خبر عاجلسياسةمقالات

القتال الممكن والسياسة الضرورية.. – احمد جابر

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365
القتال الممكن والسياسة الضرورية.. – احمد جابر
كتب احمد جابر
حركة العدو الإسرائيلي في الميدان رسمت خطوط تقدمه اللاحقة، وبيانات ساسته وقادته، وأحاديثهم، تركت المجال مفتوحاً أمام المقاربات المختلفة، على الصعيدين السياسي والميداني.

حدّد العدو عمق الشريط الضروري الملاصق لحدود كيانه الأمامية، مثلما حدّد العمق “الآمن” الذي يسعى إليه. فأعطى رقم ثلاثة كيلومترات للأول، ورقم سبعة كيلومترات للثاني، وإذ أشار إلى ضرورة احتلال الفراغ للحدّ اللبناني الأمامي، فإنه أناط ملء القرار الذي يلي بقوات مختلطة، دولية ولبنانية.

على حدود العدو:
استنفد العدو تكتيك القضم والاستكشاف بالنار، واختبار القوة الدفاعية للمقاومين، فانتقل إلى حركة التقدم المحدود، متوسّلاً تكتيك تقطيع الأوصال، وتشتيت جهد المقاتلين، بهدف الوصول إلى نقاط التلال العالية التي توفِّر تفوّقاً جغرافياً لقواته، يمكّنها من تحوّليها إلى “عقدة” تحكّم بالخطوط القتالية الفرعية، التي تتوزّع عليها كتلة الهجوم الرئيسية.
بالملموس، وبالأسماء، وبمعنى اختيار الأهداف، يتميّز محور عيتا الشعب – رشاف – القوزح، بكونه نقطة فصل بين القطاع الغربي الممتد على طول الخط الدولي، من عيتا الشعب إلى الناقورة، والقطاع الأوسط الممتد على طول الخط من عيتا الشعب إلى عديسة، مروراً بمدينة بنت جبيل، عاصمة الحاضرة العاملية.
في سياق الخرق أيضاً، اختار العدو عديسة ثم كفركلا، وثمّ مركبا، وما يقع في جوارها من قرى، ليؤمن السيطرة المرتفعة على طول الخط الذي يصير متصلاً من عديسة إلى عيتا طوليّاً، وتتوسطه تلة مارون، الأعلى ارتفاعاً، بما تمثله من إضافة ميدانية إيجابية.

النقطتان، أو المحوران، ينفتحان لاحقاً على عمق القطاعين الأوسط والغربي، أفقياً و”عمقياً”، فإذا أضيف إليهما تحرك العدو في القطاع الشرقي من جهة كفرشوبا، وما تتيحه في اتجاه بلدة شبعا، أصبح خط تقدم القوات متواصلاً جبهياً، باتصال القوات البريّة، أو باتصال وسائطها النارية المتعددة.

من دون إنكار للواقع، تمكّن العدو من تحقيق اختراق محدود، هنا وهناك، بعد مواجهات مع المقاومين، وبعد سقوط خسائر في صفوف قواته. يجب الانتباه في هذا السياق، إلى أن كل مهاجم يضع تقديره لحساب الخسارة، ويضع البدائل العملية لما قد يواجهه من إخفاقات موضعية. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن حدود مواجهة المقاومين لم تصل إلى حدّ كسر الاندفاعة العامة للهجوم المعادي، بحيث تفرض تعديلات على خطة العدو الأصلية، لجهة اختياره لمحاوره، أو لجهة مناورتها وأساليبها الأصلية.

على حدود المقاومة:
عند صياغة تقدير الموقف الذي يقارن بين حال المقاومة وأحوال العدو الإسرائيلي، لم يذهب القول إلى حدّ المبالغة، التي تضيف إلى قدرة المقاومة، قدرات ليست ظاهرة للعيان، ولا ماثلة على حدود الميدان. الأمر الوحيد الذي حاز على ثقة عالية في التقدير، هو الاعتقاد الجاد بأن المقاومين تجهزوا لإدارة قتال فعّال ومؤثر ومستدام، وبأنهم عقدوا العزم على إنزال الخسائر الواضحة الملموسة في صفوف قوات العدوان، وبأنهم وطّنوا النفوس على الذهاب في تنفيذ خطط التصدي والدفاع عن الأرض، إلى مراتب بذل الأرواح.

لن يكون من الإنصاف، الآن وغداً، التوقف أمام أداء المقاومة انطلاقاً من فرضيّات، أو تأسيساً على رغبات، بل سيظلّ المنصف ميدانيّاً، التوقف أمام مستوى الاستبسال الذي بذله المقاومون، وأمام وعْيهم لحدود ما يستطيعونه، وأمام أساليب قتالهم المرنة، التي تلاءمت وما يملكونه من وسائط القتال.

على هذه الجادة، يقع موقع فَهْمٍ وعِلْمٍ، أسلوب إدارة المقاومين لقتالهم من الحركة، ولنقل، أنهم يواجهون بأسلوب حرب “الفدائيين” التي تعتمد الكمائن والألغام، والمفاجأة والاشتباك السريع، والانتقال المرن من موقع أول إلى مواقع تبادلية عديدة، مختارة بعناية، وملائمة جغرافياً، لما تقتضيه شروط المناورة السريعة. من شأن هكذا مواجهة، أن تقلّص قليلاً من حجم الفجوة بين وسائل العدو وممكناته، وبين وسائل المقاومة وضروراتها، مما يطيل زمن المعركة، أي مما يعكس رغبة العدو الذي يريد حرباً سريعة وحاسمة، توصل المقاومين إلى حافّة التشتت الواقعي، الذي يعادل الاستسلام. إذن، بين طلب الحسم السريع من قبل العدو، وعمل المقاومين من أجل قلب معادلة زمن العدو ومواقيته، تحضر السياسة التي يختصرها سؤال المراقبين: هذه هي الحرب، لكن ماذا عن اليوم التالي؟

اليوم اللبناني التالي:
نترك اليوم التالي الإسرائيلي للذين ينتظرون مآل حرب حكومتهم اليمينية المتطرفة. هذا شأن داخلي تقرره إرهاصات المجتمع في إسرائيل، وعلى هذه الإرهاصات أو على تداعياتها، ستقوم سياسات حيال الداخل وحيال الجوار، الذي لن يكون بمنأى عنها.

الانشغال اللبناني باليوم التالي، ليس واجباً مؤجّلاً للغد، بل هو واجب عملي اليوم، لارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالمسافة المصيرية التي يجتازها وضع اللبنانيين.

تفرض المعركة الدائرة على امتداد الجغرافيا الوطنية، تقديم الأهم على المهم. الوقوف أمام مهمة القيام بالضروري والممكن من الإجراءات، بديلاً من الاستغراق في سياسة الشروط والشروط المقابلة، التي تبدو مستبعدة من جداول الأعمال.

لقد أظهر اللبنانيون توافقاً شبه شامل حول شجب العدوان، وحول إدانة العدوانية الإسرائيلية. هذا موقف وطني مبدئي جامع، يؤسس لمواقف لاحقة يشدّ عصبها الشعور الجمعي الوطني، الذي يستشعر الخطر على العموم، فيواجه باجتماع الخصوصيات حول ضرورة التصدي له. وقد أظهر اللبنانيون امتناعاً عن اتخاذ موقف سلبيّ من القتال الذي تديره المقاومة، وهذا بدوره عامل تقارب وطني إضافي، يجب أن يكون له ما يوازيه عند الاقتراب من إعادة بناء اللحمة الوطنية بناءً لا تغيب عنه قراءة المرحلة الصعبة، ولا تغيب عنه قراءة خلاصاتها ونتائجها.

وقد بادر اللبنانيون، إلى الالتفاف حول مأساة النازحين الذين اضطروا إلى مغادرة بلداتهم، وإلى تقديم المساهمات المتنوعة لاحتواء أثار النزوح، وفي ذلك أكثر من إشارة إلى حقيقة الروابط الوطنية التي تجمع بين اللبنانيين، على هامش الاختلاف السياسي، وعلى الرغم من تباينات المواقف.

وعليه، استكمال الاستجابة الوطنية بالموقف وبالممارسة، يجب أن يفتح الباب أمام الاقتراب من ضرورات السياسة التي تعزّز تطوير المناخ الوطني العام الذي نجم عن ضغط آلة الحرب الإسرائيلية. ليكن، في هذا المجال، كل نقاش مسموح، ولتكن كل العناوين مطروحة، هذا لأنه في انفتاح تبادل الهواجس انفتاح على أفق تفاهم أرحب، يسقط ما ينحو إليه الخطاب السياسي عموماً، من تشدّد ومن جمود، ومن حراسة، بالقول والعمل، لركود المواقف.

في سياق السياسة هذه، يجب أن يكون مفهوماً، أن لا تفويض لأحد في إدارة شؤون الآخرين، ولا حقَّ لأحد في فرض رؤيته وأدائه على السياق السياسي العام. شرح القول هذا، للبنانيين آراء عديدة في الحرب المستعرة حالياً، من بدايتها إلى لحظتها الحالية، وهذه يجب أن تكون مسموعة ومحترمة من قبل “فريق” المقاومة، ويجب أن يكون معلوماً، أن غض الطرف عن اليوميات القاتلة الآن، لا يشكل وكالة لأحد، بإدارة اليوميات أو بتقرير مجرياتها. اللبنانيون في حالة شراكة، هذا إذا اعترف فريق المقاومة بهذه الشراكة، ولأن الأمر كذلك، فإن من حق الشريك، أو الشركاء، أن يقدموا عنواناً للصراع الدائر، من قبيل: حماية لبنان، ودرء الأخطار عن البشر وعن الحجر وعن المصير، ولهم أيضاً، أي للشركاء، أن يقترحوا إدارة بديلة لشكل الصراع الدائر، إذا كان في ظنهم أنها الإدارة الأجدى والأقل ضرراً. هل يعني هذا، إن القول المؤجل اليوم، سيكون غداً قولاً معجَّلاً؟ الجواب بالإيجاب، وعلى النقاش اللاحق، أن يكون صريحاً وشفافاً ومسؤولاً ومقبولاً، ما دام كل قول يدور في فلك الوطنية التي يجهد اللبنانيون لإعادة استكمال مسيرتها.

نستنتج غداً، لنتعلم. نناقش غداً، لنصل إلى قواسم مشتركة. نجسّد النتائج الإيجابية في إطار عملية بناء دولتية، طلباً لاستقامة شؤون لبنان، كوطن ناجز بين الأوطان… هذا في سياق الانبعاث الذي لا سبيل إليه إلاّ سبيل تجاوز أخطاء وخطايا الماضي القريب، والبعيد… أما أوهام سيادة الخصوصيات، وأوهام غلبتها، فستكون دائماً أمام طريق مسدود… في بلد قد يتعذّر استمراره وجوده بين البلدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى