“الثنائي الشيعي” يدفن معروف سعد في صيدا
مناشير
ضمير مستتر
استشهد معروف سعد قبل نحو ٥٠ عاما. اليوم تجري مراسم دفنه في السياسة والفكر، روحا لا جسدا، في عاصمة الجنوب التي قضى في شوارعها برصاص النظام الفاسد وأذرعه الأمنية دفاعا عن أهلها وفقرائها ومصالحهم.
غدا ستكون المرة الأولى، منذ نصف قرن، تعمل فيها السكين لتمزيق جسد “التنظيم الشعبي الناصري” في صيدا، مدينة العروبة والرعيل الأول للمقاومة بوجه إسرائيل وعملائها. أما القتلة هذه المرة فهم من كانوا يوما من “أهل البيت”، لكنهم انتظروا الفرصة المواتية التي فرضها الدعم المادي والمعنوي والسياسي المباشر من “الثنائي الشيعي”، حزب الله وحركة أمل، لاقتناص التوقيت المناسب، من اجل إنهاء حيثية الحالة الوطنية التي مثلها “بيت سعد” في صيدا لسنوات، عبر أذناب تفرخ هنا وهناك بحسب الغرف السوداء، على مبدأ فرق تسد.
ما الذي يجري في صيدا؟
عند السادسة من بعد ظهر غد السبت، ١٧ آب ٢٠٢٤، سيُعلن عن إطلاق تيار سياسي ناصري جديد في قاعة فلو في المدينة. وبحسب عارفين، سيضم التيار الجديد مجموعة منشقّة عن التنظيم الشعبي الناصري أطلقت على نفسها اسم “حركة النصر عمل”، من أبرز وجوهها النائب ملحم الحجيري الذي كان عضواً في اللجنة المركزية للتنظيم، وجُمّدت عضويته قبل فترة، وعضو الامانة العامة للتنظيم علي الحر، إضافة إلى عدد من الكوادر الذين كانوا ناشطين في التنظيم.
سياسات مذهبية توسعية
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع بنائب عن عرسال التي تبعد مئات الكيلومترات عن صيدا، للإعلان عن قيام تنظيم سياسي في مدينة لا يعرفه فيها أحد، لا شكلا ولا مضمونا؟
يبدو أنها لعبة توزيع الأدوار والمناصب على الدمى التي تحركها خيوط حزب الله ومصالحه التوسعية في المناطق اللبنانية، لا سيما السنية منها. فتحت مسميات وطنية تنبذ المذهبية والطائفية، يمارس حزب الله من خلال بعض الشخصيات سياسات توسعية مذهبية من خلال شراء الذمم وصولا إلى شراء البيوت والعقارات والمحال التجارية، لفرض واقع مستجد “بحكم السلاح الذي لن يوجّه إلى الداخل”، وفرض معادلات لن يكون من السهل تغييرها بعد تكريسها على أرض الواقع.
خلاف قديم
وتقول مصادر متابعة ان الخلاف داخل التنظيم يعود إلى سنوات، لا سيما مع أكثرية اعضاء الفرع الشمالي من التنظيم الذين يدور الخلاف بينهم وبين النائب سعد بشكل رئيس حول العلاقة مع حزب الله واتباع سياساته وفقا لرؤيته وأوامره، في حين عبّر سعد، في اكثر من لقاء، بأنه لا يمكن أن يكون مذهبياً، وان التنظيم الشعبي الناصري تنظيم وطني جامع لا يمكن ان ينتقل الى موقع طائفي ضيق يخدم سياسات مذهبية.
ويؤكد أحد المتابعين للملف أن سعد، قبل نحو عقد من الزمن، رفض طلبا مباشرا من الحزب بانخراط عناصر من التنظيم في الأعمال العسكرية التي قام بها الحزب ضد حركة الشيخ أحمد الأسير، وأن التزامه الوطني جعله حاسماً بأن النضال يكون ضد الكيان الصهيوني، وأنه مناصر لكل من يقاتل الاحتلال، لكن ذلك لا يمنعه من الوقوف ضد أطراف السلطة في سياساتها التحاصصية، وضد الفساد الذي دمر البلد من كل الأطراف المشاركة في السلطة.
فرّق تسد
ويلفت أحد ناشطي التنظيم الى ان “المجموعة المنشقة” وقفت ضد انتفاضة ١٧ تشرين وحاولت الضغط على سعد لعدم تأييدها، لكن موقفه كان واضحا لناحية دعم “الثورة” ومحاولة هدم الهيكل على المنظومة الحاكمة.
يشار إلى أن المجموعة المنشقة عن التنظيم، أظهرت خلال السنوات الماضية التزاما أعمى بسياسات حزب الله، الساعي بشكل واضح وقوي في هذه الفترة تحديدا الى السيطرة على مدينة صيدا في أكثر من شكل، سياسيا واقتصاديا وماديا وحتى عسكريا، وهو مسار بدأ منذ مدة طويلة بتخطيط ممنهج، من تجلياته رعاية الحزب لمجموعات تحت مسمى سرايا المقاومة، أسسها في مناطق نفوذ التنظيم وأخذت من حاضنته الشعبية.
وبحسب مطلعين، فقد نصح النائب سعد النائب الحجيري بعدم الترشح على لائحة الثنائي الشيعي في بعلبك-الهرمل كي لا يتحول إلى أداة بيد طرف طائفي، لكنه لم يرتدع.
هكذا، بعد تراجع زخم الحريرية السياسية في المدينة على وقع ما شهده تيار المستقبل من خضات وانتكاسات في السنوات الأخيرة، وانكفاء النائب بهية الحريري، والتحاق الجماعة الإسلامية بركب التبعية لحزب الله تحت مسميات منمقة خاوية، وبعد الإجهاز تدريجيا على القوى والأحزاب الوطنية العلمانية والإسلامية على حد سواء، يبدو أن الضربة الأخيرة ستوجه غدا للتنظيم الشعبي الناصري وحالته السياسية والشعبية باعتباره السد الأخير، قبل أن تترنح المدينة لتسقط بالضربة القاضية في يد حزب الله، ونواطير حركة أمل الذين يطلون عليها من شرفات “مصيلح” القريبة.
يأتي إطلاق هذه الحركة في توقيت تحتدم فيه الفوضى المناطقية، ويسعى كل طرف طائفي للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الكيان لتعزيز دوره في السلطة. ويبقى السؤال: كيف سيواجه سعد وصيدا معه من يحاول طمس هويتها الوطنية الجامعة، أمام محاولات مذهبية ضيقة؟ وكيف سيكون الرد؟