خبر عاجلسياسة

مداخلة غير منشورة للأمين العام الراحل للمنظمة محسن إبراهيم: تقديس السلاح أقصر الطرق لتحويله أداة للهيمنة على مصير البلد

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

مداخلة غير منشورة للأمين العام الراحل للمنظمة محسن إبراهيم: تقديس السلاح أقصر الطرق لتحويله أداة للهيمنة على مصير البلد

مقدمة :

لعله من قبيل المصادفة أن تكون المداخلة التي ننشرها على موقع “بيروت الحرية” للأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي المناضل الكبير الراحل محسن إبراهيم، وهي لم تنشر قبلاً، قد ألقيت أمام أعضاء اللجنة المركزية للمنظمة في 31 / 5/ 2008، أي قبل 17 عاما بالتمام والكمال. خلال هذه الأعوام عبرت مياه كثيرة تحت الجسر، وسالت دماء غزيرة في كل من لبنان وفلسطين وسوريا وسائر الأقطار العربية. لا ندعي أن المداخلة هي راهنة 100%، فالوقائع متغيرة على مختلف الصعد. وأبرزها مسارات ومحطات الحرب الاميركية ـ الاسرائيلية المفتوحة في غضون العامين الأخيرين، التي لم تزل تتوالى فصولاً من القتل والدمار في فلسطين، التي يدفع شعبها الثمن الأغلى في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، ناهيك بلبنان وسوريا.

رحل عنا محسن إبراهيم منذ خمسة أعوام، لكنه ترك لنا ما نستعيده الآن لنهتدي به من منهج في قراءة وتحليل المعطيات والوقائع. ومن باب التذكير نؤشر إلى أن هذه المداخلة سبقها تدمير شامل لمخيم نهر البارد جرّاء المعارك التي بدأها تنظيم فتح الإسلام بإدارة صريحة من النظام السوري السابق. وفي حينه اعتبر حزب الله المخيم بمثابة” خط أحمر” بوجه الجيش اللبناني الذي كسر هذا الخط وسيطر عليه. وتلا ذلك انفجار الخلاف حول استمرار ربط شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله بشبكة الهاتف العامة للدولة، وحقه في مراقبة حركة الدخول والخروج من مطار بيروت الدولي. ورأى في حينه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في غزو بيروت “يوماً مجيداً” من أيام الحزب. تبع ذلك مؤتمر الدوحة الذي أقر صيغة الثلث المعطل في الحكومة خلافاً لاتفاق الطائف. وشكل هذا المؤتمر محطة تقاطع داخلية وعربية ودولية. والنتيجة تسوية رئاسية وتوافق على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية بعد فراغ دستوري امتد لحوالي العامين ونصف العام. في هذه المداخلة اضاءات كثيرة على تفاصيل ما شهدته المرحلة المذكورة، التي مهدت لما عرفه البلد من كوارث ونكبات في غضون الأعوام القليلة المنصرمة، التي غادرنا وغادر الحياة فيها الرفيق محسن ابراهيم الأمين العام الرؤيوي.

نص المداخلة

نحن على أبواب استحقاقات على الصعد المحلية والإقليمية والدولية. الملفات متعددة، ولا نستطيع فتح مباحث مطولة حول أوضاع كل من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، كذلك من الصعب افراد مساحات كبرى لأوضاع كل من العراق وفلسطين واليمن والسودان ولبنان.

آخر اجتماع لنا كان قبل تحديد الموعد الأخير لاجتماع مجلس النواب. حدثت تطورات عاصفة في البلاد على الصعد الأمنية والسياسية. ونحن الآن على مسافة شهر تقريبا من الحرب الاهلية التي اندلعت بدءا من الشمال وحتى الجنوب. لست بصدد تقديم لوحة توثيقية لما جرى. نحن سابقا ختمنا البحث بسؤال حول الوضع الداخلي، وعلاقة ذلك كله بمواقف سوريا وايران منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفي سياقه كان ما كان، بما في ذلك خيار الحرب الإسرائيلية على لبنان. وكنا دوما واضحين في عدوانية إسرائيل. وهذا كي لا يتصور أحد أن الأمر لا يعدو أن يكون مغامرات من جانب العرب. دون أن أغفل أن هناك محاولة للدخول إلى البلد من مدخل أننا نقاتل إسرائيل، مما يدفع الهجوم المعاكس إلى قلب الطاولة داخليا، من خلال أيضا التعطيل المتمادي لانتخابات الرئاسة منذ تشرين الماضي.

السؤال الذي طرحناه كان: هل نحن قادمون على ربيع وصيف حارين، دون إعفاء الأكثرية من انتقاداتنا انطلاقا من الأوضاع الحدودية. وقد نقلت لكم نقاشا حدث مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكان سؤالي الملح له هو حول احتمال تجدد الحرب الإسرائيلية على لبنان بمبادرة من كل من إسرائيل وحزب الله على حد سواء. وقدم تقديرا حول ما سمعه الفلسطينيون من المسؤولين الإسرائيليين والإدارة الأميركية. ومفاده أن لا أحد يستطيع التجروء على اسرائيل معتمدا نفس السيناريو الذي شاهدناه في صيف العام 2006. وقال، إذن نحتكم إلى الوضع الداخلي عندكم. هذه وثيقة معلوماتية. وراءها جاءت التطورات لتصدق أن الباب مقفل حتى اشعار آخر. وقد تُشن حروب من أجل مشاريع السلام. في الحقبة التي نعيشها جاءت التطورات لتزكي قراءة المسلك التي تقول إن الصيف لن تكون وقائعه مشابهة لتموز 2006.

السيد نصر الله بعد مقتل عماد مغنية أعلن الحرب المفتوحة، لكنه ظل يبلعها على مدى شهرينكاملين. حزب الله وأمل جهدا للقول إن لا حرب هذا الصيف. يجب أن نقف امام إحياء المسار التفاوضي السوري – الإسرائيلي. الإشارات كانت أكثر دلالة، ونحن في صميم أداء سوري فعلي يلوم مصر والسعودية لعدم تأييدهما لهذه المفاوضات. لقد ثبت أن سؤالنا حول الحرب الإقليمية لإطاحة المعادلات الداخلية، وبالتالي نحن أمام حالة من القلق فيها توازن قوى ومآزق وآفاق مسدودة، بحيث يجري ترقيص البلد على هذه الحدود الجارحة.

عندما أُقفلت الدعوات على انتخابات الرئاسة والمبادرات العربية مشلولة، وقيل للرئيس نبيه بري إنك لست محايدا، دخلنا في أيار واحتمالات الوضع الداخلي تتكاثف في ظل سباق بين طرفي الاستحقاق. الموالاة تراهن على الافق الدولي. والفريق الثاني على محور إقليمي له ميزاته على مستوى لبنان، وبالتالي يصبح السؤال من يقلب الطاولة؟ وهنا نرد على حزب الله حول المؤامرة التي تستهدفه، ولم نقم بما قمنا به لتعديل ميزان القوى. وفحواه عندما نقول إن الهجوم السوري المعاكس بدأ منذ العام 2004 ردا على الهجوم الأميركي الأوروبي الذي قضى عبر القرار 1559 بإخراج سوريا من لبنان. الفعل ورد الفعل ليس بريئا من المجازفة بالبلد ومصيره. هذه حصانة كي نستطيع أن نتحدث بوضوح. ليست المسؤوليات متكافئة في كل الحقبات. هذه المعادلة الداخلية المشلولة والمتعادلة حتى المبادرة العربية كانت مدوَّلة. التدويل يمسك البلد، والصراع يدور حول النسخة الحديثة منه. بين تدويل يعطي لسوريا وكالة وهو مقبول سوريا ومن حلفائها، وتدويل يقول لا. هذه حدودك وهو غير مقبول من سوريا وحلفائها ومدعوم من الموالاة.

ما حدث في الدوحة التي تستضيف أكبر قاعدة أميركية خارج الحدود الأميركية، يجب أن يدفعنا إلى التحليل الجدي الذي يقول إنه عندما تقفل بوابة الحدود الساكنة بين لبنان وإسرائيل، فائض القوة لدى حزب الله ووجهه الأهلي يدفعه إلى الانتقال إلى الداخل بسلاحه. من هنا يصبح النقاش حول الحرب الاهلية الفعلية التي حدثت، ونحن أمام السؤال هل وضعت اوزارها أم لا؟ لأن ما جرى هو هذا التوصيف دون مبالغة. ونحن نعلم كم تخللت حروبنا الاهلية من اتفاقات وقرارات وقف اطلاق النار ومفاوضات.

مسؤولية معسكري 14 و8 آذار

قرار حزب الله بالنزول. مؤشر ذي دلالة. يجب القول إن 14 آذار وبالاستناد إلى سابقة إنهاء الوصاية السورية على البلد منذ نيسان 2005، فقد خرج ليعالج جراحه ويرى أمر مستقبله. لا شك أنه في معسكر 14 آذار، والتحالف الحاكم هناك ثقة كبيرة بالتدويل وقرارات المجتمع الدولي. وأن هذا مستمر، وهو يتغنى بحركة 14 آذار التي فرضت على سوريا الخروج. كي نصل إلى موضوع لماذا فتح ملف دولة حزب الله وشبكته للاتصالات، ومائة ألف خط التي تبدأ من الجنوب وتصل إلى مناطق الشمال، وتزنر البلد بشبكة توظف ماديا وغير مادي، وتجعل هناك دولة في قلب الدولة تحفظ أسرارها عن الدولة. شبكة القوات المشتركة في عز حضورها (المقاومة الفلسطينية والاحزاب التقدمية واليسارية) لم تتجاوز الألفي خط، وضمنها غرف عمليات تبدأ من صور وتصل إلى الشمال. ثم هناك موضوع مقلق لأنه بدأت تتكاثر الملاحظات عليه من الجهات الدولية، ولم يفتح المطار الذي وضع تحت الرقابة الدولية، والذي زحفت عليه هيمنة حزب الله وحركة أمل. لم يعد هناك من استعداد للتعمية على سلطة الحزب وأجهزته. ردا على ذلك فُتحت وجهة بدأها وزير الدفاع الياس المر وهو لديه مسافة يمارسها. وبدأ اتصالاته مع مديرية المخابرات وهذه استغرقت 15 يوما بين صادر ووارد. ووفيق شقير لا مشكلة شخصية حوله، ولكن خيارا أو اضطرارا كانت أجوبته التي قدمها مجرد مماطلة، مما وضع وزارة الدفاع أمام طريق مسدود. المؤتمر الصحافي الذي عقده وليد جنبلاط يأتي ضمن إشكالية وليد لما شكل حجة معلنة لمسلسل التطورات.

أريد أن أناقش بالسياسة ما الوهم الذي تكشفت عنه وقائع مؤتمر وليد جنبلاط، وصولا إلى قرارات مجلس الوزراء الذي شهد نقاشا صاخبا. كي نقول أين الغلط في الأداء. تبين أن هناك محورين أساسيين في البلد. بعد أن أُبلغت القرارات إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة، كان هناك وهمان قاتلان: هذا التصعيد في وجه دولة حزب الله كان ينطلق من الثقة أن سلاح الحزب لن يستعمل داخليا. أي أن هناك خط أحمر للحزب يلتزم به، لكن الحزب لم يلتزم به. وهذا هو الوهم الأول.

أما الوهم الثاني فهو ينطلق من اتهام الحزب ببناء دويلة. ولكن أن يركبنا وهم أن الدولة قائمة بنصابها، وان الهشاشة لن تصيبها. هذا موضوع بحث ثان. اذن تتدخل بامتحان حدود الدولة. جزمت الأكثرية أن حزب الله لن يستعمل سلاحه داخليا. قيل لي وثبت أن ذلك صحيحا أن الأمر لم يمر على التشاور مع قائد الجيش العماد سليمان. والجيش هو القوة التنفيذية للقرارين. كان يجب التفحص مع العماد سليمان، ولم يحدث ذلك الا بعد مرورهما بأربع وعشرين ساعة. الدولة بما تمثله من مساحة مشتركة مازالت طرية العود، واذا زحفت القوى الأهلية تشلها.

السؤال ما البديل؟ هو سؤال مستقبلي لأننا ما زلنا في قلب الموضوع، والأمر الأكثر تعقيدا من اصدار القرارين الحكوميين أو القرارات الدولية المتلاحقة، بما يؤدي إلى حماية البلد. لا أحد يحل محلك في القيام بالمهمة. الأسئلة المتلاحقة تنطلق من التسويات بين دولة حزب الله والدولة اللبنانية. هذا نهج طويل النفس ومعقد وفيه كر وفر وتسويات أو مآزق متوالية. وهو يُفتح ولا يُقفل بسهولة.

لا شك أن كمية التسرع والرعونة وعدم دقة الحسابات سواء حول مسلك حزب الله، أو قدرة الدولة على الدخول في هذه المنازلة لا يحد. هذا الذي حصل من حرب أهلية في بيروت ردا على قرارات الحكومة التي وصفتها على نحو ما وصفت، هو منعطف حاسم في تاريخ البلد ومستقبله. هذا الموضع خطير، خصوصا وأنني لن أوافق على الحجة التي قالت إن حزب الله

عندما نزل إلى بيروت والجبل كان يمارس ردا اجباريا على القرارين، هذا ليس صحيحا. لأنه كان بإمكانه أن يعلن رفضهما ويمنع تنفيذهما. كان يكفي أن يصدر نصر الله بيان يحمل رأيه فيهما، ويقول إننا سنستخدم كل امكانياتنا لمنع التنفيذ. سلاح حزب الله له نسب تاريخي، ومن قال إنه سقط كما يزعم جعجع أو سواه هو واهم. ونحن لم نخرج بعد من دور هذا السلاح ومقاومته ومهمته التحريرية. بقدر ما تحملت الحكومة المسؤولية، يتحمل حزب الله المسؤولية عن سلاحه. ودوره في صراع إسرائيل. قبل نزول السلاح الذي قال وداعا لنسب هذا السلاح إلى المقاومة، عندما قال إن السلاح مهمته الدفاع عن السلاح. أي أن السلاح بات الوسيلة والغاية.

سلاح المقاومة سلاح الطائفة

منذ العام 2000 قلنا إن حزب الله يبحث عن أرض ليحررها. البلد لا يستطيع العيش وسط حرب مفتوحة أو سلم مرتجل. نصر الله وللمرة الأولى يعلن بصريح العبارة أن سلاحنا باق بصرف النظر عما بقي من معركة للبنان في وجه إسرائيل. المضمر الاول أن سلاح حزب الله هو للدفاع عن الطائفة. كان هناك مفارقة بين بنية المقاومة ورحابة الهدف، الآن صارت مطابقة بين بنية المقاومة وموقع ودور الطائفة. قال نصر الله إن هذا السلاح حاسم لنا لحماية وزننا في المعادلة الداخلية. هو يقول مقاومة. ولكن في الغرف الداخلية وفي النقاش يستعمل مصطلحات: حقوق المقاومة وحقوق الشيعة لنفس الموضوع. وصرنا في موضوع أن طائفة موردها الأساس هو السلاح. هذا أولا يعبر عن المدار الطائفي – الشيعي وقد سبقه إفناء الموارد الأخرى للطائفة كما في الستينيات والسبعينيات على أساس حقها في الاقتصاد ومال المهاجر والتعليم وفي السياسة لجهة انتشار نخبها على أكثر من خيار (يسار وغيره). هذه كانت شهادة تنوع. تم تقزيم كل هذه الموارد والمقاييس والنخب (خلع مفتي صور من موقعه) والمؤسسات (المجلس الإسلامي الشيعي) الأمر الذي يحسم أن لا مجال الا لصوت واحد ضمن القرى والبلدات. اذن بات مصير الطائفة مرهون بالتعلق بهذا السلاح، باعتباره”كرامتنا ووجودنا”. لقد تمت عسكرة وعي الطائفة التي تقولبت وتمحورت حول وجود طائفة مدججة بالسلاح طال الزمان أو قصر، وأقول قصر. وفي مدى لا يتجاوز الطوائف ويضعها أمام خيارات التسلح، أو أن توكل أمرها للجيش للقيام بواجبه، فيفرط الجيش تباعا في مجرى الصراع.

الطوائف وتقديس السلاح

وقد عشنا النموذجين معا في البلد بدءا من الشريط الحدودي وصولا إلى غزو بيروت والجبل وما خلفا. هذا يضع البلد أمام اطارين. الكتلة المسيحية لم تشف من السؤال والاصل العسكري (عون وجعجع)، فما أعلنه نصر الله تقديسا للسلاح وتحويله إلى وسيلة، تكمن غايته في نقل البلد إلى خيار آخر. ولا شيء يمكن أن يسجله الواحد اعتراضا على الرئيس سليمان، ولكن يجب أن نعترف أنه مسلك العاجز. الجيش لا يتركب على العجز، إذن نحن نقرر منظومة الترتيب الأهلي للبلد الذي لا يمكن أن يقبل التمييز بين طائفة وطائفة، ونقرر مصير المؤسسة العسكرية كمسؤولة عن السلم الأهلي، ونقلها من مكان إلى مكان. أزيد أنني أقول هذه التوأمة بين الجمهور الأوسع من الشيعة وحزب الله يتجه داخليا، لأن هناك رعب من الوقوف أمام حرب أخرى أمام إسرائيل، بينما هذا الأمر لا وجود له داخليا. أحد جناحي الشيعية السياسية (حركة أمل)، كان رأيه أن حزب الله يذهب بالبلد إلى مقامرة بالطائفة تتجاوز طاقتها في الصراع مع إسرائيل. ومن هذا المنطلق كان خطاب نبيه بري في صور في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، الذي تحدث فيه عن عروبة الشيعة وتعلقهم بالدولة. مقابل ذلك تشهد كل وقائع بيروت أن بري وضع ختمه على غزوتها، لأن السلاح الأهلي هنا هو بوابة التفويض من الطائفة للدفاع عن حقوقها. أقول في وجه الذين قالوا إن حزب الله تورط وخرج خاسرا، هذه افتراضات على المدى المرئي لا محل لها. وقد انخرط فيها ودخل واعيا وقرر ذلك عن قصد، كما فعلت حماس بالسيطرة على غزة. وقد فاقت فظاعات ما شهدته بيروت. في ظل قضية فلسطينية جرى تقزيم المسلك إلى مجرد امساك بالسلطة في غزة. حزب الله بحجة الرد على قراري الحكومة لم يكن خارج السياق أو أنزلق، ولا أعتقد أنه خسر على المدى المباشر ضمن جمهوره باعتباره حامي الحمى. كيف يظهر هذا المشروع انتحاريا هذا بحث آخر. كما حدث مع بشير الجميل عندما تماهي مع الرأي العام المسيحي. المفصل والمحطة التي عبر عنها خطاب نصر الله بالغة الأهمية في التأشير على التحول النوعي في اندراج حزب الله في المعادلة الداخلية خلافا لما كان عليه عندما كانت لديه أولوية التحرير. كيف يمكن أن يحتفظ حزب مقاوم سابقا وبصرف النظر عن الظروف التي واكبته، هذا الحزب قاوم إلى الحد الذي يجعل من المستحيل قول كلمة في دوره بالوصول إلى التحرير. السؤال المطروح هو: كيف يمكن لسلاح مقاومة أن يستمر متوهجا دون أرض محتلة؟ كيف يمكن لذلك أن يحدث؟ لذلك جاء الخطاب الثاني لنصر الله الذي قدس السلاح وثبته مع ما يتطلبه من مصادرة للدولة والاستيلاء عليها من خلال أحادية السلطة. أنت تقول هذه صيغتي للسيطرة على البلد بأشكال مباشرة وغير مباشرة. أقول إننا لسنا أمام غلطة بل أمام نتائج لها مقدمات.

أكثر من ذلك نقول إن مشكلة حزب الله أن بنيته التي مكنته من تحقيق الانتصار وهي بنية طائفية، لا يستطيع أن يغيرها، لأنه يضرب حينها علة وجوده. تركيبته تابعا لإيران، ومحصور انحصارا مذهبيا على لون من التعبئة الأيديولوجية يهتز بنيانا.

نحن أمام قيود البنية والتعبئة. هذا الخطاب اذا نقص ذرة من غيبيته ينهار. على قاعدة حرب أهلية حصلت. هذه مناسبة للقول إنه لا ينتقص أنها كانت محدودة بأيام وإن لم تخضها كل الطوائف بالسوية. كنا نقول إن البلد في حرب أهلية باردة، وأن هناك انسدادات بنيوية عميقة.

ما حصل في الأسابيع الماضية في بيروت والجبل انتقلنا معه إلى الحرب الاهلية الساخنة التيدامت أياما، ولكن هذا لا ينتقص من أهمية المعضلة التي أشرت إليها. ابتداءً من مبادرة الجامعة العربية وانتهاء بالدوحة. كل هذه المحطات ولم يجر التطرق إلى جوهر الموضوع، وبالتالي لم تنته الحرب الأهلية، بل سحبت بعض مظاهرها. الجامعة العربية لم تستطع أن تستنفر لدى اللبنانيين مصلحتهم، بل جاء نص الفينيسيا لا يسمي الأمور بأسمائها بما هو الخوف من الحرب الأهلية.

وهم لبننة حزب الله

في 25 أيار كان خطاب نصر الله الثاني قد حسم في تأكيد مسلك الحزب خلال هذه الحرب، إذ جاء يعلن بصريح العبارة وللمرة الأولى هوية الحزب السياسية الأيديولوجية. وهذا يثبت أن “لبننة الحزب” مجرد وهم. لم يقل نصر الله ما قاله كهروب إلى الامام، بل اعلانا لحقيقة الحزب: إما أن تقبلوني كما أنا أو هذا سلاحي. كان خطابه فادحا في استفزازه لدى كل اللبنانيين، بدل أن يعيد نصر الله تجديد المقاومة، وكأنها قلة من الشرفاء وسط بحر من العملاء والمتعاونين واللامبالين. أنت هززت البلد بدل أن تبحث في كيفية ترميم الوحدة وتنظر كيف هناك ضرورة ألا تحظى المقاومة بإجماع اللبنانيين. نعم المقاومة لا تستأذن أحدا في وجه الاحتلال، لكن مقاومة سابقة لا تستطيع الاحتفاظ بسلاحها الإشكالي.

أيضا التزوير على الحريري، عندما تقفل الأبواب أمام الرئاسة الجديدة حول استراتيجية المقاومة في التحرير والدفاع اذا جوابنا على خطاب القسم أن لا مانع لإفادة المقاومة من الدولة. معنى ذلك أنا لست دويلة بل أنا الدولة. هذا يعرض البلد كله لكمية من الدمار لا أول له ولا آخر. بيت القصيد في كل الخطاب أنه قال إنني لن أتطرق للأحداث لأني لا أريد إعادة الاحتقان. معنى ذلك أنا مصر على أن ما فعلته هو الصحيح. لقد ركب المجسم الذي يجعل الاجتماع اللبناني محكوم بهذا الانقسام، والذي لا يستطيع أن يستمر إلا اذا رسخ الانقسام الأهلي والحرب الأهلية. وصولا إلى مطالبته في الاستشارات بوزارة الاتصالات، فيما اندلعت الأزمة حول اتصالاته.

اللوثة التي تحملها الشيعية السياسية موازية لتلك التي حملها بشير الجميل. هذا يتحدث عمن هو مقاومة ومن ليس مقاومة، والثاني قضى حتى قضى وهو يرفض الاعتراف بوجود لبنانيين آخرين يقولون كلاما غير كلامه. معنى كلام نصر الله كم أن الحرب الأهلية مقيمة في البلد.

الدوحة وتقاطعات عربية واقليمية

نعود إلى ما سمي اتفاق الدوحة ومقوماته وما انتهى إليه. لم يكن لهذه الوجهة في وضع اليد على خط الانفجار اللبناني، الذي يمكن أن تصل شظاياه إلى أبعد الساحات العربية. هناك سيرة لما حدث في الدوحة لجهة الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية، بحيث يمكن القول إن المواقف لم تولد على ما انتهت إليه. لكن لوحظ منذ اجتماع الجامعة العربية وتشكيل اللجنة، تبين أن هناك تقاطع عند مصالح كل ممثلي النظام الإقليمي العربي وغير العربي بما فيه المواقف الإسرائيلية غير المباشرة والدولية. الاتجاه لوقف الشظايا والاتفاق على الآتي:

– لا لوضع العربة أمام الحصان، أي الانتخابات الرئاسية أولا.

– أما الأزمة اللبنانية فلكل حادث حديث عنها.

الاتفاق على دور قطر كان بالإجماع، بما في ذلك السعودي، نظرا لعلاقاتها مع إسرائيل وايران والسعودية ومصر وسوريا. وبهذا المعنى هي نقطة تقاطع لوضع حد للتدهور والتشظي، ولا يتم ذلك الا من خلال أولوية الانتخابات الرئاسية يليها البنود الباقية. ومدخلها الحكومة، ومن عقلاء فريق 14 آذار كان وليد وسعد وبعض ممثلي الصف المسيحي، لذلك تم إعطاء 8 آذار الثلث المعطل، لأنهم أصلا عطلوا البلد من خارج الحكومة. لذلك الأفضل أن يتم التعطيل من داخل الحكومة، بدلا من الخوض في حروب الشوارع. أيضا خلال الفترة المقبلة 8 – 9 أشهر لن يتم اللجوء إلى القرارات الكبرى أو التعطيل. فقُبل وجود ثلث معطل ونصف زائد واحد. باقي المسائل مثل قانون الانتخاب، انصب الجهد على عدم تقسيم البلد طوائفيا ومذهبيا تبعا لثقلها في المناطق، ما يعبر عن اعلان سياسي للمستقبل كخطوة نحو مطابقة البلد بين الجغرافيا والمذهبية والطائفية كما هو حاصل في العراق.

ما أفصح عنه الرئيس سليمان والردود عليه يتطلب الجواب ثم ماذا؟

أبرز ما في الانتخاب الرئاسي هو خطاب القسم الذي سار على الحد الفاصل بين ما يشكل صدمة قد تطيح بالرئاسة، وبين كلام مائع لا يمكن صرفه. في ظل ارتداد الوضع اللبناني إلى ما هو مختلف عليه، ما مر عليه استخدم المدرستين مع وضوح في المضمون وبلغة هادئة في الشكل: المحكمة الدولية، علاقات لبنان مع سوريا، مختلف أوجه الوضع الداخلي، بحيث لا أحد في 14 آذار يستطيع أن يدعي انتساب الرئيس لتياره. أو في أن 8 آذار حققت ما تريده أن يقول. فقال حول السلاح والمقاومة (أشاد فيها سابقا) الاستراتيجية الدفاعية، الموافقة على القرارات الدولية. باختصار هذا الرئيس أفضل الممكن وما بدا منه أنه يأخذ الخطوة يستكملها ولديه “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”. موقفه من الفلسطينيين رفضا لتوطينهم مع استمرار استضافتهم واعطائهم حقوقهم ايجابي، بما يؤشر إلى رفض تفجير لغم التوطين، أو استعماله ضد الدولة ومشروع اقامتها. معركة نهر البارد لم تنجز لولا التغطية الفلسطينية للجيش اللبناني. ربما الدوحة بحاجة إلى درجات أخرى لنقل لبنان من هذه المرحلة التي أنجزت انتخابات الرئاسة وتشكيل الحكومة واعداد بيانها الوزاري وجزء منه خطاب القسم. هناك رعاية عربية، ولكن بعد ذلك المسار العملي للأزمة السياسة في البلد.

الانتخابات وحسابات القوى

لدي نقطتان أولاهما ألا ننام على مخدة أمان أن الانتخابات النيابية حاصلة حكما. قد يقول أحد الطرفين ألا تجري الانتخابات وموضوع سلاح حزب الله على الطاولة (14 آذار)، وهل يمرر من سيخسر الانتخابات في ظل هذا السلاح وهل يقبل الخسارة من لديه السلاح؟ يصح ذلك في مناطق بعيدة عن هيمنة حزب الله (المتن). إذن ليست الدولة طرية العود، بل أن كل أمر يعود إلى حسابات القوى. من كان يتصور أن يقفل المجلس النيابي لمدة عام؟ يجب أن نتحصن ضد مثل هذا التبسيط. النقطة الثانية هي ما ظهر من أن البلد يُقاد طوائفيا. هناك أوزان طائفية متفاوتة ومختلفة. وبصرف النظر عن ذلك كله الملحقات ليست صفرا هنا أو هناك. على هذا التوازن الذي لا تخطئه العين وبصرف النظر عن الشكليات، سيكون هذا العام محكوما بصراع سني ودرزي – شيعي في المقام الأول. أيا كان التوازن نحن سائرون اذا نجح البلد في تجاوز قطوعات خلال عام فالسؤال يصبح هو: في ظل بلد مدجج بالسلاح والانقسام ما السيناريو العنفي المقبل؟ لقد عجز قائد الجيش عن نقل اللواء شقير إلى وزارة الدفاع أو إلى وضعه تحت إمرته. هل يمكن أن تتم السيطرة على الأزمة من خلال الانتخابات النيابية دون أن تصدر بعض الأزمات الجوهرية. قد يأتي مجلس نيابي يكرر التوازن الحالي أو مع بعض التعديلات المشابهة، ما يجعل من الصعب الحديث عن قسمة متقاربة. إذن نحن قادمون على مجلس نيابي يعيد إنتاج المأزق الحالي. أيا كانت النتائج من يحصل على الأكثرية العددية تكون أكثريته بسيطة، لأن الجمهور لم تتغير قناعاته. إذن إعادة انتاج الانقسام يضع البلد مرة أخرى حول سؤال الوفاق الاستثنائي على غير حلول فعلية متعذرة. إذن الوضعية القادمة محكومة بانتخابات، وقد تضاءلت المساحات المشتركة، معنى ذلك أن عناصر الأزمة اللبنانية أكثر جوهرية مثل: تأمين السلم الأهلي، الإنماء، التوازن و… المساحات المشتركة من خارج المنطق الفئوي مفقودة إلى هذا الحد أو ذاك. الرؤيا المشتركة أيضا مفقودة. أتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة تكريسا للانقسام والخصوصيات، ومصير السلاح وما شابه. هذا يعني أن الرعاية الدولية الإقليمية منعا للتفجر ستتحول إلى رعاية مديدة. والملاحظ أن هناك متابعة تفصيلية لكل ما يدور في لبنان ومناطقه.

هذا للقول إنه ليس بعيدا عن الصواب أنه بين حل أزمة الرئاسة وتوابعها ووضع عناصر جوهرية للأزمة اللبنانية على سكة الحل مسافة بعيدة جدا.

* مداخلة الراحل محسن ابراهيم امين عام منظمة العمل الشيوعي التي ادلى بها في اجتماع

لجنتها المركزية بتاريخ 31 أيار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى