لذا ليس بالأمر البسيط ان تنتهي”حقبة” او تاريخ مليئ بسياسة القمع والقتل والتصفية والاعتقال، وتكبيد أكثر من مليون ومئتي الف شهيد، وعشرات الاف المعتقلين والمفقودين في غياهب سجون لم تعرف جميعها بعد، ومقابر جماعية سيكشف عنها في الايام القادمة ما “يشيب لها الولدان” على حد قول المثل الشعبي السوري.
الشيء الوحيد الذي “انتصر” به هذا النظام طيلة حكمه انه استطاع بقبضته الامنية الحديدية أن يمسك بسورية ويبني منظومته المخابراتية ويفني في اقبية السجون الحياة السياسية، بإعتماده سياسة التخويف والتخوين لكل من يعارض او يدلي بصوت اعتراضي للواقع “الشامي”.
وذلك خلافاً للقاعدة التي على اساسها تأسست الدولة ووضعت الدساتير وسنت القوانين،
انما في الواقع السوري بدلاً من أن تكون الدولة، كيانٌ وسيط ينظم العلاقات المتداخلة بين أفراد المجتمع وفقًا لقوانين مستمَدة من القيم المجتمعية والأعراف أمست في عهد حكم آل الأسد منظومة الفرد وتسخير كامل الدولة لمآرب الحاكم وزبائنيته.
وبالعودة الى المشهد السوري في الايام القليلة الماضية بدى المشهد راقياً، واعطى اطمئنانية لغدِ سوري مشرق خلافاً لكل مشاهد الانقلابات والثورات في الوطن العربي، فلم تسلك المعارضة السورية مسلك تفكيك كل شيء، المؤسسات الحكومية والادارية والاملاك الخاصة والعامة كما حصل في العراق ابان سقوط نظام صدام حسين، وكما حصل في ليبيا مع سقوط معمر القذافي، انما سلكت طريق المحافظة على المؤسسات وتسيير أمور الناس بما يضمن مرحلة انتقالية بعد اسقاط رأس النظام، ما يعيد الى الاذهان المشهد المصري بعد سقوط محمد حسني مبارك، وفوز الاخوان المسلمين في الانتخابات، وفور وصول محمد مرسي لسدة الرئاسة تاهت مصر في نفق السيطرة على الدستور وعلى القانون بما يضع مصر في نفس الدوامة السابقة، هنا عاد المصريون والتفوا حول الديكتاورية القديمة بوجهها الجديد.
فالسوريون اليوم امام امتحان صعب جداً بين ان ينجحوا في بناء “سورية الجديدة” كدولة مدنية ديمقراطية عادلة او أن يعودوا الى الدوامة والتوهان في غياهب جديدة، من افكار الغائية تسنها نشوة الانتصار وتصك دساتيرها حب الأنا والشخصنة وانتهاز الفرص لتعويم تيارات واحزاب سياسية دينية للانقضاض على الحكم بصيغة الدستور والديمقراطية ثم الدخول في دوامة الصراع الدموي على السلطة.