بين المناصفة والتمثيل الديموغرافي: جدلية الشراكة والواقع في لبنان – علاء الشمالي
كتب علاء الشمالي
في قلب النظام السياسي اللبناني، تقبع معادلة دقيقة وهشة: المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وهي ركيزة أساسية لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية، وشكّل الإطار الدستوري الحالي للدولة. لكن هذه المناصفة التي تُقدَّم على أنها ضمانة للشراكة والتوازن الوطني، تواجه تحديات متزايدة على الأرض، خاصة في ضوء التغيرات الديموغرافية والمطالب المتناقضة في بعض المناطق.
في بيروت، يصرّ العديد من المسيحيين على التمسك بالمناصفة في البلدية وترك قرارها بيد المحافظ كوصياً عليها، وكذلك على مستوى الدولة، خصوصاً في المناصب الأساسية كالرئاسة والوظائف العليا، معتبرين أن أي مسّ بهذه المعادلة هو تهديد للوجود المسيحي في لبنان. هذا المطلب يُقدَّم تحت عنوان “الشراكة المتوازنة”، وهو مفهوم رسّخه اتفاق الطائف وكرّسته الممارسة السياسية لاحقاً.
لكن المفارقة تبرز حين ننظر إلى مناطق كزحلة وبعض قرى البقاع، حيث تغيرت البنية السكانية لصالح المسلمين، من دون أن ينعكس ذلك على مستوى التمثيل المحلي أو البلدي. في هذه المناطق، يتمسّك المسيحيون بالأعراف السائدة التي تمنحهم اليد الطولى في الإدارة المحلية، ويقاومون أي تعديل يُراعي التغير الديموغرافي، بحجة الحفاظ على “الخصوصية” و”الطابع التاريخي” للمكان.
فمثلاً في قب الياس البقاعية يقول العرف ان البلدية مناصفة بعدد الاعضاء، وفي انتخابات 2016 قام المسيحيين بتشطيب المسلمين فاصبح عدد المسيحيين الاعضاء 11 عضو مقابل 7 اعضاء، فلم تقم الدنيا وتقعد ولم تتغير وجهة الشمس.
هذا التناقض يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل العيش المشترك في لبنان: هل الشراكة الوطنية تُقاس بالمناصفة العددية، أم بتوازن الحقوق والواجبات؟ وهل يمكن للنظام الطائفي أن يتطوّر ليُراعي التحولات السكانية من دون أن يُشعل حساسيات وجودية؟
الواقع أن المشكلة ليست فقط في الأرقام، بل في غياب ثقة متبادلة تجعل من كل تعديل في التوازن، مهما كان بسيطاً، تهديداً محتملاً للكيان. فالمسيحيون، الذين تراجع وزنهم الديموغرافي، يشعرون بأن أي مطالبة بتمثيل أكثر عدلاً وفق الواقع السكاني هي خطوة نحو التهميش. في المقابل، يشعر المسلمون بأن استمرار الأعراف القديمة، رغم تغير الواقع، هو ظلم مزمن يُفقدهم حقوقهم في مناطق هم الأكثرية فيها.
الحل لا يكمن في كسر المناصفة أو فرض ديموغرافيا سياسية جديدة، بل في إعادة صياغة مفهوم الشراكة ليكون مبنياً على الكفاءة والمواطنة والعدالة، لا فقط على الأرقام والهويات. يحتاج لبنان إلى عقد سياسي جديد يعيد التوازن بين المبدأين: الشراكة الثابتة والتمثيل الواقعي، بحيث لا يُقصى أحد ولا يُظلم أحد.
فالشراكة الحقيقية لا تُقاس بعدد المقاعد، بل بعمق الانتماء، وعدالة التمثيل، وقدرة النظام على أن يعكس تنوع مجتمعه من دون أن يتحوّل إلى ساحة صراع دائم.