مشروع الصين “الحزام والطريق” حرير للبنان ولكن؟
مناشير – أسامة القادري
لم يعد خافياً على أحد أن “التنين الأصفر” إنطلق الى منطقة الشرق الأوسط، لتنفيذ المبادرة التي أطلقها رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ تحت عنوان “الحزام والطريق” المقررة منذ سنوات عدة، والقائمة على أساس التبادل المتكامل تحت مبررات المنفعة المشتركة للشعوب على درب التنمية والإستقرار والتطور”.
انطلاقاً من مبدأ مخالف لأدوار الدول العظمى التي تبنت دور الوصي، انما بحسب البنود الموضوعة كأسس للدولة الصينية، تقوم على الشراكة الاستراتيجية مع الآخرين، ضمن مبادىء خمسة لتعاملات الصين وقياداتها مع دول العالم وهي :
١ – الإحترام المتبادل لسيادة و سلامة أراضي الآخرين
٢-عدم الإعتداء
٣-عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين
٤-المساواة والتعاون للمنفعة المتبادلة
٥-التعايش السلمي.
من هذه النقاط الخمسة يستحضر الحديث عن ماذا تريد الصين، طالما صناعاتها تغزو العالم، من أدناه إلى أقصاه وما الذي تريده من إعادة خلط المشاريع للمنطقة وتوزيع الأدوار فيها.
ولماذا “الحزام والطريق” الذي يحدد هيكلية الشرق الأسيوي، بمكوناته الاسلامية عربية وغير عربية؟
وفي المقابل ماذا تريد الدول العربية تحديداً من الصين، واستتباعاً ماذا تريد من لبنان وماذا يريد منها لبنان؟
وقبل الدخول الى الجواب لا بد من الإعتراف أن كل المؤشرات تؤكد أن الصين بدأت تأخذ مكانها الدولي على صعيد تحديد الأدوار في العالم، بعدما فقد الاتحاد الأوروبي عالميته، حتى أصبح بمثابة لاعب إقليمي له حصة يقررها “العظماء الثلاثة”، يعني أن التحرك الصيني الى الشرق الأوسط تحرك موافق عليه دولياً أميركي روسي، ولن يكون هامشياً في إعادة إعمار سوريا، وكذلك لن يكون عابراً في افريقيا.
كما لم تكن زيارة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الى الصين وصعوده أبراج السور العظيم سياحية، بقدر أنه قرأ مبكراً الدور الصيني في المنطقة المتهالكة من الخلافات والنزاعات الداخلية، بعدها رد له الزيارة وفد من الخبراء الصينيين الى السعودية. وتحدثو وابرموا اتفاقيات استثمارية في انشاء مصانع للسيارات وقطع الغيار. وفي باكستان لم يكن الصيني مندوباً لترويج صناعته او التفتيش عن وسيلة لنقل بضاعته اليها، انما يريد أن ينقل تجربة الصناعة ليعلم الآخرين كيف يصنعون صنارة صيد السمك الى الجائعين، لأن سياسة إعطاء سمكة لم ترد في قاموس الصيني.
وهنا يعني تحرك التنين، بعد عمر من التحضير لم يأت من باب الصدفة، ولن يدخل المنطقة مستجدياً، ومن خلال المتابعة والمراقبة أنه عبّد طريقه بحضور دولي مستند على قوة إقتصادية لا تضاهى.
وبالمفهوم الصيني أن مشروع الحزام والطريق، هو العودة الى طريق الحرير التاريخي، الذي نقل تجارب وحضارات وثقافات ولم ينقل فقط بضائع كما يحاول البعض تسفيه المشروع واعتبار أن الصين الوحيدة المستفيدة منه.
طريق الحرير (كان منذ نحو خمسة آلاف سنة، فترة إكتشاف صناعة الحرير) . فالمشروع هدفه إنشاء شبكة من الطرق كانت شقتها الحركة التجارية، على مراحل، تمتد الشبكة من شمال الصين الى كل ما يعتبر تمدداً طبيعيا للحركة التجارية، وإنقسمت الى فرعين: شمالي يمر عبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وحتى البحر الأسود وصولا الى البندقية، وجنوبياً يعبر تركستان وخراسان ومن ثما الى بلاد ما بين النهرين والعراق والأناضول وسوريا الى البحر المتوسط وشمال أفريقيا.
وهنا الرؤيا التدقيقية في طريقة التفكير الصيني في عرض الملفات، تؤكد أن الصينيون لا يضعون أوراقهم كاملة مع المسدس على الطاولة بل يتركون لأنفسهم خيارات عديدة، فمثلاً لبنان ليس الوحيد الذي يقع على البحر المتوسط، وليس هو الوحيد القادر على ربط اسيا باوروبا وأفريقيا، فالصيني لا يعتبر الرفض اللبناني مشكلة، بإعتباره أن لديه خيار آخر هو اسرائيل بعد ابرام صفقة القرن وعملية مصالحات بعض الدول العربية مع إسرائيل في جعل حيفا ميناء مرتبط بالمشروع لتكون نقطة الوصل والانطلاق يعني المشكلة عند اللبناني في فهم ماذا يريد وكيف يقدم نفسه شريك.
مما يثبت أن الحكومة اللبنانية لا تملك مشروع لمنع إنهيار البلد.
وبحسب قراءة القيادات الصينية المتابعة لملف مشروع الطريق والحزام، أن القيادات اللبنانية لم تبد تجاوباً واضحاً مع المساعي الصينية. بانتظار أوامر فرنسية تعطي الإشارة إما مواجهة الصين من خلال الملف اللبناني او الموافقة على إعطاء الصيني حصة مقابل ارتخاء في القارة السَوداء، هنا الصيني لا يريد أن يدفع أثمان مضاعفة، تسجل في فاتورة التزاماته، هذه الترجمة قرأت في أكثر من محطة وزيارة لأركان السلطة السياسية خاصة التنفيذية، “فكانت أجوبتهم كمن لم يبلغ سن الرشد بإنتظار موافقة ولي أمره”.
البرود اللبناني لا يتوازى مع حرارة الحركة وسرعتها في المنطقة، في إتخاذ قرار اخراج لبنان من شرنقة “الحصاد دون زرع”، في ظل إجترار أزماته السياسية والإقتصادية في كافة القطاعات والمجالات والتحاصص الطائفي المذهبي السد أمام أي فكرة أو مشروع إنقاذي، فتتفاقم أزمة البطالة التي ترتفع نسبتها يوماً بعد يوم، الى الكهرباء التي أمست عنواناً تجارياً، مشكلة البيئة والنفايات بدءً من الهواء وصولاً الأنهار والشواطئ.
وبظل هذه الأزمات كان الجواب اللبناني للصيني أن مشروع الحزام والطريق مجرد شريان لنقل البضائع الصينية، في وقت أن الصيني كان ينتظر الإجابة برؤية عن المشاريع الاقتصادية النهضوية للتنمية الإقتصاد وكيفية نقل لبنان الى مرحلة الانتاج، وعن دوره في إعادة إعمار سوريا، وتحوّل المناطق اللبنانية الى نواة عملانية تستفيد من موقع لبنان الجيوسياسي في المنطقة.
وبهذا الخصوص وخلال اتصال مناشير بمدير مركز الشرق الاوسط للدراسات والتنمية وائل ياسين، أكد أنه قام بسلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع العديد من القيادات السياسية والإقتصادية اللبنانية، قال: “أطلعناهم على رؤية المركز الذي نعمل عليها مع الجهات الصينية وكيفية استفادة لبنان في ربطه بمشروع الصين الاقتصادي الحزام والطريق والذي يعتبر تاريخياً لبنان محطة رئيسية في طريق الحرير وبوابة الشرق على المتوسط”. شارحاً الرؤية العملانية للمشروع. بشقين :
الاول : شمالاً عبر توسعة وتطوير ميناء طرابلس ومطار القليعات وإعادة انشاء وترميم محطة سكك الحديد وربطها بحمص عبر تل كلخ وايضاً ربط بيروت بًطرابلس عبر شبكة لنقل الأفراد light maglev. بالإضافة لترميم وتوسعة معرض رشيد كرامي وتفعيله ليكون معرض دوري للبضائع الصينية واللبنانية وانشاء منطقة اقتصادية وصناعية مشتركة بين البلدين، عبر برنامج شراكات لمستثمرين صينيين ولبنانيين.
الثاني: نعمل بالتوازي على مشروع تطوير ميناء بيروت وربطه بسكك حديد عبر نفق قناطر زبيدة – شتورا و انشاء ميناء جاف في منطقة البقاع بالإضافة الى سوق للبضائع الصينية واللبنانية شبيه بدراغون ماركت دبي وانشاء محطة للنقل في زحلة تربط البقاع ببيروت لنقل الأفراد عبر light maglev وايضاً ترميم وتشغيل محطة رياق لسكك الحديد وربطها بدمشق عبر سرغايا بالإضافة الى انشاء منطقة صناعية مشتركة صينية لبنانية عبر برنامج شراكات بين مستثمرين صينيين و لبنانيين. وانشاء محطة تجارة إلكترونية شبيهه ب علي بابا إكسبرس ومحطة بريد و نقل بضائع حديثة”.
وأفصح ياسين أن نتيجة اللقاءات والاجتماعات “كانت بمجملها إيجابية ولاقت ترحيب العديد من الجهات السياسية والاقتصادية وفي مقدمتهم غرفة تجارة وصناعة وزراعة طرابلس والشمال التي توافقنا معها في كافة ما يتعلق بمشاريع طرابلس و الشمال” .
وعن جدية القيادات قال “رؤيتنا ايضاً لم تؤخذ بالجدية من بعض الجهات السياسية بإعتبارها بعيدة المنال وبعيدة عن الواقع وهذا جعلنا بكل صراحة نتسائل هل المشكلة في البلد والشعب أم ببعض الجهات السياسية التي تعتبر ان قيامة لبنان ربما تشكل خطراً على وجودها وبقاءها؟”
وختم ياسين أن المشروع مستمر بموافقة لبنان او عدمها، إن كان لدى قياداتنا السياسية نية فعلية لإنقاذ البلد يجب عليهم أن يغيروا قواعد اللعبة التي لم تثمر للبنان سوى الانهيار الاقتصادي وتفاقم الدين العام”. ودعا ياسين قيادات وشعوب دول الشرق الأوسط وفي مقدمتهم لبنان لعدم تفويت الفرصة التاريخية والسعي لملاقاة الصين بالدفع بإتجاه الشراكة الإستراتيجية معها لربط دولهم في مشروعها الإقتصادي الحزام والطريق والاستفادة من القدرات الاقتصادية الصينية الضخمة.
وفي الاطار نفسه دلالة أن الصيني عازم على السير في هذا المشروع الضخم، علم موقعنا “مناشير” أن شركات صينية إستأجرت مجمع الكسكادا مول في تعنايل البقاع الأوسط، لتحويله الى مركز لمعارض الشركات الصينية، وكذلك يتم التفتيش عن منطقة في الأوسط قريبة من طريق الشام من أجل تحويلها الى مستودعات ضخمة. كما وتم التوافق مع أحد المهندسين لإستئجار مبنى مؤلف من ثمان طبقات في بيروت بهدف جعله مركزاً لغرفة التجارة العالمية. ومكاتب للشركات الصينية.
وللأسف لم تُسمع السلطة اللبنانية الجانب الصيني كلاماً مشجعاً على ضرورة تأهيل الموانئ والطرقات وشق الانفاق وحل مشكلة الكهرباء وإذ كان جواب الادارة اللبنانية مقتصر على الترحيب بدعم مسرح موسيقي، وبعض الجمعيات الاجتماعية. ولم يفهم اللبناني أن الصيني يهدف الى نقل ثقافة العمل الصناعي، الى منطقة الشرق الأسيوي للنهوض من منطق التبعية الذي ساهم في تجهيل المجتمعات وجعلها قواعد إستهلاكية. الى منطقة تقوى باقتصادها.