الرد الايراني: “انا هنا”.. تمهيداً لتسوية جديدة في المنطقة..!
اسامة القادري – مناشير
شكّل الرد العسكري الايراني على اسرائيل مادة دسمة حتى بعد مرور نحو اسبوع على هذه العملية العسكرية، والتي بدت في الشكل رغم شمولها مئات الطائرات بدون طيار وعشرات الصواريخ، الا انها كانت فعلاً تصعيداً غير مسبوق في الصراع المستمر بين الدولتين.
فأظهرت بالشكل انها عملية غير متكافئة مع منظومة القبة الحديدية الاسرائيلية والامكانات الحربية المتطورة والتكنولوجية العالية والدعم الدولي لها، وهذا ما جعل التعليقات عليها منقسمة في تفسير كيفية الرد والتصريحات والتسريبات التي سبقتها، وكذلك النتائج التي اسفرت عنها لصالح ايران ومحور “الممانعة”، فتوزعت التعليقات بين من اعتبر الرد مسرحية متفق عليها بين الامريكي والايراني وبين من رأها رد من شأنه خلط اوراق التسوية الجديدة في المنطقة وتسرّع لإنهاء حرب الابادة. وفي كلتا الحالتين الانتقادات من خلفية “العجز العربي” في احداث توازن في هذا الصراع، بعد ان حوله الضعف وغياب الوزن من صراع عربي اسرائيلي الى صراع فلسطيني اسرائيلي، ومع دخول الايراني اعطاها صبغة اسلامية.
فبدى للبعض خلافاً للفلسطيني ان هناك حلف بين طهران وواشنطن وتل ابيب، من خلال تفسيرات وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان، بأنهم ابلغوا الإدارة الأميركية قبل 72 ساعة بهذه العملية. انما في المنطق العسكري وبحسب الخبراء العسكريون ان مثل هذه الحروب وامام التقدم التكنولوجي ومسافة 1600 كلم بين فلسطين المحتلة وطهران والتحكم الغربي بالاقمار الاصطناعية كل ذلك يجعل هذه المعركة تفتقد لعنصر المباغتة، انما في الميدان كشفت ان الرد جاء لإختبار “القبة” الحديدية وامكانية اشغالها وتعطيلها اذا أمكن بأقل الإمكانات وأيضاً لتجربة اسلحة ايرانية الصنع بسيطة ومطورة، وهذا اثبت نجاح الخطة في تشتيت القدرات الاسرائيلية.
فالرد في قراءته السياسية اتى على ضربة نفذتها إسرائيل على القنصلية الايرانية في دمشق مطلع أبريل، وأسفرت عن مقتل قادة كبار في الحرس الثوري، بعد أشهر من المواجهات بين إسرائيل وحلفاء إيران في المنطقة وارتدادات الحرب في غزة.
وهنا لا شك ان اسرائيل فشلت في تقديرها ان ايران لن ترد، وبعد الرد حاولت كثيراً كعادتها اخفاء الخسائر البشرية والمادية، كما حصل مطلع التسعينيات عندما قصف صدام حسين اسرائيل بصواريخ سكود بعيدة المدى اخفت اسرائيل الخسائر التي تكبدتها جراء تلك الصواريخ، لتكشف اللثام عنها بعد اكثر من خمسة عشر عام، ايضاً حينها شكك المشككون ان هذه الصواريخ خدمة لاسرائيل لدعم تطوير منظومتها الدفاعية انذاك، فنامت الانظمة العربية بعدها بسبات عميق، ليستفيقوا في 7 اكتوبر على عملية بطولية، مشككين فيها وبالأسباب والتوقيت وكأن لا يوجد احتلال في فلسطين منذ قرابة المئة عام، ولا حصار على غزة منذ اكثر من 17 عام، وكأن دور الانظمة العربية فقط للتشكيك بأي عملية.
كذلك هو الحال في الرد الايراني والأضرار الناجمة منه، وما أخفته حكومة الكيان، كشفته بعض وسائل الاعلام العبرية، ان عدد من الضباط والجنود قتلوا جراء سقوط صواريخ على قاعدة رامون الجوية في صحراء النقب.
فبعد مرور قرابة اسبوع على هذا الرد لا يزال الترقب والاستنفار على حاله في إسرائيل وإيران، ويؤكد المتابعون والاعلام العبري ان الجيش الإسرائيلي في حالة استنفار رغم تخفيف بعض الإجراءات التي أعلنت قبيل الرد الإيراني.
فكشفت هذه العملية عن التجاذبات بين بايدن ونتنياهو وذلك بحسب ما اكدته مصادر مطلعة على المحادثة الهاتفية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أن سيد البيت الأبيض قال بوضوح خلال المكالمة إنه لن يكون بجانب تل أبيب في حال قررت الهجوم والرد على ايران.
اما الحديث عن ان ايران منيت بفشل إستراتيجي ذريع بعد تمكن الدفاعات الإسرائيلية وجيوش المنطقة من صد 99% من الهجمات الصاروخية الإيرانية بحسب الرواية الاسرائيلية، ما هو الا كلام فارغ لا يرتقي للتحليل، لأن هذه الهجمة قلبت الساعة الرملية لصالح ايران في منطقة الشرق الأوسط وخاصة العربية فأرست بذلك معادلة جديدة “إما مع إسرائيل أو مع إيران”،
لذلك تتوقف مواقف مجلس الحرب الإسرائيلي عند قراءتين، إحداها تقول إن إيران بهجومها المباشر على إسرائيل “كسرت الخطوط الحمراء المرسومة على مدار عقدين، وهو ما يستدعي ردا إسرائيلياً”، لم يحسم بعد شكله ومكانه وما اذا اسرائيل تكتفي بضرب حلفاء ايران في المنطقة.
اما الحديث عن ان ايران منيت بفشل إستراتيجي ذريع بعد تمكن الدفاعات الإسرائيلية وجيوش المنطقة من صد 99% من الهجمات الصاروخية الإيرانية بحسب الرواية الاسرائيلية، ما هو الا كلام فارغ لا يرتقي للتحليل، لأن هذه الهجمة قلبت الساعة الرملية لصالح ايران في منطقة الشرق الأوسط وخاصة العربية فأرست بذلك معادلة جديدة “إما مع إسرائيل أو مع إيران”، ما جعل الكل يتريث في اصدار البيانات بما فيها الدول العربية المعترفة باسرائيل والمطبعة معها.
وهذا ما يجعل حكومة الكيان، بين شاقوفين شاقوف استعطاف الداخل بالرد والدفاع عن خيار القوة التي بنى الكيان منظومته لتكريس احتلاله للاراضي العربية ولاعتداءاته الدائمة على الفلسطينيين، والشاقوف الآخر احتواء الموقف الغربي وترسيخ هذا التحالف وترميم التعاطف الذي فقدته بعد حربها على غزة، بالتعامل وفق قواعد الاشتباك السابقة، لذا فإن ارادت حكومة نتنياهو كسب الداخل وضرب ايران ودخولها بحرب اقليمية يجعلها تخسر العطف الغربي، وهذا ما يغلب ان اسرائيل تكتفي بعمليات استخبارية في إيران، أو ضرب أهداف إيرانية في سوريا.
وبالتالي افسحت هذه العملية المجال امام ايران لان تكون حاضرة على طاولة التسويات المقبلة في المنطقة بخصوص القضية الفلسطينية وخاصة وقف حرب الإبادة على غزة بعد التعنت الاسرائيلي في رفضه ربط الجبهات المساندة للفلسطينيين بحرب غزة. فإيران كثيراً ما تعرضت للإعتداءات الصهيونية على ارض ايران واغتيالات لقادة وعلماء ايايرانيين فلم يرتق اصرارها للرد، انما هذه المرة اتى لخلط اوراق التسوية تمهيداً لدخولها نادي الدول “النووية” وابقاء “أذرعتها” في المنطقة غب الطلب.
هذا يحسم جدلية انه بحال ردت اسرائيل، ما يشعل ذلك فتيل اوسع لحرب شاملة في المنطقة، يكون فيها الأساس للدول المحيطة. وموقف للجمهورية الاسلامية الايرانية.