وعود وأوهام كهربائية… والصيف بلا نسمة هواء
كتتبت لبنى عويضة
هي أزمة الأزمات في كل صيف، حيث بات المواطن اللبناني ينتظرها كل عام. إذ يتسابق الجميع لطرح السؤال المعتاد: متى سيتوقف معمل دير عمار ومعمل الزهراني الحراريان عن العمل؟!
أمام وعود وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، د. وليد فياض، بحلول قريبة، ظهر علينا يوم أمس ببشرى انفراج كبير بانتظار تحميل شحنة الفيول الأسود العراقي. ووفقًا لرأيه، ستعيد هذه الشحنة الحياة لقطاع الطاقة الذي يعيش في “غيبوبة” منذ سنوات طويلة لا نذكر بدايتها.
وأشار الوزير إلى أنه بعد الاستعانة بالفيول العراقي، سيتمكن معمل الزهراني من توفير 200 ميغاوات، وهي كمية ضرورية للحفاظ على تشغيل المرافق العامة الحيوية مثل المطار والمرفأ ومضخات المياه، بالإضافة إلى توفير تغذية كهربائية يومية تتراوح بين ساعة وساعتين. ومع وصول الغاز أويل، ستعود الأمور إلى سابق عهدها بقدرة إنتاج تصل إلى 600 ميغاوات، مما يوفر تغذية كهربائية لفترة تتراوح بين 5 و6 ساعات يوميًا.
ولا يكفي اللبناني همّ الحرب التي تهدده يوميًا، بل جاء صيف 2024 خانقًا ومن المحتمل أن ينتهي بانقطاع الأنفاس، إذ أن قسمًا كبيرًا من المواطنين الفقراء استغنى عن المولدات الكهربائية الخاصة واستعاض عنها بكهرباء الدولة التي كانت توفر لهم التيار لمدة 4 ساعات كحد أقصى يوميًا، ولكنهم اعتبروها “نعمة” وعطاءً سخياً من الدولة.
ولكن عاد كابوس انقطاع الكهرباء بفصل جديد ومتكرر، وهو الكابوس الذي تكرر هذه المرة بعد إعلان مؤسسة كهرباء لبنان أن شحنة الوقود المخصصة لشهر يونيو (حزيران) الماضي وصلت إلى المياه الإقليمية اللبنانية، وترسو حاليًا قبالة مصبي دير عمار والزهراني. ولكن عملية التفريغ تعترضها حجز مالي على الشحنة بسبب خلاف مالي بين “مصرف لبنان” نيابة عن الحكومة اللبنانية والحكومة العراقية.
نفت المؤسسة مسؤوليتها عن الأزمة، مؤكدة أنها أولت تأمين التيار الكهربائي للمرافق الحيوية في لبنان مثل المطار والمرفأ ومحطات المياه والصرف الصحي والسجون والجامعات. كما أوضحت أن محطة دير عمار خرجت عن الخدمة تمامًا منذ ليل السبت الماضي، فيما توقفت مجموعة إنتاجية في الزهراني يوم أمس لتمكين المجموعة الأخرى من العمل في المعمل.
إذن المشكلة تكمن في عدم دفع الاستحقاقات المالية للجانب العراقي من قبل وزارة الطاقة عبر “مصرف لبنان”، مما أدى إلى تعليق شحنات الوقود من بغداد. فقد منح البنك المركزي العام الماضي سلفة لوزارة الطاقة، والتزمت الوزارة بجمع الفواتير من المستهلكين لشراء الوقود دون الحاجة إلى سلف إضافية. وفي هذا السياق، تعهد المصرف المركزي بعدم منح سلف جديدة لتمويل الكهرباء إلا في ظل وجود قانون يجيز ذلك. يُذكر أن الاتفاقية الموقعة بين لبنان والعراق تعود إلى العام 2021.
وتعود المشكلة الداخلية إلى خلاف بين الوزارة ومصرف لبنان، الذي لم يقم بتحويل الأموال من الليرة إلى الدولار في حساب مؤسسة الكهرباء لدفعها للحكومة العراقية. يُذكر أن عملية الدفع تتم عبر حساب خاص في مصرف لبنان تتحكم فيه الحكومة العراقية، ومن المفترض أن تُستخدم هذه الأموال لتغطية نفقات يستفيد منها العراق كدولة والعراقيون المقيمون في لبنان على شكل سلع وخدمات. ومع ذلك، يبقى الملف محاطًا بالغموض، حيث تسعى الجهات الرسمية اللبنانية إلى إبقاء التفاصيل غير مكشوفة لتجنب فضائح إضافية تتعلق بملف الكهرباء. والنتيجة هي استمرار العتمة.
من جهة أخرى، تقع مسؤولية العجز الكهربائي بالدرجة الأولى على وزارة الطاقة، التي يعمها الفساد والهدر، حيث أنها تدير خطة الكهرباء في البلاد، بالإضافة إلى مؤسسة كهرباء لبنان الخاضعة للوزارة بالرغم من استقلاليتها. والأهم أنه حتى لو تم توفير جميع المحروقات الضرورية لتشغيل مؤسسة الكهرباء، فهي عاجزة عن رد ثمنها، حيث إن 55 إلى 60% من إنتاجها يتم هدره ولا تصدر به فواتير.
بين إعلان مؤسسة كهرباء لبنان عن تدني تجهيز الكهرباء جراء عدم توريد أي شحنة بموجب الاتفاقية مع الجانب العراقي، وبين إضراب نقابة عمال ومستخدمي المؤسسة المستمر حتى اليوم، يغرق البلد في الظلام الدامس مع إعلان انتهاء الموسم السياحي بعد مناشدة السفارات لرعاياها لمغادرة لبنان فورًا، بالإضافة إلى التهديدات المحتملة للحرب الشاملة مع العدو الإسرائيلي. ولعل هذا الأمر من شأنه أن يشعل كل من تطأ أقدامه الأراضي اللبنانية، فالخطر يحيط بكل مكان، وحتى نسمة الصيف محجوبة.
أمام هذه الأزمة التي لا تبدو لها نهاية، ألم يحن الوقت لخصخصة مؤسسة الكهرباء، أو التوجه إلى التشركة PPP بين القطاعين الخاص والعام او اللامركزية في هذا القطاع، وبالتالي تسليمه للبلديات لتكون مسؤولة عن تأمين التيار الكهربائي للمناطق وجبي الفواتير؟
فليس جميع المواطنين (خصوصًا الفقراء) قادرين على تركيب ألواح الطاقة الشمسية، بينما قد تكون فواتير المولدات أكبر من رواتب البعض في ظل التفلت وغياب المراقبة.
فإلى متى سيستمر الاستهتار بهذا العنصر الحيوي؟ أم أن الحكم اليوم للمصالح الشخصية فقط؟