خبر عاجلسياسة

عون في الرياض: تدخل سعودي جديد أم شراكة غير متكافئة؟

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

عون في الرياض: تدخل سعودي جديد أم شراكة غير متكافئة؟


فرح سليمان
في مشهد ليس بغريب على السياسة اللبنانية، حطّ الرئيس جوزيف عون في الرياض، في زيارة تحت عنوان “تعزيز العلاقات اللبنانية-السعودية”، لكنها في جوهرها تثير أسئلة جوهرية حول حقيقة هذا الدور السعودي في لبنان، وهل هو دعم سياسي واقتصادي، أم تدخل مباشر يفرض أجندات محددة على القيادة اللبنانية؟

لطالما لعبت السعودية دورًا في السياسة اللبنانية، لكن هذا الدور شهد “تذبذبات” بين الدعم المباشر والتراجع المشروط بحسب مواقف القوى السياسية الداخلية وتوازنات الإقليم، ومع انتخاب عون رئيسًا، جاء البيان المشترك السعودي-اللبناني ليؤكد من جديد على نهج الرياض في محاولة إعادة ضبط السياسة اللبنانية وفق رؤيتها الخاصة، من خلال بنود جدليّة تتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، والتذكير بضرورة انسحاب الإحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وكل ذلك في سياق لا يخلو من التناقضات السياسية.

التدخل السعودي في القرار اللبناني

من الواضح أن زيارة عون تأتي في سياق تقارب لبناني-خليجي، تحت شروط سعودية واضحة، أبرزها:
-دعم سيادة لبنان واستقراره، مع التشديد على ضرورة تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
-تأكيد أهمية حصر السلاح بيد الدولة، وهو موضوع يثير نقاشًا داخليًا نظرًا لتعقيداته السياسية والأمنية.
-إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية، بعد فترة من التوتر أثرت على حجم التبادل التجاري بين البلدين.
من الواضح ارتباط الدعم بشروط سياسية واضحة، حيث تحاول إعادة لبنان إلى دائرة النفوذ الخليجي بعد أن شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في الدور السعودي لصالح قوى أخرى، سواء عبر تعزيز الحضور الفرنسي أو عبر النفوذ الإيراني المستمر في دعم حلفائه داخل لبنان.

لكن المفارقة تكمن في أن السعودية نفسها لم تعد تمارس دورها السابق كداعم اقتصادي مطلق للبنان، فالمساعدات الخليجية باتت مشروطة بإصلاحات سياسية محددة، والمملكة لم تعد مستعدة لتمويل النظام اللبناني القائم من دون مقابل سياسي واضح، فهل يمكن اعتبار هذا “دعماً” أم أنه تدخل مباشر في رسم السياسات الداخلية للبلاد؟

البيان المشترك: تناقضات في المضمون والممارسة

عند تحليل بنود البيان السعودي-اللبناني، نجد أن الكثير من النقاط تبدو أقرب إلى الشعارات السياسية وأبرز هذه البنود:

-بينما يُفترض أن يكون الحديث عن انسحاب الإحتلال من الأراضي اللبنانية مطلبًا لبنانيًا مشروعًا، فإن البيان المشترك اكتفى بتكرار مطالب دبلوماسية عامة من دون أي تحرك فعلي.

-إن المطالبة بحصر السلاح في يد الدولة تعتبر من البنود الأكثر مفارقة، لكن فكيف يمكن للدولة اللبنانية تنفيذ هذا المطلب في ظل غياب الدعم العسكري والاقتصادي الحقيقي؟

وفي هذا السياق، يشير البيان إلى أهمية علاقة لبنان بمحيطه العربي، وهو أمر بديهي، لكن المشكلة تكمن في أن هذا الطرح يتجاهل حقيقة أن السعودية نفسها هي من قادت سياسة “التخلي عن لبنان” خلال السنوات الأخيرة، عبر سحب الدعم المالي والاقتصادي، وفرض مقاطعة غير رسمية عليه بعد تفاقم الخلافات السياسية.

الورقة السعودية: دعم أم ابتزاز؟

تتحدث السعودية عن دعم لبنان، لكنها في المقابل تربط هذا الدعم بتنفيذ أجندات سياسية معينة، أبرزها إعادة تموضع لبنان في المعسكر الخليجي، وهو ما يعني عمليًا فرض قيود على السياسة الخارجية اللبنانية.

الحديث عن استئناف التبادل التجاري بين لبنان والسعودية يعكس ازدواجية واضحة، فالمملكة التي أوقفت الاستيراد من لبنان بشكل مفاجئ بسبب خلافات سياسية، تعود اليوم لطرح الأمر وكأنه “منحة سعودية”، متجاهلة الضرر الاقتصادي الذي سببته سياساتها في السنوات الأخيرة.

لبنان بين المحاور: أين القرار السيادي؟

ما يثير التساؤل هنا، هو إلى أي مدى يمكن للبنان أن يحافظ على قراره السيادي في ظل هذا الكم من الإملاءات الخارجية، سواء من الرياض أو غيرها؟

السياسة اللبنانية أصبحت رهينة التوازنات الإقليمية، حيث تتحكم العواصم الكبرى بمستقبل البلاد أكثر من الطبقة السياسية المحلية نفسها.

زيارة عون إلى الرياض قد تكون محاولة لاستعادة الدعم الخليجي، لكنها تأتي بثمن واضح، وهو الخضوع للشروط السعودية التي لا تتوافق بالضرورة مع المصلحة اللبنانية الشاملة.

استمرار التدخل الخارجي، سواء من السعودية أو غيرها، يعني أن لبنان سيبقى عاجزًا عن بناء سياسة مستقلة تحرره من دوامة المحاور والصراعات الإقليمية.

قد تبدو هذه الزيارة خطوة إيجابية على مستوى إعادة فتح قنوات التعاون بين لبنان والسعودية، لكنها في جوهرها تعكس استمرار النمط التقليدي في العلاقات بين البلدين، حيث تتحكم السعودية في المشهد اللبناني عبر شروط سياسية محددة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى