مصفاة النفط… كنز طرابلس المفقود
كتبت لبنى عويضة… في الرقيب الإلكترونية
في ظل استمرار أزمة الكهرباء التي لا يبدو أن لها حلاً في الأفق بسبب تفشي الفساد في هذا القطاع، تظل مناطق الشمال الأكثر تضررًا من انقطاع التيار الكهربائي على مر السنين. تعود إلى الأذهان مصفاة طرابلس النفطية، التي تمثل أحد أهم مشاهد المؤسسات الصناعية الضخمة المهملة في لبنان. إذا تم استغلالها بشكل صحيح، فقد تدرّ عوائد ذهبية ليس فقط على مناطق الشمال، بل على لبنان بأكمله.
نشأة مصفاة طرابلس النفطية
تأسست مصفاة طرابلس في أوائل الثلاثينيات، وولدت فكرتها من قبل الفرنسيين واستكملها الإنجليز فيما بعد، وكانت تابعة لشركة النفط العراقية IPC. تعتبر المصفاة واحدة من أقدم المصافي في الشرق الأوسط، حيث كانت تسهم في نقل النفط العراقي إلى الأسواق الأوروبية.
خلال سنوات تشغيلها الأولى، كانت مصفاة طرابلس منشأة حيوية تؤمن احتياجات المنطقة من المنتجات النفطية المكررة، وتعمل على تكرير النفط الخام المستورد من العراق ثم تصديره بعد معالجته. هذا جعلها مركزًا اقتصاديًا مهمًا في لبنان والشرق الأوسط. لكن، كغيرها من المؤسسات، تأثرت المصفاة بالحرب الأهلية اللبنانية التي أدت إلى تراجع نشاطها بشكل كبير.
الإهمال والفساد يورطان المصفاة
في السنوات الأخيرة، تفاقمت مشاكل المصفاة بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة التي اتسمت بالإهمال، ما انعكس على قدرتها التشغيلية ومساهمتها في الاقتصاد الوطني. كما أن إهمال صيانتها وتحديث بنيتها التحتية أدى إلى تدهور منشآتها وزيادة تكاليف التشغيل، ما أسهم في انخفاض إنتاجيتها.
من جهة أخرى، تأثرت المصفاة بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض دول الشرق الأوسط والتي أثرت على تدفقات النفط والمنتجات البترولية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات الإقليمية أدت إلى عدم استقرار إمدادات النفط الخام للمصفاة.
حتى مشروع خصخصة المصفاة لم ينجح، حيث لا تزال هذه الخطط تواجه تحديات كبرى تعود إلى الاقتصاد غير المستقر وانعدام ثقة المستثمرين الأجانب. إضافة إلى ذلك، يظل لبنان مهددًا بجره إلى حرب شاملة إذا تفاقم الوضع جنوبًا.
لماذا تُعتبر مصفاة النفط كنز طرابلس المفقود؟
تعد مصفاة طرابلس بمثابة جوهرة ثمينة للمدينة نظرًا لأهميتها الاقتصادية، الاجتماعية، والاستراتيجية التي تتجلى في عدة جوانب:
الأهمية الاقتصادية:
توفير فرص عمل متنوعة، سواء بشكل مباشر في المصفاة أو في القطاعات المرتبطة بها مثل الصيانة، الهندسة، والإدارة.
تسهم المصفاة في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال استثماراتها في البنية التحتية والمشتريات المحلية، ما يدعم نمو الأعمال الصغيرة والمتوسطة ويزيد من النشاط الاقتصادي في المنطقة.
القيمة الاستراتيجية:
تقع المصفاة في موقع استراتيجي على الساحل اللبناني، مما يجعلها نقطة حيوية لتكرير وتصدير النفط، ويمنح طرابلس دورًا رئيسيًا في تجارة الطاقة على مستوى البحر المتوسط.
تسهم المصفاة في تقليل اعتماد لبنان على واردات الوقود من خلال تأمين جزء من احتياجات البلاد محليًا، ما يعزز الأمن الطاقوي الوطني.
التأثير الاجتماعي:
تساهم الوظائف التي توفرها المصفاة في تحسين مستوى معيشة العديد من العائلات في طرابلس، ما ينعكس على ازدهار واستقرار المجتمع.
التحديات التي تعيق إعادة تشغيل مصفاة طرابلس
اعتماد المصفاة على تقنيات قديمة تحتاج إلى تحديث شامل لتواكب التطورات الحديثة، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة.
غياب الصيانة الدورية لسنوات طويلة أدى إلى تدهور كبير في أجزاء حيوية من المصفاة، مما يزيد من صعوبة وكلفة إعادة التشغيل.
حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في لبنان تجعل جذب الاستثمارات اللازمة لإعادة تشغيل المصفاة أمرًا صعبًا للغاية.
تؤثر الانقسامات السياسية والاضطرابات في لبنان بشكل مباشر على تنفيذ المشاريع الكبرى مثل إعادة تشغيل المصفاة.
البيروقراطية والإجراءات الحكومية المعقدة والموافقات اللازمة قد تعرقل أو تؤخر محاولات إعادة التشغيل.
تشكل مصفاة طرابلس أكثر من مجرد منشأة صناعية؛ فهي ركيزة اقتصادية واستراتيجية تساهم في استقرار المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة. من الضروري الحفاظ على هذا المورد المهم والعمل على تطويره لضمان مستقبل أفضل لطرابلس. إعادة تشغيل مصفاة طرابلس تتطلب جهودًا مكثفة للتغلب على التحديات المالية، التقنية، والسياسية. من الضروري إبعاد كارتيلات النفط عن هذه المشاريع ومنح العراق الفرصة لإحياء المصفاة كما طلب سابقًا، مما قد يسهم في إحياء الشمال ككل. بدون معالجة هذه العقبات، سيظل تشغيل المصفاة هدفًا صعب المنال، مما يحرم طرابلس ولبنان من الاستفادة من هذا المورد الصناعي الحيوي.