مسيّرة يافا اليمنية توسّع دائرة النار.. ماذا بعد تل أبيب؟
خاص مناشير
تقف “إسرائيل” اليوم بأكملها على “إجر ونص” تترقّب الرد اليمني على استهداف ميناء الحديدة، واستنفرت لذلك أجهزتها العسكرية والأمنية والبشرية والتكنولوجية في البر والبحر والجو تحوّطاً من ضربة جديدة توجهها القوات المسلحة اليمنية، ولا يعرف قادة الاحتلال أين ومتى ستقع؟ وما هو حجمها ومداها؟!
قطعت مسيّرة “يافا” اليمنية مسافة تزيد عن 2000 كلم، فحطّمت مستويات الحماية الإسرائيلية كلّها وأسقطت دروع “الدفاع” بكفاءة عالية وتجاوزت الإجراءات الأمنية والالكترونية وسيطرة الطائرات الأمريكية والإسرائيلية على الفضاء الفلسطيني والمنطقة ككل وأصابت هدفها المحدّد بكل هدوء في قلب تل أبيب، وهذا الفشل في المنظومات “الدفاعية” الجوية المتقدّمة للعدو أبرز في الوقت نفسه تطوّر القدرات الهجومية للقوات اليمنية.
ردّ الاحتلال عبر إشراك طائرات أف – 35 ليستهدف خزانات نفط وشبكة الكهرباء في ميناء الحديدة اليمني، وتفاخر بلهجة “عنترية” بأنها المرة الأولى التي تضرب إسرائيل هدفًا على بعد أكثر من 1800 كلم، وأن أيادي إسرائيل قادرة على أن تطال أي بقعة تريد، واستعار مقولة نيرون الذي استمتع برؤيته روما وهي تحترق، ليظهّر الإنجاز بنكهة إعلامية ويرّوج لمشهد اندلاع النيران، فيما أجمعت المصادر اليمنية على أن الاعتداء الإسرائيلي لم يترك أي أثر على القدرات اليمنية العسكرية، فجاءت الغارات على أهداف ذات طابع مدني تؤمن المحروقات والتيار الكهربائي للشعب اليمني، وهذا بحد ذاته إخفاق أخلاقي يضاف إلى الإخفاق العسكري للعدو.
حاول العدو الإسرائيلي تصوير الرد على أنه جاء انتقاماً لمقتل مستوطن وجرح آخرين، ولكنه في الواقع عملية “استلحاق” عسكرية تهدف إلى استعادة الهيبة التي سقطت بعد استهداف تل أبيب، بما ترمز إليه من عمق مركزي للكيان المؤقت وامتداد جيوستراتيجي للمنطقة الحيوية المسماة “غوش دان”. والسؤال الذي يُطرح: ألم يأخذ الحوثيون في عين الاعتبار الرد الإسرائيلي حين استهدفوا تل أبيب؟! الجواب البديهي يقطع بأن تجربة الحرب التي خاضها “أنصار الله”، ولا سيّما مع قوى التحالف على مدى ثماني سنوات أكسبتهم خبرات عالية جداً على مستوى احتساب الفعل وردّ الفعل، ولذلك كان هدف اليمنيين في ضرب تل أبيب إدخال عنصر إضافي إلى معادلة الصراع وعنوانه “مدنيو تل أبيب مقابل مدنيي غزة”، وهنا يكمن الخطر الكبير الذي يلقي بثقله على قيادات العدو.
قد تحمل الأيام المقبلة تطوّرات ميدانية بالغة الخطورة، ومن شأنها أن تفتح على احتمالات واسعة ما لم يتدارك الأمريكيون الوضع والضغط باتجاه “ابتلاع” أي ضربة يمنية جديدة على غرار ما حصل بعد الرد الإيراني الذي ظلّل الكيان الصهيوني بالمسيّرات الموجّهة والصواريخ. ولكن هذا الأمر غير محسوم عند الجانب اليمني، فمن باب التذكير أنه حين دخلت واشنطن ولندن في أتون المواجهة بذريعة حماية خط التجارة البحري، وقصفت الطائرات الأمريكية والبريطانية أهدافاً داخل اليمن هلّل اليمنيون لهذا الحدث الاستثنائي، فقد اعتبروا أن المواجهة أصبحت مباشرة مع أمريكا زعيمة الاستكبار وراعية المشروع الصهيوني، وبعد العدوان الإسرائيلي على الحديدة هلّل اليمنيون مجدّداً لأن المعركة تجاوزت حدود إسناد الفلسطينيين في قطاع غزة، لتصبح الحرب بين اليمن وإسرائيل، أي أن ما كان يطمح أنصار الله إلى بلوغه قد بدأ يتحقّق في خطواته الأولى.
يمكن القول إن اليمنيين دخلوا معترك المواجهة من بابها الواسع، واتفق مسؤولو “أنصار الله” على أن القوات المسلحة اليمنية لا تعترف بمصطلح “نحتفظ بحق الرد”، وقاموسها يحتوي فقط على مصطلح “الردّ المباشر”، ويبقى أن ننتظر لنشهد تفاصيل هذا الرد في الميدان. وللمناسبة فقد استهزأ البعض في لبنان باليمنيين الحفاة الجائعين واصفاً جبهة اليمن بانها فولكلورية استعراضية، فيما سخر آخر من قدرة الصواريخ والمسيرات اليمنية على الوصول إلى كامل الخارطة الفلسطينية، وقال أحدهم ضاحكاً إنها لن تستطيع تجاوز الحدود اليمنية وستسقط في البحر الأحمر، وتغافل هؤلاء عن الأزمة العميقة التي سبّبتها هذه الجبهة الفولكلورية للاقتصاد الصهيوني، فيما استطالت الصواريخ والمسيرات في مدياتها لتقطع البحر الأحمر وتحوّل ميناء إيلات إلى منشأة خاوية، ثم تجاور البحر الأبيض المتوسط وتصل إلى تل أبيب، وهذا يعني أن وجهتها المقبلة قد تكون ميناء حيفا، وأن حقول تامار ولفياتان وكاريش النفطية الإسرائيلية ستكون حتماً في خانة الاستهداف.
لقد وضعت مسيّرة “يافا” اليمنية – الحوثية الكيان الصهيوني كلّه تحت دائرة النار، وشملت قائمة الأهداف مناطق فلسطين المحتلة من شمالها إلى جنوبها، أي أن أهدافاً إضافية باتت عرضة للضرب في عمق الكيان المؤقت، وهذا سيضيف عناصر جديدة إلى مسار المواجهة في المنطقة برمّتها، وبذلك يكون محور المقاومة قد نقل المعركة إلى الداخل الصهيوني، الأمر الذي يرتّب على قادة العدو مزيداً من الضغوط السياسية والعسكرية والأمنية، فيكبر السؤال أمامهم دون أن يتلمّسوا الجواب الواضح عليه: ماذا لو فتحت الجبهة الشمالية مع حزب الله؟! هل تستطيع إسرائيل تحمّل العواقب دون أن تواجه مصيرها المحتوم بالزوال؟!