الدعم الأميركي يعزِّز موقع نتنياهو ومخطط اسرائيل الكبرى
كتب زكي طه في بيروت الحرية
يُصرّ بعض قادة قوى المقاومة والمساندة، ومن يواليهم من محللين ووسائل اعلام، على تكرار القول: “إن اسرائيل فشلت في تحقيق أهداف حربها”. والمقصود بذلك فشلها في القضاء على مقاومة حركة حماس وتصفية وجودها. وقد فاتهم أن الهدف المعلن من قبل الحكومة الاسرائيلية بالتنسيق الكامل مع الادارة الاميركية، يتجاوز ما اشير إليه باعتباره ستارة لتغطية اهداف الحرب الفعلية، التي تتمثل بتصفية القضية الفلسطينية، وفق المخطط الاستراتيجي الذي بدأت تنفيذه على نحو متدرج منذ عودة تحالف الليكود إلى السلطة، والذي يستهدف إقامة اسرائيل الكبرى على ارض فلسطين. وهو المخطط الذي حظي بدعم الادارات الاميركية المتعاقبة. بدءا من ضم الجولان السوري، واعلان القدس الموحدة عاصمة أبدية لاسرائيل ونقل سفارة بلادها أليها، وصولاً إلى إعلان يهودية الدولة. جرى ذلك في موازاة العمل حثيثاً على توسيع وتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، وتصعيد الحصار السياسي والامني المفروض على السلطة الوطنية الفلسطينية. وبالتزامن مع الاستثمار في الانقسام السياسي ورعاية سلطة حماس الانقلابية على قطاع غزة، وتسهيل تمويلها واستغلال سياساتها وممارساتها الاختزالية لأوجه النضال الفلسطيني، للتعمية على السياسات الاسرائيلية والتغطية على أهدافها الاستراتيجية.
ويتجاهل هؤلاء القادة ومن معهم، أن اسرائيل استغلت تباعاً بقوة التنسيق الكامل والدعم اللامحدود مع الادارة الاميركية، الفرص الاستثنائية التي اتاحتها لها على امتداد السنوات السابقة، المغامرات غير المحسوبة بغية مصادرة التمثيل الفلسطيني. وآخرها العملية التي تذرعت بها لاعلان حربٍها المفتوحة للاطاحة بمكتسبات وانجازات نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته، واستكمال تدمير ما تبقى منها. مقابل مضاعفة وتكريس مكاسب اسرائيل في اطار محاولات حكومتها لتنفيذ خطتها، مهما تكن أكلافها الباهظة، والتي مهما قيل فيها وعنها، فهي لا تعدو سوى تفاصيل أمام هول النكبة الجديدة ومفاعيلها التدميرية، وما ترتب عليها من خسائر اصابت الشعب الفلسطيني على كل المستويات.
بعد تسعة أشهر من الحرب المتواصلة على الشعب الفلسطيني، في قطاع غزة والضفة الغربية، وقبل زيارته إلى واشنطن لإلقاء خطابه الرابع امام مجلسي الشيوخ والنواب الاميركيين، كان رئيس حكومة العدو بحاجة لانجاز رمزي يغطي به جرائم القتل المتواصلة، ويبرر استكمال تدمير مدن ومخيمات قطاع غزة رغم تراجع عمليات المقاومة الى مستوياتها الدنيا. ولذلك وتحت راية تصفية القيادي محمد الضيف في حركة حماس كانت مجزرة المواصي في خان يونس، التي تضاف إلى مئات المجازر وعمليات الابادة البشرية المشابهة.
لكن الأهم المعطيات التي وفره له تصعيد ايران الاحتجاجي، في مواجهة انسداد افق علاقاتها الاميركية والاوروبية، في ضوء ما تتعرض له راهناً من حصار وضغوط وعقوبات بذريعة الملف النووي وسياساتها الاقليمية. والاهم فيها عدم اعطائها أي دور في بحث الملف الفلسطيني، وتحميلها مسؤولية إدارة ورعاية حبهات معارك المساندة ضد اسرائيل، في سبيل تكريس نفوذها واستدراج البحث معها في ملفات أزمات المنطقة وأوضاعها. وهو التصعيد الذي مكن اسرائيل من استعراض القدرة التدميرية لسلاحها الجوي، من خلال تدمير ميناء الحديدة في اليمن بذريعة “مسيَّرة” ميليشيا انصار الله الحوثية التي نجحت في الوصول الى تل أبيب. في موازاة تواصل القصف المتبادل مع حزب الله على الجبهة اللبنانيية وتكثيف عمليات الاغتيال التي تستهدف قياداته الميدانية ومقاتلية، يضاف إلى ذلك تجدد استهداف القواعد الاميركية في العراق وسوريا من قبل ميليشيات الحشد الشعبي.
ولأن الادارة الاميركية لم تألُ جهدا طوال ما يزيد عن تسعة اشهر في تاكيد التزامها بشان توفير كل الضمانات لوجود وأمن اسرائيل، والعمل من أجل تحقيق أهداف الحرب وتغطية وتبرير الممارسات الاسرائيلية الوحشية، ليس على الصعيد العسكري وحسب، بل عبر رعاية وادارة متطلبات أهداف الحرب في ميادين السياسة الدولية والاقليمية والعربية ولدى الهيئات الاممية والمؤسسات المتفرعة عنها، سواء تعلق الامر بمجلس الأمن أو مؤسسة الاونروا، او محكمتي العدل والجنايات الدوليتين، وصولأً الى ادارة المفاوضات وممارسة الضغوط على الوسطاء العرب، في سبيل اطلاق سراح الاسرى لدى حماس وفق الشروط الاسرائيلية التي تتغيير تباعاً مع التقدم في الميدان، بالتزامن مع تصعيد حصار التجويع وتدمير المستشفيات ومطاردة النازحين في قطاع غزة، وفي موازاة التصعيد الميداني والسياسي على الضفة الغربية.
وما يؤكد التوجهات الاسرائيلية استمرار الحرب، ورفض اي دور أمني أو سياسي اداري في قطاع غزة للسطلة الوطنية الفلسطينية. وقرارات الحكومة المتعلقة بمتابعة مسار التصفية السياسية والادارية لموقع السلطة الوطنية في الضفة الغربية، لناحية توسيع وتطوير الاستيطان في المنطقة “ب” واخضاع المنطقة “س” للادارة الاسرئيلية تمهيداً لضمها. والأخطر من ذلك قرار الكنيست رفض قيام دولة فلسطينية على اي جزء من أرض فلسطين التاريخية.
عوامل الاستقواء الاسرائيلي
أما عوامل الاستقواء الاسرائيلي بشأن القضية الفلسطينية، فهي تتجاوز دعم الادارة الاميركية، التي تتولى ادارة سائر أزمات المنطقة في اطار استراتيجتها للهيمنة والسيطرة، الامر الذي مكنها من ربط مسار الحرب الاسرائيلية بسائر الحروب والنزاعات المتداخلة في العديد من بلدان المنطقة في ظل التدخلات الدولية والاقليمية الواسعة. في موازة الضغط على بقية الدول العربية وابتزازها اقتصادياً أو أمنياً، على نحو يبقيها دولاً ومجتمعات في دائرة العجز عن نصرة الشعب الفلسطيني في محنته المصيريه.
والأهم في عوامل الاستقواء الاسرائيلي،، ورغم توقيع الاتفاق المتأخر بين الفصائل الفلسطينية في بكين، لاستعادة الوحدة الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير. لا تزال الساحة تفتقد أهم أسلحتها ممثلة بالوحدة الوطنية، جراء استطالة الانقسام الفلسطيني وضعف الحصانة الوطنية لدى بعض الفصائل الاساسية امام التدخلات الخارجية، ما يحول دون القدرة على تنظيم معارك مواجهة الاهداف الاسرائيلية السياسية والميدانية، والعجز امام تحديات الاستثمار في التأييد والتعاطف الدولي والاممي المتحقق جراء التوحش الاسرائيلي، وعدم الاستقواء بالقرارات الاممية، من الجمعية العامة إلى محكمتي العدل والجنايات الدوليتين.
في ظل موسم الانتخابات الرئاسية الاميركية، ومدججاً بكل ما ورد من معطيات، لبى رئيس حكومة العدو دعوة مجلسي الشيوخ والنواب الاميركيين. خاطبهما بلغتهما السياسية. استعرض البطولات والتضحيات الاسرائيلة في الحرب. وكان فصيحاً في وصف الاستراتيجية الاميركية في المنطقة وأهداف سياستها وموقع اسرائيل ودروها فيها. لم يكتفِ، نتنياهو بتأكيد أهمية الدور والدعم الاميركي لها، بل طالب بالمزيد لتحقيق الاهداف المشتركة للحرب الحالية. شكر الرئيس الحالي الحالي الذي يفتخر بصهيونيته على ما قدمه من دعم لاسرائيل. ومدح الرئيس السابق وثمن خطة التطبيع واتفاقات ابراهام ودعا لتحويلها حلفاً في مواجهه ايران. وحمّل الاخيرة مسؤولية الحروب ضد بلاده على كل الجبهات، وجدد التهديدات لها. رفع الصوت عالياً، للقول إن اسرائيل لا تحتل أرضها رداً على القرارات الاممية. أدان الذين يرفعون شعارات الادانة لبلاده، واتهم بالعمالة الذي يتظاهرون ضدها. تجاهل الذين غابوا عن الجلسة. وأكد استمرار الحرب حتى النهاية لتحقيق النصر على حماس وشركائها. ولأن نتنياهو نطق بالخطاب الاميركي وعبر عن موقع اسرائيل، فقد حظي بالتصفيق وقوفاً لما يقارب ثمانين مرة خلال أقل من ساعة.
المخاطر التي تهدد لبنان وأولوية الانقاذ
وبعيداً عن التحليلات المشككة بقدرة اسرائيل، والتي تراهن إما على مشكلاتها الداخلية، أو على ضغط الادارة الاميركي وحسابات استحقاق الانتخابات الرئاسية. لم يخفِ نتنياهو في خطابه الاميركي، اهداف الحرب على لبنان، والعمل بمختلف الوسائل لضمان امن اسرائيل لأجيال طويلة. وقد سبقة اعضاء حكومته وقادة الجيش، أنهم بصدد تأمين شروط ومتطلبات الحرب، قبل اتخاذ القرار الصعب بالتنسيق مع اميركا. ورغم توسيع واستمرار العمليات الحربية وتكثيف اغتيال الكوادر والقادة والمسؤولين. لا يزال حزب الله يستبعد الذهاب إلى حرب شاملة، لكنه يستعد لها، وهو مستمر في التزام قواعد الاشتباك وربط وقف العمليات بغزة. ولأن ذلك بمجمله لا يشكل ضمانة لوقف الحرب. يعني ذلك تواصل حرب الاستنزاف، بالتوازي مع الخوف اللبناني المشروع من استنساخ حرب اسرائيل على قطاع غزة.
ولذلك وفي موازاة التصعيد الميداني، قرر حزب الله احالة المسؤولية عن استمرار الحرب على الجبهة اللبنانية، على قيادة حماس وما ستقرره في سياق المفاوضات الدائرة حول صفقة الاسرى، والوقف المؤقت لاطلاق النار في قطاع غزة. كما أحال ايضاً على الدولة اللبنانيية، مسؤولية التفاوض على تنفيذ القرار الدولي 1701. والاحالة تشكل تحللاً من المسؤولية عن استمرار الحرب ونتائجها على لبنان في آن. ما يتيح له لاحقاً الاحتفاظ بحق الاعتراض على الاتفاق الذي تقبل به الدولة، في سبيل تبرير الاحتفاظ بسلاحه.
وفي الاطار عينه كان قرار الحزب فتح جبهة الجولان، على رافعة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، في خطوة استباقية غايتها استخدام اشكالية هويتهما الوطنية بين لبنان وسوريا، بغية الابقاء على المقاومة وادامة الاشتباك مع اسرائيل تحت راية تحريرهما.. ومتجاوزاً رفض النظام السوري المشاركة في معارك مساندة غزة، رغم ما تتعرض له الاراضي السورية من عمليات قصف تستهدف قواعد الحرس الثوري الايراني والميليشيات التابعة له بما فيها حزب الله، الذي أعلنت قيادته عدم وجود اتفاق لتنفيذ القرار 1701، كي لا تعطي اميركا واسرائيل أية ورقة تتضمن موافقات أو تنازلات مسبقة.
ومع فشل الجهود الاميركية والفرنسية للفصل بين جبهتي لبنان وغزة، واستطالة حرب الاستنزاف، وتتجدد التهديدات الاسرائيلية، وتتكاثر رسائل التحذير من خطر حرب تدمير شامل. ومع خفض الاهتمام الدولي والعربي بالأزمة الداخلية ممثلة بفراغ رئاسة الجمهورية، كان ملفتاً تجدد البحث خارجياً وداخلياً، حول سبل المحافظة على الهيكل العام للدولة، وسط احتدام الخلافات بين قوى السلطة. وهو ما يستدعي العمل على ترتيب الاوضاع القيادية لمؤسسة الجيش والاجهزة الامنية، ومجلس القضاء الاعلى والمجلس العدلي، والمصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، بالاضافة إلى العديد من الادارات العامة. خاصة في ظل اصرار أكثرية اطراف السلطة انتظار نتائج الحرب بحثاً عن مكاسب فئوية. الامر الذي ساهم في تكريس واتساع حالة الفوضى، على نحو يبدو معه البلد وكأنه مجموعة دويلات متعارضة ومتناقضة بين من يتجاهل الحرب الدائرة جنوباً ومن ينوء تحت أعبائها وأكلافها، وسط الخوف من طرح اسئلة المصير المجهول تحت وطأة تهم التخوين والتآمر. رغم عدم قدرة الحزب على منع الحرب الشاملة، يبقى الثابت بالنسبة له التزام استمرار المعركة وفق قواعد الاشتباك، على نحو يبقي البلد في وضع صعب ومعقد أمام المخاطر الزاحفة.
وفي موازاة هذا الواقع الصعب، تتابع قوى الاعتراض الديمقراطي البحث عن ادوار فئوية بين ملفات الانهيار العام، وتجاهل مخاطر حرب الاستنزاف والاستهانة بخطر الحرب الشاملة، ما يؤكد عجزها عن الانتساب إلى ازمة البلد، وإلى مهمة انقاذه وبقائه وطناً موحداً، باعتبارها أولوية تتقدم على كل ما عداها. وهي الاولوية التي يتحمل مسؤوليتها جميع اللبنانيين وسائر اطراف السلطة. الامر الذي يتطلب المبادرة والاقدام لخوض غمار الحوار المسؤول لاستعادة الثقة بين اللبنانيين، والعمل معاً في سبيل انهاء الفراغ الرئاسي مدخلاً لإعادة تكوين مؤسسات السلطة وتفعيل وتطوير أجهزة الدولة وقطاعاتها، إلى جانب التحصن بالقرارات الدولية والاممية، بديلاً عن المشاريع الوهمية والمغامرات غير المحسوبة، والتخلي عن الارتهان للخارج أو الاستقواء به، والابتعاد عن المزايدات وتهم الخيانة والتآمر والتحلل من المسؤولية باعتبارها اقصر الطرق نحو الخراب.