إsرائيل من البحر إلى النهر: استراتيجية التوسع والتهجير تهدد بحل القضية الفلسطينية
كتب مسعود محمد
منذ عقود طويلة، يواجه الشرق الأوسط أحد أكثر النزاعات تعقيدًا واستمرارًا في التاريخ الحديث. يتمحور هذا النزاع حول فكرة إقامة دولة إسرائيلية تمتد “من البحر إلى النهر”، وهي رؤية تتبناها بعض التيارات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وتسعى من خلالها إلى السيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية. هذه الرؤية توازيها تحركات عسكرية وسياسية تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في الأراضي المحتلة، بدءًا من التهجير القسري في غزة وصولًا إلى تعزيز المستوطنات في الضفة الغربية. في هذا التقرير، نسلط الضوء على المفاهيم التاريخية والجغرافية والسياسية لهذه الرؤية الإسرائيلية، ونستعرض تداعياتها الإنسانية على الفلسطينيين.
إسرائيل من البحر إلى النهر: المفهوم والتاريخ
“دولة إسرائيل من البحر إلى النهر” هو تعبير يجسد طموحات بعض التيارات القومية والدينية المتطرفة في إسرائيل، الذين يسعون إلى إقامة دولة إسرائيلية تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن. هذه الرؤية، التي تشمل كامل أراضي فلسطين التاريخية، تستند إلى مفاهيم دينية وتاريخية روج لها الصهاينة منذ بدايات الحركة الصهيونية.
التأسيس الفكري والتطور التاريخي:
الفكر الصهيوني المبكر: مع ظهور الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، كان هناك اختلاف في الرؤى بين المؤسسين حول حدود الدولة اليهودية. البعض تصور دولة تشمل فلسطين بأكملها، بينما كانت هناك رؤى أخرى محدودة أكثر تتعلق بالمناطق التي يمكن تحقيق السيطرة عليها.
ما بعد 1948: بعد حرب 1948 وتأسيس دولة إسرائيل، استقرت الحدود على أساس الواقع العسكري والدبلوماسي آنذاك، إلا أن فكرة “إسرائيل الكبرى” بقيت حاضرة في أذهان بعض التيارات، خاصة بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في حرب 1967. هذه الحرب أعادت إحياء النقاش حول إمكانية ضم هذه المناطق إلى إسرائيل بشكل دائم.
الأبعاد السياسية والدينية:
اليمين الإسرائيلي والمستوطنات: اليمين الإسرائيلي، خاصة الأحزاب والجماعات التي تمثل المستوطنين في الضفة الغربية، يتبنى فكرة “إسرائيل الكبرى” على أساس ديني، حيث يرون أن الضفة الغربية، التي يطلقون عليها “يهودا والسامرة”، جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل التوراتية. هذه الرؤية تعززت مع زيادة النشاط الاستيطاني وتوسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة، مما يجعل من تحقيق حل الدولتين أمرًا بعيد المنال.
الموقف الدولي: المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، لا يعترف بهذه الرؤية ويعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة أراضٍ محتلة يجب أن تكون جزءًا من دولة فلسطينية مستقبلية. المحاولات الإسرائيلية لفرض واقع جديد على الأرض تواجه رفضًا دوليًا واسعًا، إلا أن السياسات الإسرائيلية تستمر في تحدي هذا الرفض.
التهجير القسري في غزة 2023:
في أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حملة عسكرية مكثفة على قطاع غزة، مما أسفر عن واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري منذ النكبة عام 1948. القصف المكثف الذي استهدف البنية التحتية المدنية أدى إلى تهجير ما يقرب من 2 مليون فلسطيني، مما خلق أزمة إنسانية غير مسبوقة.
تفاصيل الدمار والتهجير:
تدمير 150,000 وحدة سكنية بالكامل، وتضرر 450 مدرسة وجامعة، جعل التعليم شبه مستحيل للأطفال في غزة. كما تضررت البنية التحتية الصحية بشكل كبير، حيث أُجبرت 34 مستشفى و80 مركزًا صحيًا على الإغلاق بسبب القصف المستمر. الأوضاع الإنسانية في غزة باتت كارثية، حيث أدى تدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية إلى انتشار الأمراض بسبب تلوث المياه وازدحام المخيمات المؤقتة.
التداعيات الإنسانية والسياسية:
تشير التقارير إلى أن هذه الحملة قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها، مما يُعتبر واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري في التاريخ الحديث. بينما تستدعي هذه الأحداث اهتمامًا دوليًا عاجلاً، تواصل إسرائيل تنفيذ سياساتها في الضفة الغربية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والإنساني.
مشروع آلون: استراتيجية لتغيير الحدود الديموغرافية
“مشروع آلون” هو خطة قدمها السياسي الإسرائيلي يغال آلون بعد حرب 1967، وتهدف إلى تحديد الحدود المستقبلية لإسرائيل على أساس استراتيجي وديموغرافي. الخطة ركزت على ضم غور الأردن إلى إسرائيل، باعتباره منطقة حيوية للأمن القومي الإسرائيلي، مع منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا محدودًا في المناطق المكتظة بالسكان العرب.
تفاصيل المشروع:
ضم غور الأردن: بحسب الخطة، تُضم منطقة غور الأردن إلى إسرائيل، لتكون بمثابة حاجز أمني ضد أي تهديدات محتملة من الشرق. كان آلون يرى أن هذه المنطقة ضرورية لضمان دفاع إسرائيل عن نفسها.
القدس والمستوطنات: اقترح المشروع أيضًا أن تبقى القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، مع تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية لتأمين السيطرة الإسرائيلية على المناطق الاستراتيجية.
ردود الفعل والنتائج:
رغم أن مشروع آلون لم يُعتمد رسميًا، إلا أنه أثر بشكل كبير على السياسات الإسرائيلية تجاه الأراضي المحتلة. الفلسطينيون والدول العربية رفضوا المشروع بشكل قاطع، معتبرين أنه محاولة لضم الأراضي الفلسطينية وتقويض فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومع ذلك، استمرت إسرائيل في تنفيذ سياسات تتماشى مع رؤية آلون من خلال توسيع المستوطنات وتعزيز السيطرة على غور الأردن.
تحويل المعركة إلى الضفة الغربية: استراتيجية جديدة لتوسيع السيطرة
مع اقتراب العمليات العسكرية في غزة من نهايتها، بدأت إسرائيل بتحويل تركيزها نحو الضفة الغربية، في خطوة تشير إلى استراتيجية جديدة تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على هذه الأراضي. هذا التحول يعكس محاولات إسرائيلية لتطبيق أفكار قديمة مثل “مشروع آلون” و”مشروع شرق النهر وغربه”، التي تسعى إلى ضم مناطق استراتيجية مثل غور الأردن، وتفريغ أجزاء من الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين.
الضغط الديموغرافي والسيطرة السياسية:
الخطط الإسرائيلية الجديدة تستند إلى الضغط الديموغرافي من خلال تعزيز المستوطنات وتقليل الوجود الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية. الهدف من ذلك هو خلق واقع جديد على الأرض يجعل من المستحيل تقريبًا إقامة دولة فلسطينية مستقلة. هذه السياسات تتماشى مع رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يسعى إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية للمنطقة لصالح إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى تعزيز سيطرتها السياسية على الضفة الغربية لمنع أي محاولة دولية لفرض حل سياسي يقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة. في ظل هذا السيناريو، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى ترسيخ وجودها في الضفة الغربية وتحويل الصراع نحو هذه المنطقة بعد تحقيق أهدافها العسكرية في غزة.
الخلاصة:
تعكس التحركات الإسرائيلية الأخيرة في الضفة الغربية استمرار الاستراتيجية طويلة الأمد التي تهدف إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية وتقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. من خلال تحويل المعركة من غزة إلى الضفة الغربية، تسعى إسرائيل إلى تعزيز وجودها الديموغرافي والسياسي في المنطقة، مما يضع الفلسطينيين أمام تحديات جديدة وصعبة في نضالهم من أجل حقوقهم الوطنية والإنسانية. هذا الوضع المعقد يتطلب تدخلًا دوليًا فوريًا لمنع تدهور الأوضاع أكثر وضمان حقوق الفلسطينيين في أرضهم.