خبر عاجلسياسةمقالات

أبعد من غزة، أوسع من لبنان – أحمد جابر

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

أبعد من غزة، أوسع من لبنان – أحمد جابر

 

 

أحمد جابر / مناشير

 

أفصح طول مدة الحرب على غزة، ومن ثم على لبنان، عن حقيقة الأهداف التي تقف خلف تطاول ليل الاشتباك” الدامي، الذي ما زال يتدحرج فوق الجسدين، اللبناني والفلسطيني.

المقروء الآن في دفتر الحرب هو عنوان إعادة تشكيل الوضع العربي أولاً، ومن ثم ربط هذا التشكل بما يحيط به جوار قريب، ومن ارتباط دولي بعيد لن يذهب الظن بالتشكيل إلى حد ملامسة المس بالجغرافيا، في لبنان مثلاً، لكنه سيطال بالقص الجديد، البقية الباقية من فلسطين، وسيطال لملمة شظايا الانشطار الذي أصاب السودان، ونال من ليبيا، بعد أن سبقهما الصومال إلى التوزع على صومال “تراب” و “أرض صومال”.

الدليل، الذي لا يعانده واقع، إلى حقيقة الهدف أو الأهداف الخارجية، يدعمه مظهران الأول غربي بقيادة أميركية، والثاني إسرائيلي بقيادة “توراتية” سياسية، تتوسل الأسطورة والنص والادعاء ، سبيلاً لتغطية حرب الإبادة التي تقودها، من دون خوف من مساءلة، ومن دون إدانة أو عقاب.

وضع المسألة القتالية في إطارها الحقيقي، ينقل الحسابات السياسية من المحلية الضيقة، في الحالة اللبنانية، وينقلها من الفضائية المقيتة”، في الحالة الفلسطينية، ويضع أهل الحالتين في مواجهة الحسابات الوجودية “الكيانية” التي تقتضي حكمة ودراية ومراقبة الموازين القوى، وتقتضي قراءة للظروف المندمجة، دولياً وإقليمياً وعربياً، وهذه يجب أن تكون قراءة دقيقة، تستدرك آفة “خفة” الحسابات التي حَكَمَتْ أبناء قرار طوفان الأقصى”، مثلما تُلَمْلِمُ آثار استسهال أبناء قرار الإسناد، الذي أخذهم الطوفان” بأمواج تداعياته.

في السياق أعلاه، ما الذي يجب الوقوف أمامه ملياً، في محاولة لفهمه ولتفكيك بنوده، ثم في سعي لإعادة تركيبه كتمهيد ضروري لتحديد أساليب التعامل معه، في الحالة الدولية كما في حالة الميادين مع العدوانية الإسرائيلية.

 

في الحالة الأميركية:

تجتمع الأدلة وتتراكم نتائجها وخلاصاتها لتقف على أرض عنوان واصل هو عنوان إعادة إنتاج وتعميم الأمركة” التي فشلت مع جورج بوش الأب، بعد اجتياح أفغانستان، وبعد اجتياح العراق، وبعد أن تعافت روسيا من “جراح” تفكك الاتحاد السوفياتي، وبعد أن تابعت الصين الشعبية تقدمها الاقتصادي بهدوء داخلي، وبرصانة سياسية خارجية.
وكان للمفكر الأميركي، أن نسخة “الدمقرطة” الخلاقة، لا تتحقق من خلال قصف عمران البلاد، ولا من خلال العصف بالبنيات الموروثة للعباد. الدرس الذي استفاد منه “الغازي” الأميركي، هو درس الانتقال من الغزو الجغرافي المباشر، إلى الغزو “الهيمني” غير المباشر، وإلى سياسة تحقيق النفوذ العام من خلال أكثر من نظام وكيل
 عوامل “الما بعد” مجتمعة، أفشلت نظرية القطب العالمي الواحد، وعرقلت هدف الهيمنة الأميركية الشاملة، وأغرقت السياسات العدوانية الخارجية في متاهات البني الداخلية المستهدفة بالعدوان، وكان للمفكر الأميركي، أن نسخة “الدمقرطة” الخلاقة، لا تتحقق من خلال قصف عمران البلاد، ولا من خلال العصف بالبنيات الموروثة للعباد. الدرس الذي استفاد منه “الغازي” الأميركي، هو درس الانتقال من الغزو الجغرافي المباشر، إلى الغزو “الهيمني” غير المباشر، وإلى سياسة تحقيق النفوذ العام من خلال أكثر من نظام وكيل، بديلاً من استخدام قوة القمع الدخيل … هذا إذا نقلناه إلى الميدان العربي، ووجدنا نقلاً مدروساً لإنقاذ مفاعيل الهيمنة بالواسطة، إلى ديار ما تبقى من عقبات بسيطة في الميدان الشرق أوسطي، وهذه المرة من المدخل الفلسطيني، واستطراداً اللبناني، وارتباطاً برأس محور “المشاكسة” الذي اسمه النظام الإيراني.
في الحالة الفلسطينية:
كانت الإشارة منذ بداية الاشتباك في غزة، أن الأفق السياسي، أمام عملية الطوفان، مسدود وأنه لن يسمح لحركة حماس بخيال انتصار ينجم عن هجومها الذي أقدمت عليه. بعدما يزيد عن عام من القتال، ارتسم التوقع السياسي الابتدائي، فوق مساحة غزة المدمرة، وعلى وجوه أبنائها الذين صاروا شهداء وجرحى ومشردين. نستطيع اليوم القول، ومن دون مجاملة، إن حسابات المقاومة الحماسية كانت خاطئة، لأنها لم تدرك أبعاد اللحظة السياسية التي أحاطت بهجومه، وهي كما أسلفنا لحظة انتقال استراتيجي أميركي، مثلما هي لحظة تأكيد ثوابت هذا الانتقال في منطقتنا من خلال علامتين فاقعتين : الأولى حالة الضعف المتنامي الذي آل إليه الوضع العربي، وحالة الانفكاك العربي أيضاً من حول “القضية الفلسطينية”، الذي تجلى في التقدم صوب التطبيع مع إسرائيل، وتجلى أيضاً في خصومة بعض الأنظمة العربية لحماس، لأسباب مذهبية ولأسباب سياسية.

 

لقد أوقعت حماس، شعبها في بحر مغامرة غير محسوبة، وما سعى إليه المخطط “الحماسي” لم يتوقع رد الفعل الإسرائيلي، وما لجأت إليه إسرائيل كان مفاجئاً بسبب من وحشيته، مثلما كانت مفاجئة للجميع، تلك الرعاية الأميركية التفصيلية لهذه الوحشية المتعاظمة. ماذا يعني ذلك؟ عود على بدء، تأكيد ما هو مؤكد، أي أن إسرائيل قاعدة داع وهجوم للغرب، وأن تجاوز الخطوط المرسومة على جبهتها يستدعي عقاباً جماعياً من قبل الآلة الإسرائيلية، ومن جانب الرعاية الغربية العامة، والأميركية التي تتقدم هذا العموم.
ما الصورة الحالية على أرض فلسطين ؟ لا تقاس النتائج بديمومة الاشتباك، إذ أنه من طبائع الأمور أن تستطيع الدولة الفائقة القوة تدمير بلد ما واحتلاله، لكنها لا تستطيع استطراداً، فرض السكينة عليه، والاستقرار فيه هذه الخلاصة مستقاة من واقع التجربة البعيدة والقريبة، ومن الميادين الصينية والفيتنامية والأفغانية والفلسطينية واللبنانية. هذه الخلاصة، التي تجمع بين الاحتلال وعدم الاستقرار، لا تعني فشلاً للعدو، بقدر ما لا تعني انتصاراً للصديق، وعليه يجب أن نبحث عن إمكانية الربح الممكن في مجال آخر.
فلسطينياً، ليس لنا إلا تداول بعض الأسئلة التي تحتمل مقاربة لبعض الأجوبة من الأسئلة: هل قريت حرب غزة مطلب حل الدولتين أم جعلته أكثر ابتعاداً؟ وإذا حصل الاقتراب من دولة فلسطينية، فأي فلسطين هي المقصودة بتلك الدولة؟ هذا بعد أن أعيد احتلال غزة، وبعد أن قضم الاستيطان مساحات واسعة من الضفة الغربية، وبعد أن ارتفعت الأصوات التي تناي بضمها إلى ما جرى اغتصابه من أرض فلسطينية الراجح سياسياً، ودائماً حسب التفكر السياسي بالأمر، أن الدولة ابتعدت، وأن ابتعادها شحنته التداعيات التي أطلقتها عملية طوفان الأقصى غير المحسوبة بدراية سياسية راجحة.

إن إعطاء عنوان إسناد غزة لتدخل المقاومة اللبنانية كان غير صائب سياسياً، وكان ممكناً تقديم الأمر في صيغة لبنانية عنوانها تطبيق القرار 1701 كاملاً، واستكمال تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة، في مزارع شبعا، وفي بعض النقاط الحدودية

الصورة الحالية في لبنان:

على رغم مرارة الأيام اللبنانية، في الجنوب حيث مسرح الاشتباك المباشر، وعلى امتداد الجغرافيا اللبنانية، حيث يصل سلاح العدوان على رغم ذلك، يجب عدم الامتناع عن القول إن إعطاء عنوان إسناد غزة لتدخل المقاومة اللبنانية كان غير صائب سياسياً، وكان ممكناً تقديم الأمر في صيغة لبنانية عنوانها تطبيق القرار 1701 كاملاً، واستكمال تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة، في مزارع شبعا، وفي بعض النقاط الحدودية. العنوان اللبناني هذا كان من شأنه سحب تشكيلات عسكرية إسرائيلية نحو 25 أي أنه كان من شأنه تقديم الإسناد للمقاومة في غزة، في ظلال عنوان شرعي لبناني، متوافق عليه محلياً ومعترف به دولياً، هذا الأمر كان كفيلاً بتجنب حرب “التزيح” على جانبي الحدود، وربما كان كفيلاً بعدم إقدام العدو على ما يقدم عليه الآن من استهداف للسكان والعمران وللمقومات الاقتصادية والمعيشية التي تنال من استقامة حياة الكتلة الأهلية الشيعية، ومن استقامة سائر الكتل الأهلية واللبنانية.

الآن وليس غداً، ومن دون إطالة تستوجبها مداخلة إضافية جديدة، الآن المطلوب تضافر كل الجهود السياسية والميدانية، لمنع العدو من احتلال الأرض الجنوبية مجدداً، مثلما مطلوب السعي لدى كل دول القرار ” لمنع استقرار هذا الاحتلال، أو استدامته، من خلال إبداء الاستعداد لتنفيذ القرار 1701 بكافة بنوده، ومن خلال المطالبة بالضغط على الإسرائيلي للاستجابة إلى مطلب تنفيذ هذا القرار .
الآن اللبناني، ولكي يكون موضع توافق يمكن توظيفه غداً ، يجب، بل يفرض على المقاومة اللبنانية، الالتزام بما تقرره المرجعيات السياسية اللبنانية، ومن واجب هذه المقاومة أن تستخلص الدرس الأساس وهو : أنها لا تستطيع أن تظل قوة خارج قوى “الدولة”، وأنها لا تستطيع المطالبة باستمرار “تشكيلات” بنيتها المقاتلة كما هي، بل عليها أن تكون جزءاً أساسياً من بحق توافقي ميثاقي عنوانه : كيف نحمي لبنان من جملة الأخطار المحيقة به، أي ما هي الوسائل، وما هي الخطط، ومن هي المرجعية العامة لكل هذه العملية السياسية الدفاعية. استباقاً، ولكي يكون الدرس درساً، المرجعية هي الدولة التي تقودها تشكيلة متداخلة طائفياً ومذهبياً وسياسياً، وفق اتفاق الطائف، ووفق روح الميثاق الاستقلالي ووفق روح العيش المشترك اللبناني، ووفق الممكنات التي يستطيعها لبنان، هذه الممكنات التي جرى القفز من فوق أحكامها في محطات لبنانية عديدة.
استجابة المقاومة، يجب أن ترافقها استجابة معارضيها اليوم، ليكون التلاقي أسهل غداً. هذا لا يعني التخلي عن ملاحظات وعن مواقف مختلفة، بل يعني تغليب منطق الشراكة في إدارة درء الأخطار، والشراكة في درس وعي جديد، أو متجدد، مضمونه أن لا مكان للتغلب والغلبة في لبنان، وأن كل استقواء بالخارج على الداخل مآله الزوال، وأن الكسر الطائفي، والانكسار المذهبي، أمران غير ممكنين في لبنا، هذا إذا لم نقل أنهما من المستحيلات التي ترفضها اللبنانية “الكيانية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى