خبر عاجلسياسة

التطبيع خطوة إسرا/ئيلية أولى في مسار الهيمنة الشاملة

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

التطبيع خطوة إسرا/ئيلية أولى في مسار الهيمنة الشاملة

جميل الحسيني – مناشير

يكثر التداول في المرحلة الراهنة مصطلح “التطبيع” كواحد من العناوين الاستهلاكية لمماحكات السياسة في لبنان.. هذا البلد الذي يتطلّع إلى عهد جديد مع الاستقرار ويحاول لملمة أشلائه بعد حرب الإبادة الإسرائيلية عليه، نجده منقسماً على نفسه في زمن استباحة المحرّمات في الرأي والموقف تحوّل إلى ساحة تراشق محموم لا يراعي فيه أي طرف توافق ما يدلي به مع الثوابت الوطنية أو يعارضها، أي بالعربي الدارج “كل واحد فاتح على حسابو”، والأدهى من ذلك أن كل طرف يتأبّط قاموسه الخاص في شرح المصطلحات لتسويق معانيها وتسويغ دوافعها وفق وجهة نظره لهذا اللبنان المشرذم في عصر الانقلابات الكبرى في الإقليم والعالم أجمع.

في المعنى اللغوي “يُطبّع” أي “يُسوّي” (normalize)، وفي المصطلح السياسي “جعل العلاقات طبيعية” بعد حرب أو توتر أو قطيعة، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأن لم يكن هناك خلاف. و”التطبيع” عملية ممتدّة في الزمن تقوم على كسر الحواجز وعلى الترويض وصولاً إلى تحويل وضع ما غير طبيعي إلى وضع طبيعي. وقد ظهر مصطلح “التطبيع” بشكل قوي في سوق الاستهلاك السياسي العربي عام 1979بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” للسلام بين مصر و”إسرائيل”، ونصّت فيما نصّت على أن يقيم الطرفان “علاقات طبيعية” بين دولتين غير عدوّتين، أي أنه لا مجال للحرب والعداوة بل علاقات حسن جوار وأطر تنسيق كامل وشامل بما يضمن للطرفين علاقة مستقرّة، ومع تقادم السنين كرّت سبحة المنضمين إلى “السلام الأمريكي – الإسرائيلي” بدءاً بالأردن مروراً بالإمارات والبحرين والسودان والمغرب ولكن تحت مسمّى “السلام الابراهيمي” الذي ابتدعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

عملياً لم يحصل أي شيء جديد في السياق المرسوم لمخطط التسوية العتيد في الشرق الأوسط الجديد، سوى أن ما كان مخفياً وراء الستارة ظهر على المسرح بشكل جليّ، وشكّل دافعاً للاعبين الآخرين من الدول العربية ليرسموا خطواتهم اللاحقة ويلتحقون بالمسيرة في سكّة هذا “السلام”، ذلك أن الدول التي “جنحت إلى السلم” هي التي خاضت صراعاً عسكرياً مباشراً مع “إسرائيل”، أما هم فلم يتورطوا بهذا النوع من المواجهة إلا في حدود السياسة والموقف كما غالبية بيانات الجامعة العربية، وبالتالي فلا ضير في الانخراط بهذا التوجّه.

لعلّ ما يشجّع الدول القابلة للتطبيع معطيان مفصليان هما: اضمحلال ما كان يعرف بالصراع العربي – الصهيوني، والضربة الساحقة التي وجهها الحلف الكوني ضد المقاومة في لبنان والتي أودت بغالبية قياداته من الصف الأول وعلى رأسها الأمين العام السيد حسن نصر الله، هذا في ضوء الاجتياح الأمريكي السياسي – الاقتصادي الذي يشنّه ترامب على العالم بأجمعه، ومنطق الواقع حسب رأي هذه الدول يقضي بعدم المواجهة بل بالتعاون والابتعاد عن مشهد التدمير الشامل والتهجير الكامل الذي طبع صورة قطاع غزة وجنوب لبنان. وعلى فرض صحة ما يذهب إليه المطبّعون أو الداعون إلى التطبيع من مبرّرات وأهداف لتسويغ اتجاهاتهم التسووية، ما هي النتائج المتوخاة من ذلك!؟ وما مستقبل هذه الدول في ظل التطبيع!؟

في البداية لا بد أن نسلّم بأن “التطبيع” المقصود والمنادى به وفق النموذج المصري والأردني والابراهيمي يشتمل على أبعاد سياسية ودبلوماسية وأمنية وعسكري واقتصادي وتجارية، وتعمل “إسرائيل” على تضمينها أشكالاً أخرى لتطال الأبعاد التربوية والثقافية والإعلامية والفنية والرياضية عبر وسائط مختلفة كالمؤتمرات والمحافل الأدبية والمسابقات الرياضية، فضلاً عن الاتفاقات الإعلامية التي تخدم “طبيعية” العلاقات الثنائية، لذلك بنت علاقات (غالباً مدفوعة الأجر) مع مثقفين وإعلاميين وفنانين وعمائم و”مفكرين” عرب ولبنانيين وشغّلتهم مندوبين يسعون إلى تسويق مشروع “التطبيع” وتبيان حسناته وتقديم المقاومة كخيار تدميري خاسر لا يحترم الإنسان ولا يقدّر قيمة الحياة والازدهار.. وتطوّر هذا الدور لدى هؤلاء حتى باتوا يطعنون في حقيقة المعطيات التاريخية والجغرافية وحتى الدينية سعياً لتأكيد حق اليهود في الأرض العربية وليس في فلسطين وحدها، فيصبح الصهيوني هو الأصيل والفلسطيني هو الدخيل.
إن التطبيع في المفهوم الصهيوني لا يقف عند حد اتفاقية “عدم اعتداء” بل هو في الحقيقة مقدّمة لفرض الهيمنة الشاملة على الدول المطبّعة، خصوصاً أن الأمريكيين والغرب عموماً يسعون إلى ضمان التفوّق الإسرائيلي العسكري والأمني في المنطقة بما يمنحها نقاط ترجيح في أي اتفاق. وإذا ما نظرنا إلى تجربة مصر والأردن في “السلام” مع “إسرائيل” – بانتظار نتائج تجارب الدول العربية الأخرى – نستطيع أن نستشرف أفق المستقبل الذي ينتظر لبنان مع الأخذ بالحسبان الفوارق في المستويات العسكرية والاقتصادية والديمغرافية وغيرها، وهذا ما يتيح لـ “إسرائيل” فرض شروطها العسكرية والأمنية والاستخبارية علينا، ولا نستبعد أن تشترط وجود مندوب مراقب لها في الأجهزة الرسمية على اختلاف مجالات عملها، بما يجعل لبنان مكشوفاً بشكل تام وكامل وخاضعاً للتحكم والسيطرة الإسرائيلية.

إن التطبيع في ميزان القوة يعني أن الطرف المتفوّق يأتي حكماً في موقع المسيطر والمهيمن، ولنا أن نتوقع تعميم النموذج اللبناني المطبّع على باقي الدول العربية والخليجية – وهو أمر حاصل عملياً – فإن “إسرائيل” بهذه الحال لن تكون في موقع الشريك الموازي بل ستكون في موقع الحاكم بالأمر الأمريكي على العرب، وهذا يعني أنها ستكون قادرة على تحديد القضايا الداخلية والخارجية والتدخّل في رسم الخطط المستقبلية لهذه الدول بذريعة الحفاظ على الأمن الإقليمي والعالمي وديمومة “السلام”، وبذلك نقول وداعاً للأمن العربي والتماسك والتضامن والتعاون والجامعات والمؤتمرات والاستراتيجيات.. لأنها ستصبح كلّها مرهونة بقرار الإسرائيلي القوي الذي يتحكّم بمفاصل المنطقة وتفاصيلها.

أمام ما سبق فليس من الوطنية بمكان أن ينادي أحد في لبنان بالتطبيع مع “إسرائيل” فيما لا تزال جثامين الشهداء مدفونة تحت الركام وأطلال المنازل التي دمّرها العدو ولا يسمح بإعادة إعمارها بقرار أمريكي أممي، ومن الظلم بمكان أن يلغي البعض من دعاة التطبيع وجود شرائح كبيرة وواسعة من اللبنانيين الأحرار ويستفرد بقرار الالتحاق في ركب المطبّعين، ففي حالة لبنان المعرّى من عناصر قوته الهزيلة أصلاً العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية فلن يكون هناك أي مجال للتكافؤ التطبيعي مع العدو، ولن يكون أكثر من محمية ملحقة أو إقليم ذاتي خاضع للانتداب الجديد ومحكوم من المندوب السامي الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى