تفتيت لبنان هدف إسرا…..ئيل.. والمقاو…مة ضرورة وطنية..!
جميل الحسيني / مناشير
واجه لبنان منذ إعلان الاحتلالين البريطاني والفرنسي ما يسمّى “دولة لبنان الكبير” في العام ١٩٢٠ حتى اليوم، اختبارات صعبة ومفصلية، وجرى معظمها تحت عنوان “معركة الهوية والمصير”، ولكنها كانت في الواقع حروباً داخلية موّلتها وأدارتها جهات خارجية بهدف منع لبنان من الاستقرار في هويته والقدرة على تحديد مصيره ومستقبله.
وبنتيجة هذه الاختبارات شهد هذا البلد الصغير بمساحته والكبير بميزاته الجيوسياسية والمتّسع باستهدافاته الدولية تحوّلات عديدة ارتباطاً بالتطوّرات الحاصلة على مستوى المنطقة والعالم، ولكن دون ان يصل بالفعل إلى تشكيل بوتقة وطنية واحدة في المنطلقات والأهداف والكيانية الموحّدة، فقد أدخل تشابك المصالح الدولية لبنان في دائرة صراع مستمر بهدف جعله ساحة خلفية للكيان الاسرائيلي المصطنع، وهنا تكمن المشكلة الرئيسية التي لم تتح للبنانيين فرصة تنظيم نقاط الالتقاء – وهي كثيرة ووافرة – لبناء لبنان الوطن.
كان المطلوب وفق التخطيط الأوروبي أولاً والأمريكي تالياً سلخ هذه البقعة الجغرافية الفريدة عن محيطها العربي والاسلامي وتحويلها إلى محطة ترانزيت دولية تجتمع فيها طرق السياسة، وتحتل فيها “إسرائيل” موقع الدينامو المحرّك لعجلة الاقتصاد.. والهيمنة، وكان لبنان يعدّ القطبة الأضعف في الثوب العربي ويشكّل في الوقت ذاته الخطوة الأفضل للبدء في مخطط الهيمنة بالاستفادة من اختلاف عناصره الدينية والعرقية والثقافية، ولكن حسابات الحقل الغربي لم تنطبق ابدا على حسابات البيدر اللبناني.
وعلى الرغم من طبيعة لبنان كنقطة جذب محورية في خارطة الصراع الدولي إلا أنه بقي عصياً على إمكانات الحسم، وتحوّل بفعل المقاومات على اختلاف هويتها الوطنية والاسلامية إلى عقبة كاداء أمام تطويعه وإلحاقه بالركب الإسرائيلي، واستطاع أن يفرض نفسه رقماً صعباً ضمن التوازنات الدولية خصوصا بعد أن أفشل أهداف الحروب الإسرائيلية على مدى أربعين عاماً وانتزع تحريراً مدوّياً كان يعدّ حلماً غير قابل للتحقّق وبدون شروط او ترتيبات عسكرية أو أمنية، وثبّت ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة.
لم يأتِ هذا الانجاز على أهميته الاستراتيجية مدعوما بإجماع لبناني، وهذا أمر متوقّع نظراً لتعدّد الولاءات الخارجية والمرتبط بعضها بالأجندة الأمريكية – الاسرائيلية، إلا أن أثر هذا الانجاز جاء لصالح كل الوطن وسيادية قراره وتحرير أرضه وانتزاع حقه في استثمار ثرواته المائية والنفطية، ومنع “إسرائيل” من استهداف لبنان على مدى ١٨ عاماً، بما يكرّس المقاومة بهويتها وانتمائها خياراً استقلالياً جامعاً لكل فئات المجتمع اللبناني.
يحاول العدو اليوم باستباحته الإجرامية والتدميرية الشاملة للبنان ضرب الميزة الجامعة للمقاومة من خلال تطييفها وحصر خطابه الدعائي في جهة واحدة سعياً لبث الفتنة بين شرائح المجتمع اللبناني، ولصرف الأنظار عن إخفاقاته في ميدان المواجهة البرية، ولئن تجلّت بعض مظاهر الوحدة الوطنية في احتضان النازحين من قبل مختلف المناطق على امتداد الوطن، إلا أن المطلوب وقفة واحدة موحّدة سياسية وشعبية وحتى عسكرية لمواجهة هذا العدوان الذي يستهدف كينونة لبنان بذاته، فالمقاومة لم تكن يوماً إلا فعلاً وطنياً كاملاً ومصداقاً عملياً لشعارات السيادة والاستقلال.