الحريري “راجع”.. فهل يعود الاهتمام العربي والدولي بلبنان.. ماذا في سلة التسوية..؟
أسامة القادري – مناشير
لا شك أن أكثر الشخصيات اللبنانية لها تأثير على مسار السياسة الداخلية منذ 19 عام حتى الٱن هو وريث “الحريرية السياسية”
الرئيس سعد الحريري، والذي بإنكفائه عن الساحة أحدث فراغاً فعلياً اسفر عن تخثر الدم في “شرايين” السياسة اللبنانية القائمة على نظام تتحكم في تفاصيله الطائفية والمذهبية بأبشع صورها، فأشعر “الشارع السني” بالغبن والتشرذم بعد قرار تعليقه وتياره “المستقبل” العمل السياسي، فانعكس ذلك على مجمل الحراك العام في البلد، واسفر عن عدم انتظام عمل المؤسسات، واختل ميزان “الميثاقية” المدعاة. وكما كل سنة مع اقتراب موعد عودة “الشيخ سعد” لمشاركة الانصار والمحبين والمستقبليين، لإحياء ذكرى استشهاد والده ترتفع الحرارة في دماء اوردة السياسة اللبنانية على اختلاف التموضعات، وما أن يقول كلمته يمشي عائداً الى حيث اتى ليخفت الوهج وتهبط الهمم.
أما اليوم وبعد سنتين من الجمود السياسي ازدحمت وسائل الإعلام بـ “الأمنيات” و”التسريبات” و”الإشاعات”، و”الفبركات” بين متضررين من عودته يحاولون الاصطياد في ماء علاقة الحريري مع السعودية، وبين معولين على أهمية عودة “الزعيم السني” الى العمل السياسي لإنتظام عمل المؤسسات وانجاز التسوية غير الناضجة، ودوره الاقليمي والدولي، وقدرته على تمثيله اكبر شريحة من أصحاب الخطاب المعتدل من كافة الطوائف والمذاهب، ما يعني للكثيرين أن عودة الحريري هي استحضار الاهتمام الاقليمي والعربي بلبنان بعدما غادره على ارتدادات خطيئة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، وتبعه اندلاع ثورة 17 تشرين، ما ساهم ذلك في تسريع الانهيار واستفحال الأزمة في كنف سلطة لم تبلغ سن الرشد السياسي حتى تعمقت الهوة وسارت السلطة يومذاك في نفق الانهيار للوصول الى جهنم.
وفي هذا الخصوص تشير المعطيات ان سعد الحريري استطاع طيلة فترة السنتين ان يعمق ثقة القيادة السعودية به بعدما عجزت باقي القوى الحزبية والسياسية عن ملء الفراغ الذي احدثه خاصة في الشارع السني، بل ترك قرار تعليق العمل السياسي خللاً في التوازنات الطائفية العرجاء التي اعتمدت منذ ما بعد 2005، فأفرغت النظام القائم من وطنيته المفترض ان تكون وحدة القياس والعمل.
أتت مبادرة الصين “المصالحة السعودية الايرانية” وتصفير المشاكل الداخلية في المنطقة وطي العديد من الملفات والأوراق الممسوكة ايرانياً، بمثابة “دهنة على فطيرة” سعد الحريري الذي هو اول من اعتمد سياسة ربط النزاع مع حزب الله منذ اتفاق الدوحة
فأتت مبادرة الصين “المصالحة السعودية الايرانية” وتصفير المشاكل الداخلية في المنطقة وطي العديد من الملفات والأوراق الممسوكة ايرانياً، بمثابة “دهنة على فطيرة” سعد الحريري الذي هو اول من اعتمد سياسة ربط النزاع مع حزب الله منذ اتفاق الدوحة.
واليوم في 2024 لازال الحريري هو الشخصية اللبنانية التي تربطه مع المملكة العربية السعودية علاقات تمتد بالجذور، وتفتح الى افق واسع ورحب في العلاقة السياسية، وتقول اوساط دبلوماسية ان الحريري زار السعودية منذ اكثر من ثلاثة اسابيع، لم تكن الزيارة عادية او هامشية بل تخللها لقاءات مع قيادات سياسية سعودية، كما تزامن ذلك مع تصريح وزير الدفاع السعودي عن العلاقة المتينة والتاريخية مع الرئيس سعد ووالده الشهيد رفيق الحريري،
وفي الوقت نفسه، قالت مصادر، ان الحريري اوفد مستشاره جورج شعبان الى موسكو للقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أحد ابرز عرابين التسوية في المنطقة.
هذه المؤشرات تدل ان الملف اللبناني وجملة من ملفات المنطقة الامنية والعسكرية والاقتصادية، وضعوا على طاولة التسويات الاقليمية الشاملة التي فرضتها حرب غزة وتداعياتها على الشرق الاوسط وحوض البحر المتوسط.
وفي سياق عودة الحريري لا تخفي ٱحد القياديين سابقاً في ما كان يسمى قوى 14 اذار، “ان الرئيس الحريري طٌعن في ظهره من قيادات حليفة له، وهذا ما ادى الى تفكك 14 اذار، ولبنان اليوم بحاجة اليه لأهميته بما يمثل من خطاب لبناني عروبي وطني معتدل، ولا يمكن بعودته اليوم ان يعود الى الاصطفاف السابق والانحياز الى فريق دون آخر، ولما له من علاقات دولية يضعها في خدمة بلدنا”، يضيف، “عودته ضرورة حتمية لقيامة لبنان من ازماته، وليس هناك أفضل من الرئيس الحريري لتوطيد العلاقة الاخوية بين لبنان والسعودية”، وفي المقابل يكشف احد قياديي التيار ” الازرق” ان عودة الحريري للعمل السياسي حاصلة لا محال، انما لن تكون من باب توليه منصب رئيس حكومة حالياً، قبل ان تكون عودته الى قاعدته الحزبية والشعبية، لترميم وضع التيار التنظيمي والهيكلة فيه، وخوض انتخابات نيابية تؤمن له كتلة نيابية وازنة، وتابع، ان انكفاء التيار لم يقتصر على خوض الإنتخابات النيابية الأخيرة انما انسحبت الخسارة على انتخابات المفتين والمجلس الشرعي، عدا عن العديد من المناصب الادارية المدراء العامون والقضاة والضباط ووظائف كان للمستقبل فيها حضور عندما كان في السلطة، فيما هو اليوم عاجز عن ممارسة دور المعارضة.
وتابع المصدر “المستقبلي” متوقعاً ان تكون الحشود كبيرة في ساحة الشهداء، لمشاركة الرئيس سعد باحتفال ذكرى استشهاد الرئيس الحريري، “وان التحضيرات جارية على عاتق الاصدقاء والاوفياء لنهج الحريري والمؤمنين بمسيرة سعد، ولن يقتصر الحضور على المستقبليين انما سنشاهد حشود من كل الطوائف”، واردف “لم يفصح الحريري لأحد بشيء حتى الٱن بخصوص تعليق القرار او الاستمرار بالانكفاء، انما كل المؤشرات تدل ان الرئيس سيكون حاضر في 14 شباط ويكون له كلمة سياسية تحمل العديد من الرسائل كخريطة عمل للمرحلة المقبلة، وانه من المقرر ان يلتقي قيادات سياسية وكوادر حزبية على مدار ثلاثة ايام”،
ومزامنة مع هذه المناسبة، ثمة مروحة واسعة من الاتصالات الاقليمية والدولية تحصل لرفع الخطر عن لبنان، وفق “طبخة” تسوية لم تستو بعد، على ان تستكمل من حيث توقف اتفاق الترسيم البحري مع “العدو ااسرائيلي”، ليشمل الترسيم البري، والالحاح على ضرورة ابعاد حزب الله عن الحدود الى شمال الليطاني، اضافة الى زيادة عديد الجيش اللبناني المنتشر في الجنوب ليصل الى 12 الف جندي، وتعزيز عديد قوات اليونيفل، في المقابل انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ليتم وضع رؤية جديدة في سلة متكاملة تبدأ بإنتخاب رئيس للجمهورية، وكيفية شكل وتشكيل الحكومة المقبلة، وقانون انتخابي جديد قادر على انتاج مجلس نيابي يمهد للخروج من الاصطفافات الطائفية لمنع تكرار التعطيل، واسم رئيس مجلس النواب المقبل، وما لم تكتمل هذه السلة يعود لبنان الى الدوامة والمربع الاول.