خبر عاجلمقالات

السؤال الصعب: كيف نستعيد التحرير ونبني وطناً؟ – زكي طه

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

السؤال الصعب: كيف نستعيد التحرير ونبني وطناً؟ – زكي طه

 


كتب زكـي طـه في بيروت الحرية

قبل خمسة وعشرين عاماً كان حدث التحرير العظيم للجنوب اللبناني من نير الاحتلال الاسرائيلي. إنجاز تحقق بقوة دماء الشهداء وتضحيات المقاومين اللبنانيين من كل الاطياف التي نادت بمقاومة الاحتلال. والنتيجة إجبار العدو على الانسحاب دون قيد أو شرط. تحول الحدث عيداً وطنياً. طوال خمسة وعشرين عاماً بقي إنجاز التحرير أسير الحراك الطوائفي. واستمر ميداناً للاستثمار في ميادين الصراع على النفوذ بعيداً عن المصلحة الوطنية اللبنانية. وبدل أن يتحول فرصة لإغناء الوطنية اللبنانية، بات عنواناً للانقسام الأهلي وللهيمنة المذهبية، ووسيلة لتسعير النزاعات الطائفية، والاستقواء على الآخر بقوة السلاح، تحت راية المقاومة وباسمها. وعليه ابتلع السلاح التحرير وجعل منه رهينة لتبرير وجوده، والبحث عن أدوار له في النزاعات الاقليمية.

خلال الخمسة والعشرين عاماُ الماضية، نجح الحراك الطوائفي في تفويت المفاعيل الايجابية لتحرر لبنان من الوصاية السورية. ما أبقاه ساحة مستباحة للتدخلات الخارجية التي تستغل انقسامات اللبنانيين وخلافاتهم. وعليه أصبح التحرير مطية لتبرير ربط لبنان بمحور الممانعة بقيادة النظام الايراني في ظل احتدام الصراع الاقليمي على روافع مذهبية للسيطرة على المنطقة. وفي هذا السياق جرى تعطيل امكانية فرصة تحصين لبنان، والنأي به عن نيران الازمة التي دمرت سوريا. أما المشاركة في مساراتها المدمرة فقد جعلته أحد أبرز ضحاياها.

والأهم كانت مغامرة زج لبنان في معركة اسناد غزة. معركة لم تسند قطاع غزة ولم تدعم القضية الفلسطينية، بقدر ما تحولت ذريعة لمتابعة العدو الاسرائيلي حربه عليهما. والأخطر أن اسرائيل استغلت تلك المعركة لتنفيذ تهديداتها بإعادة لبنان إلى العصر الحجري. وهي التهديدات التي جرى الاستخفاف بها طويلاً. في موازاة ادارة الظهر للمصلحة الوطنية، والاستهانة بإرادة اكثرية اللبنانيين ونصائح الجهات الدولية. والمحصلة حرب اسرائيلية غير مسبوقة بطبيعتها الوحشية وبقوتها التدميرية. حرب لم تزل تتوالى فصولاً من القتل والتدمير والتهجير.

ورغم مضي سبعة أشهر على اتفاق وقف اطلاق النار. إلا أن الحرب على لبنان لم تتوقف. جيش العدو يحتل عشرات المواقع التي يرفض الانسحاب منها. والطيران الحربي يستبيح الاجواء اللبنانية ليلاً نهاراً، وغاراته التدميرية تستهدف ما تصنفه مواقع عسكرية ومخازن اسلحة في شتى أرجاء الوطن من جنوبه إلى أقصى شماله وبقاعه شرقاً. أما طرقاته وقراه وخاصة الجنوبية منها، فهي حقول رماية لمسيراته التي تمعن قتلاً واغتيالاً، وهي تطارد سيارات المواطنين ودراجاتهم النارية بحجة انتسابهم للمقاومة.

بعد خمسة وعشرين عاماً ماذا بقي من التحرير، وجيش العدو الإسرائيلي يشترط للانسحاب من عشرات المواقع التي يحتلها تنفيذ شروطه. ماذا حل بالتحرير وطيران العدو يعبث بفضاء البلد ويقصف حيث يشاء ومتى يشاء. ماذا اصاب التحرير غير المشروط، فيما شروط الاخضاع والاستسلام والتطبيع تلهج بها ألسنة رُعاة الاحتلال، وداعمي العدو في حربه المفتوحة على كل الجبهات. ماذا يفيد انكار دُعاة المقاومة للوقائع، ورفض الاقرار بالكارثة الوطنية التي وقعت على لبنان. وما جدوى رفض تسليم السلاح الذي بات عبئاً على أصحابه وعلى البلد في آن. دعاوى الانتصار ليست مقاومة، بقدر ما هي هروب من تحمّل المسؤولية.. ولا تختلف عنهما دعاوى التحريض الطائفي التي تدعو لنزع السلاح والاستجابة لطلبات العدو وشروطه. أين تكمن المسؤولية الوطنية عن انقاذ البلد بعيداً عن المزايدات والشعارات الفارغة.

بعد خمسة وعشرين عاماً أتى عيد التحرير، ولسان حال اللبنانيين عموما ًوالجنوبيين خصوصاً، يصدح بقول الشاعر:” عيد بأي حال عدت يا عيد”، فلا ورود حمراء توزع على مفارق الطرق ومداخل القرى التي تتحكم بها مسيّرات القتل والموت اغتيالاً. ولا الفرح زار الساحات العامة التي اختفت معالمها تحت ركام المنازل والبيوت المدمرة. حتى مقابر الشهداء تعثر الوصول اليها لوضع اكاليل الورد. أما أهالي القرى والبلدات التي دمرها الاحتلال، فهم مهجرون ومشتتون في أرجاء الوطن منذ اشهر طويلة، ينتظرون عودة إليها لا يعرفون موعدها، ويحلمون بقرار إعمار مرهون باستجابة لبنان لما يطلب منه في ميادين الإصلاح، وعلى صعيد تنفيذ بنود الاتفاق مع اسرائيل بشأن سلاح حزب الله.

تحت وطأة الضغوط الخارجية التي يتعرض لها لبنان، وفي ظل احتدام الصراعات حول التعامل مع نتائج ومفاعيل الحرب الاسرائيلية التي لن تنته، تبقى الفرصة متاحة لإنقاذ لبنان عبر مسار معقد جداً، رغم الاخطار التي تحف بها من كل الجهات. هي ليست الفرصة الاولى التي تمت الاطاحة بها، وكان للبنانيين في ذلك دور اساسي، بقوة خلافاتهم ومنازعاتهم استناداً إلى مشاريعهم وطموحاتهم الفئوية ومن مواقعهم الطائفية. ولأن احزاب الطوائف تديم الصراعات وتجدد الانقسام الاهلي، يستحيل أن تبني بلداً ودولة وطنية لجميع أبنائه. لذلك فإن التحدي الذي يواجه اكثرية اللبنانيين، هو البحث عن جواب يتعلق بالسؤال الصعب: كيف نستعيد التحرير ونبني وطنا قابلا للحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى