هل تُرفع العقوبات عن سوريا؟
كتبت يولا هاشم في “المركزية”:
منذ بداية الثورة السورية عام 2011، واجه نظام بشار الأسد اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما دفع واشنطن وعواصم غربية أخرى لفرض سلسلة من العقوبات. وتعد ثلاثة قوانين أميركية هي الأبرز في هذا السياق: قانون قيصر الذي جاء في أعقاب تسريب مصور عسكري سوري سابق لـ55 ألف صورة توثق عمليات تعذيب وانتهاكات في مراكز الاعتقال السورية بين عامي 2011 و2013، بالاضافة الى قانوني كبتاغون 1 و2.
ولا تواجه سوريا عقوبات أميركية فقط، فقد فرضت بريطانيا عقوبات عليها أيضا في عام 2011 كجزء من منظومة عقوبات الاتحاد الأوروبي، ردا على قمع النظام السوري للمدنيين. وكذلك أستراليا التي فرضت منذ عام 2011 نظام عقوبات مستقل على سوريا، معبرة عن قلقها العميق من استخدام النظام السوري للعنف ضد شعبه.
منذ الساعات الأولى لسقوط نظام بشار الأسد وتسلم القيادة الجديدة الحكم، بدأ الحديث عن خطة أميركية لرفع العقوبات الأميركية على سوريا بموجب قانون “قيصر” رغم انتهاء مفعوله في 15 الجاري. في المقابل، الكونغرس الأميركي يدرس اقتراحات مقدمة إليه، لتخفيف هذه العقوبات بشكلٍ جزئي من أجل تشجيع التنمية الإقتصادية وفتح مجالات الإستثمار الأجنبي وإعادة الإعمار بعد الحرب، فهل آن الأوان لإلغاء العقوبات بشكل كلي؟
السفير السابق في واشنطن رياض طبارة يؤكد لـ”المركزية” أن “ما حصل في سوريا غيّر ميزان قوى ليس فقط على صعيد الدولة وإنما في المنطقة. فبعد أن كانت ايران وروسيا تسيطران على الموقف، وتحبطان أي محاولة للانقلاب على الرئيس السوري بشار الاسد، فجأة تغير المشهد وانهار الجيش السوري دفعة واحدة. وكان ردّ روسيا بأن الجيش السوري لو أراد أن يقاتل لوقفت إلى جانبه لكنها لن ترسل جنوداً خاصة وأنها منهمكة في حرب أوكرانيا. المهم أن موازين القوى تغيرت وأصبحت تركيا المرجعية، وهي دولة تنضوي تحت لواء حلف شمال الأطلسي “الناتو” والغرب مساند لها ومنها الولايات المتحدة الأميركية”. ويرى أن “واشنطن كسرت المبدأ الاساسي الذي تعتمده، وهو أنها لا تتكلم ولا تفاوض الإرهابيين، ولا تقبل بعلاقة معهم مباشرة أو غير مباشرة، ورغم ذلك، رأينا نائبة وزير الخارجية الاميركية مع وفد تفاوض “الجولاني” مفاوضات مباشرة، وفي المقابل رأيناه يرتدي “ربطة عنق” خلال لقائه بهم”.
ويشير طبارة إلى أن “سياسة الاميركيين اليوم التقرّب من “الجولاني” واستيعابه كي يتمكنوا لاحقاً من خلال سيطرتهم على سوريا من “كسر” فريق الممانعة اي ايران و”حزب الله” والميليشيات الأخرى المتحالفة مع طهران، وهذه مناسبة لكسرها، فلا يتمكن بعدها “حزب الله” من الحصول على السلاح، أو يستصعب الحصول عليه خاصة من العيار الثقيل، لأن في حال استولى الاميركيون على سوريا سياسياً، يمنكهم منع السلاح من التدفق عبرها إلى “الحزب”. وبالتالي، تحاول واشنطن استيعاب الجولاني واستغلال هذه الفرصة لكسر “محور الشر” كما تسميه. هذا معناه باعتقادي، ان واشنطن تقوم بعملية “فحص دم” للجولاني، وكلما نجح في الامتحان تساهلت معه أكثر. فلماذا يحضر وفد أميركي الى دمشق لمقابلته ولا ترفع عن سوريا العقوبات؟ أعتقد أننا في مرحلة “فحص الدم”، والى أي مدى سيتجاوب الجولاني مع المتطلبات الاميركية، خصوصاً في مجال حقوق الانسان والمرأة واضطهاد الأقليات، وهل سيسمح مثلاً للنساء في العمل. واشنطن لا تريد تكرار تجربة أفغانستان، حيث حاربت لإنقاذ البلاد من طالبان ومعاملتهم للنساء واسلاميتهم، وفي النهاية عادوا كما كانوا. لذلك، هي تمتحن الجولاني للتأكد من أنهم في حال استوعبوه لن تكون النتيجة كما في أفغانستان، وبعدها تصبح أميركا خارج اللعبة، ولهذا السبب تقوم بخطوة تلو الأخرى، وبالطبع إحدى الخطوات المقبلة ستكون رفع العقوبات عن سوريا”.
ويختم طبارة: “الرئيس الاميركي دونالد ترامب لن يواجه مشكلة كبيرة في رفع العقوبات في حال أراد ذلك، فهو يملك صلاحيات لرفع العقوبات الصادرة بموجب الأوامر التنفيذية (executive order) بشكل مباشر. أما تلك الصادرة عن الكونغرس فيمكنه، بما أن الكونغرس جمهوري، إقناعه لرفعها على عجل، وقد يتم رفعها دفعة واحدة. في المقابل، اسرائيل ستوافق على رفع العقوبات في حال نجح الجولاني في “فحص الدم”، خصوصاً وأنه لم يذكرها رغم أنها استولت على جزء من الاراضي السورية، وكأنه يوجّه رسالة مفادها “لا تخافوا مني لست اسلاميا الى هذه الدرجة”. لذلك في حال موافقة اسرائيل والكونغرس وترامب، يصار الى رفع العقوبات بسهولة وبسرعة نسبية”.