معتقلات العدو يا أمي…
معتقلات العدو يا أمي…
عيناي جوهرتان في عنق الوطن، ثريتان انطفأ نورهما في عمق الجسد النحيل الذي ذاق مرارة السجن، وحفظ غدر السجان عن ظهر قلب ووجع، لم يمض على عقد قرانه سواى عشرة أيام حتى زج في غياهب سجن قوات الإحتلال، وسرقوا منه فرحته البكر التي لم تكتمل بعد. ومن أقبية التحقيق، الى زنزانة الانفرادي والحبس الإداري، تنقل معصوب العينين دامي الكفين، لم يكن يدري أن عيناه سوف تغدره مرغمة وتغيب في العتمة كثيراً وأن الصورة الأخيرة التي انطبعت بذاكرته جيداً، ستكون صورة والدته، رغم إزدحام المشاهد أمام ناظريه، في ضحكتها ودموعها، في ابتسامتها الحزينة، في سكوتها وصمتها الذي يجلدها مع كل زيارة كانت تزوره اياها.
مشقات زيارة ذوي الأسرى كبيرة لابنائهم في السجون الإسرائيلية، تحمل الكثير من الوجع والعذاب، لا تحمل من إسمها سوى صوت الحروف، ليكون اللقاء من خلف حاجز زجاجي يبعد متران، وجنود الإحتلال في كل لحظة ينذونهم بأن زيارتهم لدقائق معدودة، هذا إن لم يمنع الأسير من الزيارة كإبتزاز له وأحياناً انتقام. فقد (الاسير م . د) بصره بسبب إهمال طبي في المعتقل، وكأن قطار الفرح انحرف عن مساره الى سكة مجهوله، فقد أغلى مالديه ويقي معانداً معتقليه اماناً بقضيته الحق، لم يهزمه سجانه يوماً وإن كان يتقصد أن يحوله إلى رقم في غرفة عنوانها رقم وأسمها رقم، يندرج في قائمة بدلاً من أسماء المعتقلين، في أقبية يطلقون عليها سجون، سرقت أعمار شباب أطفال رجال، وأيضاً نساء وضعت اعمارهم على مقصلة الفناء. يعيش الأهل الإنتظار عند محطات الأمل ليدونوا يوميات قضية، كالفراشات الجوعى لرحيق الزهر يترقبون أي خبر أو كالمة أو حتى إشارة تنبؤهم ان ابنهم “البطل” بخير، وأن خيوط النور سوف تتسلل اليه وتزيح ستار العتمة التي اقتحمت عيناه، كأن عتمة السجن لم تكفه حتى اكتملت صورة العذاب. وحاله كحال الكثيرين من الأسرى الذين يقبعون خلف جدران يشتاقون للشمس والنور والفرح ولون الحياة، لو يدرون ما معنى أن يكون المرء أسير! يفقد نور الشمس وظل الصباح، يهيم لصوت العصافير وضجيج الحرية، ان يغمض عينيه ويعد الوجوه التي مرت في درب العمر الذي توقف، عند لحظة الاعتقال، ان يرى امه وقلبها المعلق على أهداب جدران زنزاته، يحاول عناقه حيناً وحيناً يشذب ذيل منديلها خوفاً من أن تنكسر الصورة في مخيلته، يعانق ذكرياته عله يلمس صوتها ودعواتها التي تأتيه كل يوم كنسمة هواء صيفيه. أن يكون الليل سرمداً، ليل السجون الذي يختلط بنهاراتها الحالكة حتى الوقت فيها لا يعرف الوقت يصاب بالشلل، ان يكون المرء أسير يعني ان يدور حول نفسه في دائرة مفرغة، يدور كوردة فقدت عبيرها وذبلت. او كفراشة تبحث عن ضوء تنأى بنفسها اليه ونور السجون مطفئ كثيراً كثيراً يا اماه.
من فلسطين المحتلة ختام دويكات