خبر عاجلسياسةمقالات

القوات والكتائب والحسابات القاصرة.. قراءة هادئة في المواقف

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

القوات والكتائب والحسابات القاصرة.. قراءة هادئة في المواقف

خاص مناشير
يعزّ على من قضى حياته “متأبطاً” بالثوابت التي وضعها المؤسس الراحل الجدّ بيار الجميل، وجعلها مسارات راسخة على طريق بناء لبنان الوطن والعائلة، أن يرى هذا الإرث الكبير وهو يذوي حتى كاد لا يُرى إلاّ بالتفحص البصري المركّز والتمحيص الفكري العميق، فالمشروع الذي نادى به الرئيس بشير الوعد والمستقبل على كامل مساحة الـ 10452 كلم2 تحوّل الآن إلى مشروع كولونيالي بعناوينه الاستراتيجية والسياسية والثقافية وكذلك الجغرافية، ولا نقصد هنا مقولة الدولة المسيحية “من المدفون إلى نهر الكلب”، بل هي “المقاطعة الريفية” التي يُزار فيها ساكنها وهو لا يزور أحد، في وقت بات فيه المسيحيون بأمسّ الحاجة إلى من يلملم شتاتهم المبعثر بين أحزاب وتيارات.. ولا أمّ فرنسية حنون تجمعهم ولا أبٌ أمريكي يبكي عليهم.

إن أي متتبع للمواقف المتعلقة بالتطوّرات المتسارعة في الساحتين المحلية والإقليمية، والتي يطلقها كل من حكيم القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وفتى الكتائب اللبنانية سامي الجميّل، ولا مجال لذكرها أو تعدادها، يتلمّس بوضوح ضياع بوصلة الاتجاهات والثوابت السياسية المسيحية في لبنان، ولعلّها المرة الأولى التي يعاني فيها المسيحيون بهذا القدر من فوضى التشتّت بفعل ابتعاد المسؤولين عن اتّباع نهج ثابت يقدّمون فيه رؤيتهم لأي لبنان يريدون؛ فلقد أثبتت التجارب أن لبنان لا يمكن أن يُحكم بشكل انعزالي من أي فريق فيه على ضفتي المذاهب الاسلامية والمسيحية، ولعلّ من المفيد هنا أن نستحضر التجربة الشجاعة التي حاول فيها بشير الجميل أن “يلبنن” القضية بمعزل عن الاتجاهات الحاكمة على المسرحين الإقليمي والدولي، لكنه لم يكن بالقوة التي تجعله يستطيع أن يفرض منطقه “الملبنن”، فرحل بدمه، ليأتي بعده نهج الانفتاح الواقعي على المحيط العربي والدولي مع خلفه وشقيقه أمين، وتعود فسيفساء السياسة الداخلية لتفرض نفسها على النسيج اللبناني.

ترخي التعقيدات غير المسبوقة التي يمر بها لبنان بثقلها على الجميع، وسط محيط ملتهب سياسياً وعسكرياً وضغط اقتصادي مثقل بالأزمات المعيشية، وحال شبه ميؤوس منها في إيجاد حلول ناجعة مع شغور مستطيل لموقع رئاسة الجمهورية، واجتهادات حكومة تصرّف الأعمال، ومجلس نيابي يعجز حتى الآن عن تجميع الأصوات الكافية لحسم موقعة انتخابات الرئاسة.. ولكن هذه العقبات الوجودية للبنان الوطن لا تسوّغ عشوائية المواقف التي تستعيد لغة الاستعداء ورفض المكوّنات الطائفية والسياسية الأخرى التي لا سبيل لإلغائها بأي شكل من الأشكال، حتى لو جاءت هذه المواقف من باب التسجيل للتاريخ وفق معادلة وليد جنبلاط، لأن تحوّلات الوضع اللبناني الديمغرافية والسياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، والتبدّل الهائل بموازين القوى لدى الأطراف الفاعلة، من شأنها – في حال مواجهتها بالتعنّت – أن تأخذ بالبلد إلى تموضع مختلف عما كان قبل توقيع اتفاق الطائف، ممّا يستلزم قراءة واقعية لا تلتقي مع مواقف الإلغاء و”تنفير” الشريك اللدود في الوطن.

إطلاق التصريحات على عواهنها لا يكفي لحل المشكلة، فلا بد من تقديم طرح عملي فعلي لإخراج لبنان من عنق الزجاجة

صحيح أنه لا بد من إبقاء لبنان بمنأى عن أي خطر أو استهداف، وصحيح أن على الحكومة التي تتحمّل مسؤولية البلد وابتداع الحلول لرفع المعاناة عن كاهل اللبنانيين، وصحيح أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الضامنة الوحيدة حتى الآن للاستقرار الداخلي بسلاحه وانتشاره وسيطرته، ولكن إطلاق التصريحات على عواهنها لا يكفي لحل المشكلة، فلا بد من تقديم طرح عملي فعلي لإخراج لبنان من عنق الزجاجة، ولا يكون ذلك إلا من خلال معالجة الملفات المصيرية بأكبر قدر ممكن من المشتركات، كما أن الهجوم على حزب الله أو الحكومة ورئيسها أو على سائر المؤسسات، أو على الأخصام السياسيين من المسيحيين لن يؤدي إلى تحريك عجلات الحل المنتظر من واشنطن أو باريس أو الرياض، وليس مجدياً أن نكون كمن يصيح في وادٍ سحيق ومقفر لا تصل فيه صيحاتنا إلا إلى آذاننا، وعليه فلا حاجة بنا إلى انتظار الكنيسة البعيدة لتعالجنا فلعلّ الشفاء في كنيستنا القريبة، والمثل يقول: “الجمرة ما بتحرق إلا محلّها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى