لافروف سيمثل روسيا في الاجتماع في جنوب إفريقيا…
د. خالد العزي / مناشير
أعلن مكتب رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بتاريخ 19تموز/يوليو 2023 .أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سيصل إلى قمة البريكس الخامسة عشر التي ستعقد في جوهانسبرج نهاية الشهر الثامن. الرئيس فلاديمير بوتين ، الذي قد يواجه الاعتقال في جنوب إفريقيا بناءً على مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية ، “باتفاق متبادل بين الطرفين” لن يحضر شخصيًا إلى القمة ، لكن من المتوقع أن يشارك عبر الفيديو. السؤال المطروح لماذا ستعقد قمة البريكس بدون الرئيس بوتين>
بعد غموض في جدول اعمال القمة ومحاولة نقل القمة الى الصين، وبظل الاحداث الروسية الداخلية نتيجة تمرد مجموعة فاغنر ، أنهت دولة جنوب افريقيا الامر بان الرئيس بوتين لن يشارك في الجلسة حضوريًا وسيمثل روسيا وزير الخارجية لافروف.
لابد من الوقوف امام المشكلة القانونية والتي تعود أسبابها الى ان الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية ، وبناءً على طلب المدعي العام كريم خان، أصدرت مذكرات توقيف بحق فلاديمير بوتين ومفوضة حقوق الطفل ماريا لفوفا -بيلوفا. وبحسب بيان صحافي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنهما مشتبه في ارتكابهم “جريمة حرب بقيامهما في ترحيل غير قانوني للأطفال من مناطق أوكرانيا التي احتلتها القوات الروسية في الشهر الثاني من العام 2022 ، ولم يتم الكشف عن المحتوى الكامل لقرار المحكمة الجنائية الدولية.
لم تدخل روسيا قانون المحكمة الجنائية بالرغم من انها وقعت على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية. ولكن في عام 2016 ، تصرفت بدقة بما يتفق مع اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وأخبرت الأمين العام للأمم المتحدة بأنها لا تنوي أن تصبح طرفًا فيها.
بينما صدقت جنوب أفريقيا على القانون في عام 2000 ، والتزمت نفسها “بالتعاون الكامل مع المحكمة في التحقيق والملاحقة القضائية للجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة”. وتشمل أشكال هذا التعاون تنفيذ طلب توقيف شخص مطلوب، إذا صادف تواجده في إقليم طرف نظامي، ونقله إلى المحكمة.
والجدير ذكره بان جنوب إفريقيا تدرك جيدًا التضارب بين الالتزامات بموجب القانون الأساسي وضمانات حرمة الضيوف رفيعي المستوى.في الشهر السادس من العام 2015 انعقد مؤتمر لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في جوهانسبرج ، وحضره رئيس السودان آنذاك ، عمر البشير. وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرتي توقيف بحق البشير في عام 2013. ولم يحضر جنازة نيلسون مانديلا ، وفي عام 2014 لم يحضر حفل تنصيب الرئيس المعاد انتخابه جاكوب زوما ، ولم يكن ضيفًا على جنوب إفريقيا.
حكومة جنوب إفريقيا لا يمكنها الحصول على ضمانات الحصانة دون انتهاك القانون المنفذ لنظام روما الأساسي. ومع ذلك ، في عام 2015 ، كان البشير هناك كمشارك في مؤتمر قمة متعدد الأطراف ، ولم يتحدد وضعه من خلال القانون المحلي بقدر ما تحدده الاتفاقية العامة من امتيازات وحصانات الاتحاد الأفريقي، في اتفاقية خاصة مع جنوب إفريقيا. لكن أثناء وجود البشير في جنوب إفريقيا ، قرر فرع جوهانسبرج للمحكمة توقيفه ولكن الحكومة لم تمتثل للأمر وسمحت للبشير بمغادرة البلاد. وقضت المحكمة العليا بأن هذه الأعمال غير قانونية.لقد أدت وقتها حادثة البشير إلى أزمة دستورية خطيرة في جنوب إفريقيا وكادت تنتهي بانسحاب البلاد من المحكمة الجنائية الدولية.
ويبدو لي أن الصراع بين المحكمة ومشاركها الأفريقي الاكبروالأكثر نفوذاً لا يزال مستعرًا. فان قانون الامتيازات والحصانات الذي تم اعتماد القانون فيه بعد انضمام جنوب إفريقيا إلى النظام الأساسي ، وباعتباره قانونًا خاصًا ، فقد يكون له الأولوية في تطبيقه على المشاركين في قمة البريكس القادمة. وينص القانون على أن “رئيس الدولة يتمتع بحصانة من الولاية القضائية الجنائية والمدنية لمحاكم الجمهورية” . وبالتالي في قراءتي إذا كان ذلك صحيحًا فان حكومة جنوب افريقيا تعطي ضمانات للمشاركين في القمة.
لكن البريكس على عكس الاتحاد الأفريقي،فهي ليست منظمة دولية ولم تحصل بعد على نظام المعاهدات، بما في ذلك اتفاقية الامتيازات والحصانات . وبالتالي تخضع الأخيرة لمصادر القانون الدولي العام والتزامات البلد المضيف . ويمكن أن يكون التعبير القانوني عن الضمانات اتفاقًا خاصًا يُبرم عشية الحدث ، يؤكد حصانة الضيوف المميزين ويستبعد تنفيذ الأوامر من المحاكم الدولية على الأقل طوال مدة إقامتهم. لكن هذا تدبير ملطف . كان من الأكثر أمانًا إبرام إعفاء قانوني من الالتزام بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. حيث اختارت الولايات المتحدة وهي ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية هذا المسار , بعد أن أبرمت 93 اتفاقية من هذا القبيل . كان 40 منها على الأقل مع دول أفريقية ، معظمها بعد انضمام هذه الدول إلى النظام الأساسي ومع ذلك ، لم يبرموا مثل هذه الاتفاقية مع جنوب إفريقيا ، ربما بسبب استعصاء الشريك.
ويمكن ان نذكر أنه عند إصدار أوامر بتوقيف البشير اختبأت المحكمة الجنائية الدولية خلف سلطة مجلس الأمن الدولي . الذي أحال الوضع في إقليم دارفور السوداني إلى المحكمة ، رغم أنها لم تطالب بالقبض على المتهم.أما أمر القبض على المواطنين الروس هي نتيجة مبادرة كريم خان وبدوافع مختلفة لا تستبعد دوافع شخصية . وبدعم من “مجموعات الدعم” ، ولكن ليس من قبل هيئة الأمم المتحدة التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.