بيلاروسيا واقعها ومستقبلها السياسي … – خالد العزي
كتب خالد ممدوح العزي – مناشير
لايزال الشعب البيلاروسي يتظاهر بكل قوته منذ 7 اسابيع مضت ضد الانتخابات الرئاسية التي اجراها النظام الحالي دون الاكثرات لصيحات الناس المعترصة التي اعتبرت بان اصواتها قد سرقت وتم تزوير الانتخابات حيث اعلنت النتائج بنجاح الرئيس الكسندر لوكوشينكو نسبة 80 بالمئة فهذه النتيجة كانت واضحة للجميع بان التلاعب قد حصل وان الديمقراطية المنادى بها قد انتهكت خرج الجميع بطريقة حضارية للاعتراض والرفض لكن النظام كان جاهزا للتصدي البشع الذي اطال الجماهير المعترضة بطريقة وحشية وبشعة من قبل مرتزقة كما يصفون في داخل اروقة السياسة البيلاورسية.
لقد بان الاعتراض واضحا على طبيعة الانتخابات المرفوضة من رئيس يصف نفسه رئيس مدى العمل بطرق ووسائل لا تختلف عن الانظمة الدكتاتورية في بلد يعتبر جزء لا يتجزء من الغرب اضافة للاهانة والقمع التي تعرض لها الناس مما ساعدت هذه الاعتراضات برفع الاصوات عالية بالمطالبة برحيل الرئيس التي سقطت شرعيته حيث عمت التظاهرات في كل المدن والقرى والنواحي البيلاروسية مطالبة برحيل النظام ومعاقبة القوى القمعية… بيلاروسيا كانت تعيش ضمن الاتحاد السوفياتي يبلغ عدد سكانها حوالي عشر مليون شخص يتكلمون اللغة الروسية وقد حافظت الجمهورية وشعبها على افضل العلاقات مع الدولة الروسية التي لم تبادلهم نفس الشعور حيث باتت الفوارق الاجتماعية واضحة بين الشعبين وقد جمدت الاتفاقية التي كانت تطالب بالوحدة بين روسيا وبيلاروسيا ولكن كما يبدو راس المال الروسي كان العقبة الاساسية لجهة عدم الوحدة بينهما بل كانت شروط النيولبرالية المتوحشة شراء كل المكونات الصناعية والتجارية في بيلاروسيا وفيما بعد التكلم بخصوص الوحدة
لكن 7 اب 2020 كانت تختلف عن سابقتها في عملية الاعتراض الذي خاضها الشعب البيلاروسي ضد النظام حيث كانت المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكيا تخوض الانتخابات الرئاسية وقد قامت السلطة بعد الانتهاء بترحيلها الى مدينة فينلوس تحت شعار خوفا على حياتها من الاغتيال ، فالمعارضة هي كابوس لوكاشينكو التي واجهته بحملتها البسيطة لتشكل نقطة جديدة في التعاطي مع اساليب القمع الحديثة في دولة يسودها القمع الفكري والسياسي ،تخانوفسكيا زوجة المعارض البيلاروسي سرغي تخانوفسكي القابع في السجون البيلاروسية الذي كان مرشحا فعليا للانتخابات البيلاروسية .
بظل منع زوجها من خوض المعركة الانتخابية ، قررت الزوجة المعارضة خوض الانتخابات والامساك بزمام المبادرة حيث سببت ازمة فعلية للنظام ، حيث سجلت هدفها الاول في مرمى النظام… امراة بسبطة جدا ، هي معلمة لغة انكليزية ذات 37 ربيعا تقف في المحافل الدولية لتشرح قضية شعبها المعترض على الانتخابات والتزوير الحاصل ، والذي يتعرض لقمع المفرط المستخدم من قبل النظام ضد المتظاهرين.
لذلك تتمسك بحقوق شعبها وتحاول ان تظهر حقوقه المسلوبة الى العلن وتعلن من المنصات العالمية بانها لن تتخلى عن استقلالية بلدها ولن تقبل من الرئيس المنتهية شرعيته بالانضمام الى دولة روسيا خوفا على مصيره في محاولة للتفريط بالاستقلالية الوطنية التي تسقط الاستقلال عن بلدها والتي حافظ عليها لينين وستالين ايام الشيوعية والقبضة الحديدية المستخدمة ضد الشعب .
لقد اعلنت بصراحة امام البرلماني الاوروبي الذي استمع اليها في بروكسيل بانها لن تدخل في حلف مع الغرب على حساب روسيا ولن تكون مع روسيا على حساب الغرب.
لقد انتهجت المعارضة البيلاروسية في مظاهراتها الشعبية المؤيدة للتغيير في الساحات والمناطق سياسة محايدة برفع المطالب، لم ترفع فيها شعارات عدائية ضد روسيا ولم تحراق الاعلام في الساحات الروسية….، بل كانت النساء هن رائدت العمل الاعتراضي حيث استطاعت تيخنوفسكيا تشيكل قيادة عليا عرف لاحقا بمجلس السيدات الثلاثة نساء يتحين خلافاتهن السياسية للإطاحة بلوكاشينكو من السلطة، وهن ” ماريا كوليسنيكوفا التي تعتبر إحدى الشخصيات المعارضة الرئيسية في بيلاروسيا، وايضا فيرونيكا تسيبكالو “، بالاضافة الى قيادة ميدانية للتنسيقيات من المعارضة في الخارج والداخل، لقد ضم العديد من الشخصيات المطرودة من بيلاوسيا والتي لا تزال في الداخل اهمهم الكاتبة البيلاروسية الحاصلة على جائزة نوبل سفيتلانا اليكسييفيتش، ووزير الثقافة السابق بافل لاتوشكو الذي بات عضواً في مجلس للمعارضة.
لقد عززت تيخانوفسكيا شعبيتها بعد اعلانها رغبتها بالتغير السريع من خلال استلام السلطة وادارة البلد كمرحلة انتقالية ، والتحضير لمرحلة انتخابية جديدة سريعة. بذلك استطاعت رفع ثقة الجمهور المعترض بها، بعد ان كانت غير مشهورة كلاعب سياسي في الاوساط البيلاروسية والخارجية مما وضعت الرئيس الروسي وروسيا في ازمة فعلية .
هي تطالب برحيل الرئيس لعدم شرعيته المفقودة والتي ايدتها اوروب بطرحها. واعرب عنها الرئيس الفرنسي ماكرون علنا،في حديث لصحيفة “لوجورنال دو ديمانش”. بمطالبته الرئيس لوكانشنكو بالرحيل طوعا لان اوروبا لن تعترف بشرعيته المطعونة .
لقد اضحت روسيا في حيرة بامرها من خلال الخلافات الداخلية التي لم تحسم بسبب استراتجيتها في التعامل مع الوضع البيلاروسي المتازم، فكيف لروسيا ترك بيلاروسيا اخر معاقلها في شرق اوروبا ، او الوقوف الى جانب الرئيس الذي سيفرض عليه وعلى نظامه عقوبات من كل حدب وصوب وبالتالي هذه الخطوة سيفقدها الشعب البيلاروسي الحليف والصديق لروسيا..
فاذا وقفت روسيا مع الشعب البيلاروسي الذي لا يزال يطالب بافضل العلاقات مع روسيا ، مما يحرج روسيا باخذ الموقف النهائي الذي يجب ان يقرر سريعا او لوكونشنكو فخسارة الشعب البيلاروسي ستكون ضربه كبيرة لسياستها ،وستدعم بالعقوبات الغربية التي ترفض رفضا كاملا التعامل مع هذا الرئيس وتطالبه بالخروج ، فالمواجهة الروسية مع الغرب مكلفة جدا وباهظة الثمن،والقبول مكلف للرئيس بوتين نفسه.
فالتدخل العسكري الروسي في بيلاروسيا المحتمل لن تكون عواقبه محمودة لانه سيسمح للدول الاخرى بالتدخل بالاجزاء البيلاروسية الاخرى المحاذية للحدود الاوروبية، اذا التقسيم والحرب وانتهاء الدولة الوطنية لكون بيلاروس دولة صغيرة ولا تتحمل الحرب او التقسيم.
اذن الوضع العام لا يسمح لروسيا تكرار سيناريو اوكرانيا وجورجيا عسكريا بالرغم من ان روسيا تحاول تزويد النظام بعناصر المرتزقة فاغنر التي تمارس القمع والاعتراض البشع لصالح النظام تحاول روسيا ادارة الاعلام من خلال اعلاميين روس يبثون الاخبار والحورات من موسكو بعد ان تخلى الاعلامين البيلاروس عن العمل في القنوات والمراكز الاعلامية الحكومية والخاصة ، كما الحال في باقي المصانع التي تعترص على الممارسات الرسمية… فالاعلاميين الروس يتقاضون مبالغ عالية اعلى بكثير ما يتقاضاه البيلاروس.
اضحت روسيا في حيرة بامرها من خلال الخلافات الداخلية التي لم تحسم بسبب استراتجيتها في التعامل مع الوضع البيلاروسي المتازم
لكن التخوف الروسي من الصراع مع الغرب بوضع عقوبات عالية على روسيا بخصوص مشاكل بيلاروس وتحديدا بعد الخلاف العلني بين روسيا والمانيا بسبب تسميم الكسي نافالني المعارض الروسي المشهور وصاحب التصويت الذكي الذي ازعج بوتين واطاح بقيادته، نافالني اذا هو كابوس بوتين الاسود الذي يشكل له ولنظامه ازمة اعتراضية، كونه المعارض الفعلي والحقيقي في روسيا، والذي لاتتجراء السلطة تسميته بالاسم بل يتم اليه بالاشارة كشخص دون التسمية ، مما دفع بالنظام لتسميمه والتخلص منه لذلك قامت المانيا وفرنسا بواسطة لنقله للعلاج في الخارج ، واستطاعت الدولة الالمانية تقديم الطبابة الكاملة له في برلين .
طبعا المانيا نقلت هذا الخلاف الى الجمعية العامة للامم المتحدة في الذكرى 75 حيت كانت الكلمة الالمانية قاسية وموجعة بحق روسيا ونظامها الذي يقتل معارضية بالتسميم الاشعاعي وهذه الاعمال ستضع روسيا امام عقوبات قاسية بمافيها خط الغاز عبر بحر البلطيق ستريم 2 الذي لايزال منفذ للاقتصاد الروسي المحاصر…
النظام الروسي في مازق بقضية الانتخابات الروسية، حيث عمل الرئيس على استفتاء تم التوسيط على زيادة فقرة في الدستور تسمح للرئيس بالانتخابات لفترتين جديدتين، لكن الخوف الفعلي للرئيس بوتين من التفريط بلكوشنكو هو الرضوخ للمعارضة وطلباتها بتنحي بوتين في الانتخابات الروسية القادمة.
بحال تخلى بوتن عن لوكشنكو يعني بانه كتب نهايته بيده لكون شعار نافالني قد نجح بان المعركة تبدأ من” خباروفسكي حتى مينسك “كي يسقط هذا النظام القمعي المافيوي، فكانت مينسك نقطة الاختبار الجيدة، فالنجاح في تغير نظام مينسك سيكون قوة دافعة لنجاح الاعتراضات الشعبية القادمة في روسيا ضد بوتين وتحديدا في الانتخابات المقبلة، ومن هنا كان هدف النظام الروسي التخلص من الكسي نافالني حيث بائت هذه المحاولة بالفشل بعد شفائه وعدم موته سيكون نافالني اصلب واكثر شدة في مواجهة النظام بعد ان وصلت قضيته الى اعلى المحافل الدولية.
فالتظاهر في بيلاروس اثبت العجز الفعلي لروسيا في تامين مخرج امن للرئيس البيلاروسي والبدأ بعملية التغيير الفعلية التي تحافظ فيها موسكو على مينسك وتبقيها في حديقتها الخلفية، وتسمح بالتغيير الديمقراطي المطلوب وتنهي حقبة تاريخية للرئيس الحالي الذي خدم موسكو 26 عاما على حساب الشعب البيلاروسي.