المعالجة قال “المعالجة يجب أن تكون شاملة وغير جزئية تبدأ من تحديد القوانين وتطبيقها، ووضع أسس واضحة للتعاون الوزارات والفاعلين بلديات ومؤسسات عامة وجمعيات أهلية، وأشار أن الحل في هذا الوضع الاقتصادي السيئ وفي ظل سياسة تقشفية، أولاً رفع التعديات عن مجاري الأنهر، ثانيا إنشاء محطات تكرير مصغرة تستوعب صرف لثلاث بلدات او اربع، تكون البلدية قادرة على تشغيلها، لان المحطات الكبيرة تحتاج الواحدة منها الى 250 ألف دولار شهرياً لتشغيلها. أما المحطات الأصغر تستطيع البلدية او الإتحاد تشغيلها وتغطية تكاليفها من السماد الذي ينتج منها. ثالثاً تنظيم استعمال المبيدات والأسمدة، وإلزام المعامل الكبيرة تركيب محطات تكرير، والمعامل الصغيرة تشجيعها على تركيب محطات مشتركة.
وفي الختام أمل أن تشمل ورشة الحفاظ على المياه “رفع التلوث عن المياه السطحية والجوفية في ان معاً وعدم اجتزاء الخطة”.