نقولا فتوش: الدولـة والحكومـة والمجلـس النيابـي، والمصـارف ومصـرف لبنـان ممنـوع عليهـم مخالفـة المـادة 30 من شرعـة حقـوق الإنسـان، وتبرئـة أنفسهـم من الخطـأ الجسيـم المعـادل للإحتيـال
مناشير
أصدر الوزير والنائب السابق والمشروع المحامي الدكتور نقولا فتوش دراسة دستوري وقانونيـة حول معضلة الودائع المالية في المصارف اللبنانية داحضاً المحاولات لشطبها على حساب تحميل وزرها للمودع المنكوب فقط.
– وجاء في المطالعة الدراسة لفتوش ما يلي:
” شرعـة حقـوق الإنسـان في المـادة 30 منهـا لا تعطـي الحـق لاي دولـة وممنـوع على هـذه الأخيـرة القيـام بـأي نشـاط أو بـأي فعـل يهـدف الى هـدم أي من الحقـوق أو الحريـات المنصـوص عليهـا فيـه.
وعليــــه،
الدولـة والحكومـة والمجلـس النيابـي الموقّـر، والمصـارف ومصـرف لبنـان ممنـوع عليهـم مخالفـة المـادة 30 من شرعـة حقـوق الإنسـان وممنـوع على الدولـة تبرئـة نفسهـا من الخطـأ الجسيـم المعـادل للإحتيـال.
لقـد نصـت الفقـرة (و) من مقدمـة الدستـور اللبنانـي علـى مـا يلـي:
“النظـام الإقتصـادي حـرٌّ يكفـل المبـادرة الفرديـة والملكيـة الخاصـة”.
كمـا نصـت المـادة 15 من الدستـور علـى مـا يأتـي:
“الملكيـة في حمـى القانـون، فـلا يجـوز أن يُنـزع عـن أحـد ملكـه إلا لأسبـاب المنفعـة العامـة في الأحـوال المنصـوص عنهـا في القانـون، وبعـد تعويضـه منـه تعويضـاً عـادلاً”.
والملكيـة الفرديـة التـي قصدهـا الدستـور هـي الملكيـة لكافـة الحقـوق العينيـة والماليـة وكافـة الأمـوال المنقولـة وغيـر المنقولـة التـي تعـود للإنسـان، ومنهـا الودائـع المصرفيـة التـي تعتبـر حقوقـاً مقدسـة ممنـوع إطفاءهـا وإلغاءهـا وشطبهـا وتأميمهـا أو حجزهـا غصبـاً وإنتهاكـاً.
وقضـى المجلـس الدستـوري في قـراره رقـم 2/97 تاريـخ 12/9/1997 علـى أن “المبـادئ الـواردة في مقدمـة الدستـور جـزءاً لا يتجـزأ منـه وتتمتـع بقيمـة دستوريـة”.
كمـا قضـى المجلـس الدستـوري في قـراره رقم 4/2000 تاريـخ 22/6/2000:
“وبمـا أن حـق الملكيـة هـو من الحقـوق الأساسيـة التـي يحميهـا الدستـور، في الحـدود التـي لا تتعـارض مع المصلحـة العامـة والتـي وحدهـا تبـرر إنتـزاع الملكيـة الفرديـة في إطـار القانـون مقابـل تعويـض عـادل”
كمـا نـص الإعـلام العالمـي لحقـوق الإنسـان الصـادر بتاريـخ 10/12/1948 في المادتيـن 17 و30 علـى مـا يأتـي:
المـادة 17 من شرعـة حقـوق الإنسـان:
“1- لكـل فـرد حـق في التملـك، بمفـرده أو بالإشتـراك مع غيـره.
“2- لا يجـوز تجريـد أحـد من ملكـه تعسفـاً”.
المـادة 30 من شرعـة حقـوق الإنسـان:
“ليـس في هـذا الإعـلان أيُّ نـصٍّ يجـوز تأويلـه علـى نحـو يفيـد انطـواءه علـى تخويـل أيَّـة دولـة أو جماعـة أو “أيِّ حـق في القيـام بـأيِّ نشـاط أو بـأيِّ فعـل يهـدف إلى هـدم أي مـن الحقـوق والحرِّيـات المنصـوص عليهـا فيـه”.
ونصـت المـادة 690 من قانـون الموجبـات والعقـود، تحـت عنـوان: في الوديعـة علـى مـا يأتـي:
“الإيـداع عقـد بمقتضـاه يستلـم الوديـع من المـودع شيئـاً منقـولاً ويلتـزم حفظـه ورده ولا يحـق للوديـع أجـر مـا علـى حفـظ الوديعـة الا اذا اتفـق الفريقـان علـى العكـس”.
وفي الفصـل الثانـي، وتحـت عنـوان (موجبـات الوديـع)، فقـد نصـت المـادة 696 موجبـات وعقـود علـى الآتـي:
“يجـب علـى الوديـع أن يسهـر على صيانـة الوديعـة، كمـا يسهـر على صيانـة أشيائـه الخاصـة مع الإحتفـاظ بتطبيـق أحكـام المـادة 713″.
ونصـت المـادة 711 من قانـون الموجبـات والعقـود علـى مـا يأتـي:
” يجـب علـى الوديـع ان يـرد الوديعـة عينهـا والمُلحقـات التـي سُلمـت اليـه معهـا بالحالـة التـي تكـون عليهـا مع الإحتفـاظ بتطبيـق احكـام المـادة 714.
وبالتالـي، فـإن المصـارف ملزمـة بحسـب قانـون الموجبـات والعقـود، وقانـون النقـد والتسليـف، وقانـون العقوبـات بـرّد الأمـوال المودعـة لديهـا، ولا يجـوز إطفـاء أو إلغـاء أو شطـب أو إقتطـاع أي نسبـة من الودائـع، فالوديعـة لا تُمـس بـل يجـب أن تعـاد لصاحبهـا عينـاً بكاملهـا، وممنـوع تسييلهـا أو صرفهـا دون موافقـة المـودع، وتُـرد غيـر منقوصـة. وكـل عمـل مخالـف لهـذه المبـادئ باطـل لمخالفتـه الدستـور ويوقـع الوديـع تحـت جـرم إسـاءة الأمانـة والإختـلاس والإحتيـال, فالمـودع غيـر مسـؤول إطلاقـاً عـن خطـأ المصـرف ومن أخطـأ عليـه أن يتحمـل المسؤوليـة التقصيريـة وممنـوع عليـه الإستفـادة من حيلتـه وخطـأه عمـلاً بأحكـام المـادة 138 من قانـون الموجبـات والعقـود.
ولمـا كـان لبنـان قـد شهـد منـذ 17 تشريـن الأول 2019، أزمـة إقتصاديـة حـادة عقـب فتـرة طويلـة من التراكمـات السلبيـة في الميـزان التجـاري، وتراجـع الثقـة في القطـاع المصرفـي، بسبـب الإستثمـارات ذات المخاطـر العاليـة والتصرفـات الماليـة المتهـورة، بالإضافـة الـى عـدم الإنضبـاط المالـي الـذي أثبـت في عـدة تقاريـر،
وحيـث أن أمـوال المودعيـن في المصـارف، وجنـى عمرهـم، قـد إختفـت وهُرّبـت من حساباتهـم الـى حسابـات أخـرى،
وحيـث أن المسؤوليـة تقـع أولاً علـى المصـارف المسؤولـة مباشـرة عـن المبالـغ المودعـة لديهـا، وهـذا الأمـر محمـي ومكـرّس في الدستـور اللبنانـي وكافـة الشرائـع النافـذة، وثانيـاً علـى المصـرف المركـزي المسـؤول أمـام القضـاء والشعـب اللبنانـي وكافـة المودعيـن في المصـارف، وبمـا أنـه قـد خالـف موجـب الرقابـة الملزمـة علـى المصـارف ليضمـن أمـوال المودعيـن (لبنانييـن وأجانـب)، وعلـى الدولـة اللبنانيـة تحمـل المسؤوليـة عمـلاً بأحكـام التضامـن السلبـي المفـروض في القانـون العـام وهـو قانـون الموجبـات والعقـود!!
وحيـث أن هنـاك وجهتيـن للمحاسبـة: المصـرف المركـزي مسـؤول عـن المصـارف وعليـه محاسبتهـا، كمـا أن هنـاك رقابـة القضـاء علـى المصـرف المركـزي، والمصـارف، الـذي يضـع حـداً لكـل مستفيـد من مخطـط غيـر مشـروع،
حيـث أن المودعيـن قـد تضـرروا من الـذي حصـل، فالأمـوال إنتقلـت من حسـاب الـى حسـاب ومن يـد الـى يـد، وفائـدة الودائـع في دفاتـر التوفيـر لا تقـوم بدفعهـا وبتسديدهـا المصـارف. وهـذه سرقـة موصوفـة وإحتيـال مقنـع منـذ 17/10/2019.
الحكومـة والمصـارف والمصـرف المركـزي
في المسؤوليـة الجزائيـة عمـلاً بالمـادة 670 من قانـون العقوبـات وقانـون النقـد والتسليـف:
وحيـث أن المـادة 670 من قانـون العقوبـات تنـص علـى:
“أن كـل من اقــدم قصـداً على كتـم او اختـلاس او تبديـد او إتـلاف او تمـزيق سنـد يتضمـن تعهـداً او ابـراءً أو شـيء منقـول آخـر سلـم اليـه على سبيـل الوديعـة او الوكالـة او الإجـارة، او علـى سبيـل عاريـة الإستخـدام او الرهـن، او لإجـراء عمـل لقـاء أجـرة او دون أجـر شـرط ان يعيـده او يقدمـه او يستخدمـه في أمـر معيـن يعاقـب بالحبـس من شهريـن الى سنتيـن وبغرامـة تتـراوح بيـن ربـع قيمـة الـردود والعطـل والضـرر وبيـن نصفهـا،
وحيـث أن المـادة 156 من قانـون النقـد والتسليـف تنـص علـى:
“أنـه يتوجـب على المصـارف ان تراعـي في إستخـدام الأمـوال التـي تتلقاهـا من الجمهـور القواعـد التـي تضمـن صيانـة حقوقـه، وعليهـا خصوصـاً التوفيـق بيـن مـدة توظيفاتهـا وطبيعـة مواردهـا،
وحيـث أن المـادة 168 من قانـون النقـد والتسليـف تنـص علـى أن:
“فتـح حسـاب ادخـار يـؤدي الـى تسليـم المصـرف صاحـب الحسـاب دفتـراً شخصيـاً يكـون بمثابـة سنـد ديـن للمـودع وهـو غيـر قابـل للإنتقـال لا بالتفـرغ ولا بالتظهيـر.
وحيـث أنـه بالرغـم من كـل هـذه الأحكـام القانونيـة الملزمـة، لا تـزال ودائـع اللبنانييـن وغيـر اللبنانيـن عالقـة في المصـارف، في ظـل قلـق المودعيـن علـى مصيـر ودائعهـم، والسلطـة تقدمـت بإقتـراح قانـون بإطفـاء والغـاء وشطـب الودائـع مخالفـة بشكـل صـارخ أحكـام المـادة 30 من شرعـة حقـوق الإنسـان والمبـادىء الدستوريـة والقانونيـة.
وخالفـت المـادة 138 موجبـات وعقـود التـي نصّـت على مـا حرفيتـه:
“مـا من أحـد يستطيـع أن يبـرىء نفسـه كلّيـاً أو جزئيـاً من نتائـج إحتيالـه أو خطـائه الفـادح بوضعـه بنـداً ينفـي عنـه التبعـة أو يخفـف من وطأتهـا وكـل بنـد يـدرج لهـذا الغـرض في أي عقـد كـان هـو باطـل أصـلاً.
فالنـص مطلـق والمطلـق يؤخـذ على إطلاقـه
ونصّـت المـادة 137 موجبـات أن هنـاك حالتيـن للتضامـن السلبـي، تتمثّـل كـل منهمـا في إحـدى الفقرتيـن، أولاً وثانيـاً المذكورتيـن، وليـس حالـة واحـدة تستلـزم توفـرّ الشرطيـن الوارديـن في هاتيـن الفقرتيـن معـاً…
محكمـة التمييـز المدنيـة، الغرفـة الثانيـة، قـرار رقـم 10 – نهائـي – تاريـخ 13 شبـاط 1997. دعـوى الصيدانـي ضـد ورثـة منيمنـة. مجموعـة إجتهـادات جميـل بـاز لعـام 1997، العـدد السـادس والثلاثـون صفحـة 161.
ونضيـف بـأن حالـة إستحالـة تعييـن نسبـة مـا أحدثـه كـل شخـص من الضـرر تهـدف الى الملاحظـة بـأن الضـرر المذكـور هـو ضـرر غيـر قابـل للتجزئـة ومسـؤول عنـه الأطـراف جميعـاً.
وقـد تسنّـى للإجتهـاد توضيـح هـذه النظـرة، فاعتبـر:
L’impossibilité de déterminer la proportion dans laquelle chaque faute a concouru au dommage revient à constater que le dommage, produit par l’ensemble des fautes, est indivisible, car le dommage n’est indivisible que parce qu’il est produit par chaque faute pour le tout.
Que chacune de ces fautes a concouru à produire l’entier dommage, qu’elles sont, par conséquent, indivisibles, et qu’il est impossible de distinguer la part de chacun des défendeurs dans la responsabilité commune.
Req. 2 Juin 1930. Dalloz Hebdomadaire 1930 Page 377.
Adde, dans le même sens:
C’est à bon droit que l’arrêt énonce que la faute de D. a concouru. D’une manière indivisible, à produire l’entier dommage.
Cass. civ. 7 Octobre 1958. Dalloz 1958. Page 763.
De même:
… L’arrêt attaqué a pu déduire, à bon droit, de ces constatations, que les fautes commises par les deux entrepreneurs étaient indivisibles dans leurs conséquences.
Cass. civ. 9 Novembre 1960. Gaz. Pal. 1961-1-83.
كمـا تفيـد المـادة 138 موجبـات وعقـود بـأن مـا من أحـد يستطيـع إبـراء نفسـه، كليّـاً أو جزئيـاً، من نتائـج إحتيالـه أو خطـأه الفـادح، بوضعـه بنـداّ ينفـي عنـه ينفـي عنـه التبعـة أو يخفـف من وطأتهـا. وكـل بنـد يـدرج لهـذا الغـرض، في أي عقـد كـان، هـو باطـل أصـلاً.
يستنتـج من هـذا النـص للمـادة 138 أننـا أمـام “بنـد نـافٍ للمسؤوليـة” أو “مخفـف لهـا”.
أنظـر في هـذا الصـدد:
P. Durand les conventions d’irresponsabilité. Thèse. Paris.
P. Robino : les conventions d’irresponsabilité dans la doctrine contemporaine. Revue trimestrielle de droit civil. 1951. Pages 1 et suiv.
Boris Starck : Observations sur le régime juridique des clauses de non responsabilité ou limitatives de responsabilité. Dalloz-Sirey 1974. Chronique. Pages 157 et suiv.
أن العمـل بهـذا النـصّ مقصـور على الإتفاقـات المتعلّقـة “بالمسؤوليـة التقصيريـة” الناجمـة عن جـرم أو شبـه جـرم، بدليـل عنـوان الفصـل الثالـث الـذي ورد فيـه حرفيـاً: ” في البنـود المختصّـة بالتبعـة الجرميـة وشبـه الجرميـة”.
وقـد طبّقـت القاعـدة على مسؤوليـة السيّـد والولـي عن أخطـاء الخـادم أو المولـى فاعتبـرت المحكمـة العليـا أن السيّـد يحـل محـلّ المولّـى في الخطـأ، قائلـة:
La nullité des clauses d’exonération de responsabilité en cas de faute intentionnelle ou lourde s’étend à la faute du préposé ; le commettant étant substitué au préposé, la faute du préposé est considérée comme étant la faute même du commettant.
Req 4 Avril 1933. Gaz. Pal. 1933-2-83.
Adde, dans le même sens :
Cass. Civ. 21 Décembre 1964. J.C.P. 1956-III-14005. Note 4.
Cass. Civ. 5 Janvier 1961. Pal. 1961-1-270.
ومدلـول النـصّ يفيـد، من وجـه ثـانٍ، بـأن الإتفاقـات المقصـودة فيـه هـي تلـك “السابقـة” لحـدوث الفعـل غيـر المشـروع، وبالتالـي لترتيـب المسؤوليـة.
مـا يعنـي أنـه، وبحكـم هـذا النـص، ليـس للمـرء أن ينفـي عنـه تبعـة أعمالـه غيـر المباحـة التـي يأتيهـا عن قصـد، سـواء تضمّنـت إسقـاط موجـب التعويـض كليـاً، أم تخفيـض مقـداره، أم تقييـده بمبلـغ مقطـوع.
والملاحـظ أيضـاً من أحكـام المـادة 138 موجبـات، أنهـا ترعـى “الأفعـال القصديـة” من جهـة، و/أو تلـك الناجمـة عن “خطـأ فـادح”، من جهـة ثانيـة.
بحيـث جـاز ويجـوز القـول أنـه لا يسـع المـرء أن يعقـد إتفاقـاً ينفـي عنـه، بموجبـه، تبعـة أعمالـه القصديـة أم تلـك المتأتيـة عن خطـأ فـادح يرتكبـه.
وقـد تسنـى للإجتهـاد التأكيـد على هـذا المبـدأ، فقضـى:
“إن قانـون الموجبـات والعقـود… حظّـر على المـرء أن يبـرىء نفسـه كليـاً أو جزئيـاً من نتائـج إحتيالـه أو خطـأه بوضعـه بنـداً ينفـي عنـه التبعـة أو يخفـف من وطـأتهـا، واعتبـر باطـلاً كـل بنـد يـدرج لهـذا الغـرض في أي عقـدٍ كـان”.
محكمـة التمييـز المدنيـة، الغرفـة الرابعـة، قـرار رقـم 47 – نهائـي – تاريـخ 20 تمـوز 1972، دعـوى نصّـار ضـد إدّه. مجموعـة إجتهـادات جميـل بـاز لعـام 1972. العـدد العشـرون. صفحـة 355، العامـود الثانـي.
ونهـج المشتـرع اللبنانـي في المـادة 138 موجبـات حكيـم، إذ حظّـر البنـود النافيـة للمسؤوليـة أو المخففـة لهـا عندمـا يكـون الفعـل واقعـاً نتيجـة غـش أو احتيـال أو خطـأ جسيـم. وذلـك مـردّه الى أن العدالـة تأبـى أن يكـون هـذا النـوع من الأفعـال بمنـأى عن المساءلـة.
ولترتيـب المسؤوليـة، ليـس من الضـروري أن يكـون الفعـل صـادراً عن سـوء نيّـة أو بقصـد الإضـرار بالغيـر، بـل يكفـي حصولـه بإصـرار أو تعمّـد يرمـي الى عـدم التنفيـذ.
محكمـة التمييـز المدنيـة الفرنسيـة، قـرار تاريـخ 4 شبـاط 1969. المجلـة الفصليـة للحـق المدنـي لعـام 1969، صفحـة 798.
وقـد تسنـى للإجتهـاد اللبنانـي الوقـوف على دقائـق مفهـوم الخطـأ الجسيـم، فأعتبـر:
“حيـث إن الخطـأ الفـادح يختلـف عن الخطـأ العـادي بوزنـه، كمـا يستفـاد من تعريفـه، ولا يفتـرق عن الغـش إلا بكونـه غيـر مقصـود.
“وحيـث إن الخطـأ والإهمـال وعـدم الدرايـة الهائليـن التـي لا يمكـن تفسيرهـا إلا بالإستخفـاف وعـدم الشعـور بالمسؤوليـة، تشكّـل، بحسـب رأي هـذه المحكمـة، الخطـأ الفـادح المقصـود بالمـادة 138 من قانـون الموجبـات والعقـود والتعريـف المشـار إليـه أعـلاه…
“وحيـث، من هـذه الوقائـع والأدلـة التـي تثبتـت منهـا محكمـة الإستئنـاف، بمـا لهـا من حـق التقديـر المطلـق، يستفـاد أن الجهـة المميّـزة لـم تأخـذ الإحتياطـات اللازمـة لحراسـة الطـرد المفقـود، كمـا إنهـا تـدّل على مـدى الإستخفـاف وعـدم المبـالاة ليـس فقـط بالمحافظـة على الطـرد والسهـر عليـه قبـل أن يفقـد، بـل بالبحـث عنـه واتخـاذ الإجـراءات اللازمـة لمعرفـة مصيـره بعـد أن فقـد.
“وحيـث إن هـذه التصرّفـات تشكّـل، إذن، الخطـأ الفـادح المقصـود بالمـادة 138 من قانـون الموجبـات والعقـود.
“وحيـث مـا ورد في القـرار المطعـون فيـه يكـون، والحالـة مـا تقـدّم، متّفقـاً مع أحكـام المـادة 138 من قانـون الموجبـات والعقـود، ومعلّـلاً تعليـلاً كافيـاً يجعلـه مستنـداً الى أسـاس قانونـي سليـم”.
“- محكمـة التمييـز المدنيـة، الغرفـة الأولـى، الهيئـة الأولـى، قـرار رقـم 6 تاريـخ 20 كانـون الثانـي 1971. مجلـة العـدل لعـام 1971، صفحـة 585.
وحـول وصـف هـذا الخطـأ، أوضحـت محكمـة التمييـز المدنيـة الفرنسيـة عناصـره، في مجـال النقـل قائلـة:
C’est une négligence d’une extrême gravité, confinant au dol et dénotant l’inaptitude du transporteur à l’accomplissement de la mission contractuelle qu’il a acceptée.
Cass. Com. 17 Décembre 1951 Bull. civ. 1951-II-291.
وقـد اعتبـر بعـض الإجتهـاد اللبنانـي أن بنـود الإعفـاء تنحصـر بالمسؤوليـة التقصيريـة دون أن تتعداهـا الى “إسـاءة إستعمـال الحـق” لأن المسؤوليـة، في حالـة إسـاءة استعمـال الحـق، ليسـت مسؤوليـة تقصيريـة.
والفقـه والإجتهـاد يميـلان الى القـول بـأن الخطـأ الجسيـم يـوازي الغـش. وقـد تسنـى للإجتهـاد تأكيـد هـذا النهـج في العديـد من أحكامـه، مانعـاً بنـود الإعفـاء من المسؤوليـة أو تخفيفهـا “في النقـل البحـري” تحديـداً.
محكمـة إستئنـاف كولمـار، قـرار تاريـخ 24 تشريـن الثانـي 1950. داللـوز الـدوري لعـام 1951 – 1 – 150، مع تعليـق ليـون مـازو.
Adde ; dans le même :
La faute lourde, assimilable au dol, oblige son auteur à la réparation intégrale du préjudice subi, sans qu’il puisse s’en affranchir par une convention de non-responsabilité.
Req. 27 Novembre 1934. Dalloz Hebdomadaire 1935. Page 51.
De même :
Cass. Civ. 21 Décembre 1965 J.C.P. 1965 – II – 14005.
لذلـك، مـال الإجتهـاد الى اعتبـار البنـد المبـرىء كليّـاً أو جزئيـاً من نتائـج الإحتيـال أو الخطـأ الفـادح أو الغـش بنـداً باطـلاً منـذ الأصـل.
وقـد قضـي في هـذا المعنـى والصـدد:
La responsabilité instituée dans les articles 1382 et suivants du code civil est d’ordre public.
Ainsi, doit être prononcée la nullité des clauses de non-responsabilité ou de responsabilité ou de responsabilité atténuée.
Cass. Civ. 27 juillet 1925. Dalloz Périodique 1926-1-5. Note Ripert.
Adde, dans le même sens :
Req. 27 Novembre 1911. Sirey 1915-1-113. Note Louis Hygueney.
Appel Paris, 10 juin 1926. Dalloz Hebdomadaire 1926. Page 397.
الشعـب صاحـب الحـق يفتـش عـن بطاقـة لسهـرة تافهـة ولا ينـزل الى الشـارع.
يقـول السيـد المسيـح إذا لـم يبنـي رب البيـت فعبثـاً يتعـب البناؤون.
فـإذا لـم يتصـدى الشعـب فـلا ينتظـرن أحـد أن يأتـي الفـرج من الخـارج بإعـادة الحـق بـل نكـون أمـام ضفـادع مفقـؤة العينيـن نقيقهـا يزعـج ولا يجـدي ونكـون أمـام عميـان يجـرون بعضهـم على الأبـواب.
نحـن اليـوم وجهـاً لوجـه أمـام مشاكـل مستقبلنـا. فإمـا أن نحجـب وجوهنـا حتـى لا نـرى المخاطـر الماثلـة أمامنـا، وإمـا أن نتشجّـع ونسمـي هـذه المخاطـر بأسمائهـا كمـا يقـول فكتـور هوغـو، عسـى أن نجـد حلولاً لهـن. بعـد وقوفنـا أمامهـن عاجزيـن طـوال قرنيـن. لأننـا جبنـّا أمـام فتـح ورشـة نقاشهـن الحـر والمتعـارض والمحـب.
لمـاذا؟ لأن السـؤال في ثقافتنـا الدينيـة محـرّم، لمـاذا أيضـاَ؟
لأننـا تعودنـا على مـر القـرون مهادنـة الواقـع بـدل مجابهتـه، ومجاملـة الجمهـور بـدلاً من مصادمتـه وتوعيتـه وتنويـره والمحافظـة على استمراريـة الماضـي بـدلاً من القطيعـة معـه. دفعتنـا البارانويـة الجمعيـة الى اتهـام “المؤامـرات” الخارجيـة والمسؤولـة عن جبننـا، عن صناعـة قـرار شجـاع سياسـي، إقتصـادي ودينـي، يكشـف لنـا أن مآسينـا منـا وإلينـا، ولا أحـد مسـؤول عنهـا سوانـا،
وكمـا قـال المتنبـي:
نعيـب زماننـا والعيـب فينـا ومـا لزماننـا عيـب سوانـا!
لكـن بالإذن من المتنبـي المؤامـرات الداخليـة والخارجيـة موجـودة والعيـب فينـا.
في الختـام لا يمكـن الحديـث عن كابيتـال كونتـرول، قبـل ضمـان الودائـع وفوائدهـا عينـاً، وكـل حديـث عن لـولار ووديعـة مؤهلـة وغيـر مؤهلـة هـو احتيـال والتفـاف على الدستـور وشرعـة حقـوق الإنسـان وسلـب النـاس جنـى عمرهـم.
ألا يكفـي أيهـا السـادة مـا فعلتكـم بمواطنيكـم؟!
أوقفـوا الرشـوة الكلاميـة والقبـلات التـي لهـا انيـاب.
المحامـي الدكتـور نقـولا فتـوش