تفاصيل.. اقفال “اذاعة القرآن” في الأزهر وتشريد كفيف واسرته .. !
أسامة القادري – مناشير
ترددت في كتابة هذا المقال منذ اليوم الأول الذي تم فيه اقفال اذاعة القرآن الكريم، حتى لا يتم اعتباره مقالاً يستهدف شخص سماحة مفتي زحلة والبقاع الاوسط الشيخ علي الغزاوي، ولأن موقع “مناشير” ملتزم ان يكون منحازاً لقضايا المواطنين والمواطنات، منحازاً لحقوق العمال بوجه السلطة من اينما اتت، ان من رب العمل او من مسؤول سياسي او في ادارات الدولة، لأننا تعلمنا في الإعلام ان جميع الحصانات تسقط امام مظلومية اي مواطن واي طفل.. وتسقط امام اثارة القضايا الانسانية، وقضايا الفساد ونهب المال العام.
ولأن موقع “مناشير ” ملتزم هذه القضايا جمعاء وأثر على اثارتها وفضحها اصبح امام خيارين “النشر” او “ان يصبح شيطاناً اخرس”.
ولأن في الموضوع قضية انسانية وجب علينا عرضها كما هي تاركين للقراء والمتابعين تفسيرها.. ومن لديه اي توضيح طالما وفق الاداب العامة والمنطق ننشره في موقعنا…
يستهل مشغل الاذاعة نبيل غدادي (كفيف) كلامه لـ” مناشير” بصوت ناقد خلافاً لصوته الشجي الذي تعودنا سماعه في قراءة الدعايات الإذاعية، لقرار المفتي الغزاوي بإقفال الإذاعة وصرفه من العمل دون غيره، بحجة جدولتها وحصر نفاقاتها، ليحكي، “حالي كحال بيت الشعر للمتنبي مخاطباً الأمير سيف الدولة. وانا اخاطب به الشيخ علي الغزاوي..
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
فبهذا القرار رُمى غدادي على قارعة العوز بعدما لفظته مؤسسة الأزهر التي كانت الحاضن له طيلة ثلاثين عاماً، فلمن يلجا أمثال غدادي شاكياً من المظلومية!
سؤال ردده الرجل اكثر من مرة، “لمن اشتكي اذا كان من يفترض ان اشتكي اليه هو من ظلمني؟” .
يتابع، “لماذا انا الوحيد الذي استغني عن خدماتي، هل لأنني بأمس الحاجة الى العمل؟
فزميلي مقدم البرامج الشيخ غنوم نسبين انتقل الى عمل بديل في مؤسسات الأزهر.
لا شك ان قرار اقفال “الراديو” من صلاحيات المفتي انما كان مفاجئً لجميع متابعيه خاصة انه احتل مكانة في الوسط الشعبي البقاعي السني، بعدما دأب على مناقشة امور دينية اسلامية وحياتية وانمائية وامنية بقاعية.
ومن أجله صارع المفتي الراحل الشيخ خليل الميس سياسات المحسوبية وأثبت حق ازهر البقاع ومسلموه بصوت القرآن، ومن أجل ذلك حلحل المشاكل في ترخيصها، وقاتل كي يطورها تباعاً. وكرّس لها وقتاً لأنجاحها وإعطاءها حيزاً اسبوعياً من وقته، فكان كل يوم ثلاثاء له مقابلة ومداخلة طويلة مباشرة مع المواطنين، منها يطلق مقارباته الفقهية، ومواقفه السياسية ومنها يعلن عن مطالب الناس تجاه القيادات السياسية.
ليفاجأ البقاعيون وخاصة متابعو “صوت الأزهر” أن بعد ثلاثين عام من العمل يكتم الصوت ويُصرف أحد أبرز العاملين فيها. هكذا تصبح مؤسسات الازهر مخالفة للقانون الذي يحتم على المؤسسة ان توظف ما يعادل 3 بالمئة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
فغدادي كفيف استقدمه المفتي الميس عام 1993 من بلدة عرسال، لكونه كفيف وذو خبرة في مجال الاذاعة، (كان يفتح اذاعة مصغرة له في بلدة عرسال، قدم الى البقاع بطلب من الميس، اقفل اذاعته ونقل جزء من معداتها الى الازهر ليطلق بها اذاعة الازهر، وساهم في كل اشكال الاذاعة والاعلام والاعلان حتى اصبحت الاذاعة لها مردود مالي يتجاوز كلفة تشغيلها، فأقرّ الميس له راتب شهري لإعالة اسرته وأمّن له اقامة في مساكن الازهر الى جانب عمله حتى لا يضطر الى الاستئجار، اضافة الى دفع اجرة النقل).
يستهل غدادي حديثه لـ”مناشير” بمناجاة عتب “الشكوى لغير الله مذلة، اذا من ظلمني هو المفتي فبعدها لمن ألجأ الى غير الله “، يتنهد الصعداء يقول ” أعرف عدد الخطوات من المنزل الى الاستديو، اعرف كل زاوية فيه، اشعر انه جزء مني حتى الارشيف والاشرطة التي كنا نستخدمها لازالت موجودة وتفاصيل كل كاسيت منه لا احد يعرفها غيري”، يضيف كنت اشكل الفريق مع اي شيخ يأتي ليقدم البرامج، حتى 2015 اصبح “الراديو” متطور ومتقدم مقارنة بغيره من الاذاعات، بعدها بدأ التراجع وعدم مواكبة تطور المعدات وذلك بسبب الادارة رغم اننا حولناه الى اذاعة منتجة من الدعايات كانت تذهب الى صندوق الازهر بدلا من انشاء صندوق خاص بالاذاعة لتمول نفسها بنفسها، كنت انا من يقوم بتسجيل الاعلانات بصوتي”، يأسف ان يصل الوضع لأن تقفل اذاعة تمجد الخالق، خلافاً لما جاء في بيانه بتطويرها.
كان يفترض بالمفتي أن يجتمع بالعاملين فيها ويستمع اليهم كيف يمكن ان نطورها ونحولها الى اذاعة منتجة، وكيف يمكن ان نشجع اصحاب المؤسسات الصناعية والتجارية لوضع اعلاناتهم في هذه الاذاعة. يصمت برهة ليقول ان قرار المفتي الغزاوي بإقفال الاذاعة، “لم نبلغ كعاملين انه بصدد اقفالها، انما طلب المفتي مني ان افتش عن سكن خارج الأزهر، لأنه قرر ان يخفف المساكن في المؤسسة”، تابع بغصة وألم، “قلت له يا مولانا تعرف ماذا يعني ان اسكن خارج الازهر، يعني انني استأجر مسكناً بمئة دولار أقله وانا راتبي لا يتجاوز ال 30 دولار، لأعيش به انا واولادي واولاد شقيقي المحتاجين. فرد الشيخ قائلا انت بتبرم الكون ما عاد فيك تسكن برات الازهر وتجي عالاذاعة”، يتابع ” بعدها بنحو اسبوع سألني ماذا قررت ؟ وكأنه كان ينتظر مني ان اقول له ان خيار ترك السكن لا يناسبني، فقرر اقفال الاذاعة وتعويضي بألفي دولار عن 30 سنة مقابل ان اترك عملي واترك السكن في الازهر. مقترحاً علي ان اشتري توكتوك و!ؤجره ليعيلني واولادي. ليضيف “كٱن اقفال الاذاعة حصل من أجل صرفي من العمل وتشريدي”..
هكذا رُمي غدادي على قارعة العوز، خلافاً للوجدان الانساني، نتيجة فشل المفتي الغزاوي في مقاربته بين ان يكون مديراً مؤسساتياً ينظر من منظار الجدوى الاقتصادية، وبين أن يكون مفتياً يغلب مركزه الارشادي الايماني بمعاناة الناس وعوزهم من وجهة انسانية وحقوقية لانسان أمضى أكثر من ثلثي عمره في الاذاعة
وردا عن ما اذا كان قرار اقفال الاذاعة لتخفيف المصاريف في هذه الظروف الاقتصادية السيئة، قال ” ليست المشكلة بالوضع الاقتصادي، والاذاعة ليست عبئ مالي على الازهر، لأنني انا الوحيد الذي فصلت من العمل، والشيخ غنوم تم تسليمه مهام بديلة، بالعكس تم استحداث مكتب اعلامي لمواكبة ونشر نشاطات المفتي، وفيه اكثر من خمسة موظفين كلفته عشرة اضعاف كلفة الاذاعة، وهذا ما يشعرني ان القرار لصرفي والتشفي مني لأنني كنت اواجه الاخطاء ولا اسكت عنها، وكثيرا ما كان المفتي الميس يصالحني واياه”.
هكذا رُمي غدادي على قارعة العوز، خلافاً للوجدان الانساني، نتيجة فشل المفتي الغزاوي في مقاربته بين ان يكون مديراً مؤسساتياً ينظر من منظار الجدوى الاقتصادية، وبين أن يكون مفتياً يغلب مركزه الارشادي الايماني بمعاناة الناس وعوزهم من وجهة انسانية وحقوقية لانسان أمضى أكثر من ثلثي عمره في الاذاعة بل أعطاها من معداته وحياته. يعود الى بلدته عرسال وهو في منتصف الخمسين من عمره خالي الوفاض ويبدأ من جديد رحلة البحث عن فرصة محاولاً فتح اذاعة صغيرة بما بقي من معدات اذاعته التي تركها منذ ثلاثين ليحتمي تحت عباءة المفتي الميس.
يتنهد وهو يتحسس الصوت القادم اليه ليحدد الجهة بلمحة السامع، يختم معاتباً كل المحيطين بالمفتي لعدم نصحه العودة عن قرار اقفال صوت الازهر. فللاذاعة متابعين نعرف ذلك من الكم الهائل من الاتصالات التي تأتينا، ومن خلال جهاز رصد مخصص لمعرفة اعدادهم”.