إسر/ائيل تستعد لـ«تهديد تركي» من سوريا: 3 سيناريوهات محتملة
الاخبار
فرض الانهيار السريع للنظام السوري، وما نتج عنه من تعزيز للنفوذ التركي، على إسرائيل، تحديات من نوع آخر، لتلك التي كانت مفروضة عليها، في المرحلة السابقة. فقد باتت أنقرة أقرب إلى حدودها، من أي وقت مضى، وهو ما قد يشكل «تهديداً مباشراً» عليها، وفق استنتاج «لجنة ناجل»، المختصة بـ«فحص ميزانية الأمن وبناء القوة» في إسرائيل.
ووفق دراسة لـ«مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير»، شرّحت فيها سيناريو «الاحتاك التركي – الصهيوني»، أوصت «لجنة ناجل» التي يرأسها يعقوب ناجل، الرئيس السابق لـ«مجلس الأمن القومي»، في تقريرها الصادر في 6 كانون الثاني 2025، بالاستعداد للحرب مع تركيا، بعدما رأت في تعزيز النفوذ التركي «تهديداً محتملاً خطيراً، قد يكون أكثر خطورة من التهديد الإيراني، بسبب قربه من إسرائيل».
واستعرضت الدراسة 3 سيناريوهات حول مسار تطور العلاقة التركية الإسرائيلية في سوريا بلحاظ الأهمية الجيوسياسية والجيوإستراتيجية لها بالنسبة لكليهما، إضافةً إلى مجموعة المصالح والأهداف التي يسعى إليها الطرفان، والمؤثرات في رسم سياستهما. وبينما تتوزّع السيناريوهات ما بين طرفين متناقضين: تصادمي وتوافقي، لم تسقط الدراسة احتمال وجود شكل وسطيّ للاحتكاك؛ يكاد يكون «معتدلاً أو منضبطاً»، إن صح التعبير، بالنسبة لطرفي التنافس في سوريا، وهو سيناريو المُساكنة.
السيناريو الأول: الصدام
رأت الدراسة أن لدى إسرائيل ساحات مختلفة، يمكنها التحرك فيها، في حال جنوحها باتجاه الصدام. ومن هذه الساحات، الساحة الداخلية التركية، التي يمكنها العمل على زعزعة استقرارها، بالتعاون مع الإمارات، للحدّ من «الخطط التوسعية» للرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
كما يمكنها التركيز على تعطيل المشروع التركي من البوابة السورية، عبر دفعها باتجاه تقسيم سوريا إلى كانتونات ودويلات متناحرة. ولتحقيق ذلك، يمكن لإسرائيل الاستثمار في هوية الفصائل التي وصلت إلى الحكم في دمشق، التي قد تعزز نشوء شبكة من الدول المتحالفة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، بما في ذلك تركيا وقطر وسوريا الجديدة، في وجه دول أخرى كالأردن والسعودية ومصر.
ويمكن لإسرائيل، أيضاً، تحفيز مواجهة كردية – تركية؛ تثيرها من خلال الضغط باتجاه إنشاء دولة كردية.
السيناريو الثاني: المُساكنة
ويقوم هذا السيناريو على تأجيل أو تجميد المشكلة، عبر مبادلة إسرائيل للحكومة السورية الجديدة مواقف اللاعداء المعلنة، لأن لا مصلحة لإسرائيل بالدخول في أي صدام في ظلّ وجود فرص للاحتواء والتنسيق مع القوى الحاكمة في دمشق.
وقد تقتضي المصلحة الإسرائيلية مشاركة دول كالسعودية والإمارات في إعادة الإعمار، بما يوازن النفوذ التركي والقطري في المنطقة. ونظراً لأن تركيا لا تستطيع التحرك في سوريا دون دعم الحكومة الجديدة، فإن حاجة الأخيرة إلى الدعم وإعادة الإعمار ورفع العقوبات، سيُقيد يد إردوغان، وقد يضطر أن يتقبل تسوية وسطية تحفظ لكل جهة فاعلة مناطق نفوذها.
السيناريو الثالث: التوافق
ويعتمد هذا السيناريو على الدور الأميركي لتحقيق تسوية مع الشرع وتركيا، يتمّ التوافق فيها على انسحاب عسكري إسرائيلي مشروط، في إطار مستقر من التفاهمات التي تلبّي الأهداف الإسرائيلية العسكرية والإستراتيجية الطويلة الأجل، في قيام نظام مستقر غير معادٍ لإسرائيل.
ويتمّ على المدى المتوسط والبعيد، التمهيد للتطبيع في سياق التنسيق التركي – الإسرائيلي والتسوية مع النظام الجديد.
هذه السيناريوهات الثلاثة تتميز بنقاط ضعف وقوة، وكل منها يُظهر مجموعة من العوامل الدافعة وأخرى من الكوابح، ما يجعل نسب الاحتمال تتأرجح بين سيناريو وآخر بلحاظ الظروف الخارجية والمحددات الميدانية المؤثرة في رجحان كفّة على أخرى. وعليه، قد يكون مصير العلاقة أشبه بطريق ومسار واحد لكن متعدد المنعطفات، وعنوانه العام من ضمن السيناريوهات المطروحة للاحتكاك، أقرب أن يكون للمساكنة، لكن بتقلّبات.
وخلصت دراسة «مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير» إلى أن المشروع التوسعي التركي والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي في تنافس، من دون خصام حتى الآن. ومصلحة كل الأطراف هي إيجاد حل، فلا مصلحة للطرفين في الصدام المباشر. لكن ذلك لا يلغي نسبة احتمال التصادم مهما ضعفت. وفي حين تقتضي المصلحة المشتركة التركية – الإسرائيلية – الأميركية استثمار فرص التحولات الأخيرة في سوريا والمنطقة، إلّا أن عملية استعادة التوازن والضبط والاحتواء لن تخلو من إجراءات عدوانية أو صراع على النفوذ. وقد تُهيمن اتفاقيات التطبيع على المشهد العام ويُعيد إردوغان إحياء «سلام الشجعان» (السلام المصري – الإسرائيلي).
ورجحت الدراسة أن يكون الاحتكاك الإسرائيلي – التركي، في حال حصوله، عبر الأكراد. وترتفع مؤشرات هذا الاحتكاك غير المباشر في حال وجود قرار إسرائيلي بتقويض شرعية الحكومة السورية الجديدة، في ظل استمرار الإجراءات العدوانية التي قد تدفع إلى تعزيز التطرف وتشلّ نفوذ الحركة التركية في سوريا. كما ترفع مؤشرات الاحتكاك في حال حصول خلاف على تقسيم المصالح التركية – الإسرائيلية التنافسية (المياه، الزراعة، القمح، الطاقة…) على المدى المتوسط أو البعيد. وترفع مؤشرات الاحتكاك أيضاً في حال عدم إنشاء دولة للأكراد وتعرض القومية الكردية للتهميش، أو إنشاء دولة كردية دون تسوية مع الأتراك. وأخيراً، ترتفع مؤشرات الاحتكاك في حال تقويض نفوذ تركيا في إعادة الإعمار ودورها السياسي ونشر قوات دولية في سوريا بذريعة الرقابة والإشراف.