الاتصالاتُ في لبنان: قطاعٌ يلفظُ أنفاسَه!
كتب زياد العسل في الأفضل نيوز
طالما واجهَ لبنان شبحَ الانهيار التّام للاتّصالات، وسطَ دولرة القطاع وعدم استطاعةِ شريحةٍ كبيرةٍ من اللُّبنانيين، على تعبئة خطوطهم مع ما يستلزم من “دولارات” وفق المنصّة، الأمر الذي بات يعادل راتبًا شهريًّا كاملًا، للموظّف المُنهكِ هذه الأيّام من تبعات الأزمة الاقتصاديّةِ، وهذا ما ترك تداعياتٍ سلبيّةً على القطاع برمّته،وقد ألمحَ وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم في وقت سابقٍ، ثمةَ قلقٌ جديٌّ على القطاع، ومشكلة الكهرباء والتذبذب في سعر صرف العملة الوطنيّة، قد يطيحُ بالزّبائن، على مساحة كلّ الوطن.
يميّز القرم في حديثه بين واقع مختلف لشركتيalfa و touch, وبين الاتصالات الدّاخلية التي تُدار من قبل شركةِ أوجيرو.
إضرابُ موظّفي هيئة أوجيرو وفق المعلومات الذي يعزوه البعض إلى مشاكل تقنيّة وسوى ذلك، هو أبعدُ من رمّانة المشاكل التّقنية، بل قلوب تأذّت من الأزمة والانهيارات المتتالية، فالبعض لم يعد يستطيع الوصول لعمله جرّاء اضمحلال قيمة العملة، وبحسب الموازنة جرى رصد 48 مليار ليرة (نحو 1.4 مليون دولار) لهيئة أوجيرو، وهو مبلغ لا يكفي لشراء المازوت لفترة قصيرة لتشغيل مولدات الكهرباء، وبسبب توقف معظم محطات الطاقة الحكومية في البلاد نتيجة شحِّ الوقود، يلجأ اللبنانيون إلى تأمين الكهرباء من مولدات خاصة، لكن كلفتها تُعدُّ باهظةً جداً مقارنة بكهرباء المحطات الحكومية، 1.4 مليون دولار مخصصات أوجيرو لهذا العام وهي لا تكفي لشراء الوقود لتأمين الكهرباء، هذا وتبلغُ كلفة استيراد خدمات الانترنت أكثر من 6 ملايين دولار، مع عدم قدرة على تأمين هذا المبلغ، جرّاء عدم توفّر المبالغ الكافية في مصرف لبنان من العملة الصّعبة.
تبلغُ حصّة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات معاً نحو 3% فقط من مجمل الناتج المحلّي الإجمالي، وتساهم الاتصالات بخلق نحو 4 آلاف فرصة عمل مباشرة، وفقاً “لرؤية ماكنزي” التي أُعدّت عام 2018, ويقول وسيم منصور خبير الاتصالات ومدير شركة touch السابق في هذا السّياق”:
يستطيع هذا القطاع أن يتوسّع في ظلِّ وضع اقتصاديٍّ وماليٍّ سليم، وصولاً إلى تحقيق إيرادات تتراوح بين 4 و6 مليارات دولار سنوياً إذا فُتِح أمام المزيد من المنافسة والابتكار، وهو ما قد ينعكس في زيادة حجم حصّة الخزينة العامّة من مجمل إيراداته، بالإضافة إلى خلق آلاف الوظائف المرتفعة الأجر والتي تتطلّب عمالة ماهرة، فضلاً عن تقديم خدمات أكثر فعالية تزيد الإنتاجية في القطاعين العام والخاص.
لكن و للأسف مازلنا نعيش حتى اليوم في «سيناريو المؤقّت»، المستمرّ منذ 20 عاماً، والذي أدّى إلى تكبيل تطوّر القطاع، فيما المطلوب هو الخروج من هذه الدوّامة، وإطلاق القطاع للحاق بالتطوّرات المتسارعة عالمياً، بما يسهم في نموّ الاقتصاد وفتح المنافسة وتحرير عملية الإبداع.
في وقت سابق قال مرجع مقرّب من الوزير القرم لوكالة الأناضول، إنَّ “تعديل الأسعار هدفه منع انهيار القطاع، وكان لا بدَّ منه تماشياً مع ارتفاع أسعار المحروقات وهبوط قيمة العملة المحلية مقابل الدولار”.
السياسة التي حكمت قطاع الاتصالات، و خصوصاً الخليوي، منذ أكثر من ثلاثين سنة، تنبع من حقيقة واحدة ومُحدّدة: انطواء قطاع الاتصالات على أهمّية كبيرة كونه يلعب دوراً حيوياً ومحورياً في تعاملات الناس اليومية وتطوير القطاعات الاقتصادية وخدماتها. سمح هذا الواقع لقطاع الاتصالات بتوليد إيرادات عالية جدّاً، لا تقل عن 17 مليار دولار في لبنان خلال العشر سنوات الماضية (تحديدًا بين عامي 2010 و 2020) وفقاً لبيانات تقرير ديوان المحاسبة الصادر في شهر نيسان/مايو من العام الجاري. لكن طوال هذه الفترة، بدلاً من استخدام هذه الأموال لتطوير الاتصالات والقطاعات الاقتصادية الأخرى، استُعملَت هذه الإيرادات لتمويل الإنفاق المُسرف وغير المنضبط للحكومات اللبنانية المُتعاقبة ونظام الزبائنية والمحسوبيات الذي يقوم عليه نظام ما بعد الحرب.
“الأفضل نيوز” وفي سياق متابعة رأي البقاعيين بغلاء الاتصالات، عاينت عن كثب، حيثُ إنّ الأمر بات غير سهل وفق ابو هيثم من بلدة راشيا، الذي يؤكد عدم استطاعته “تشريج هاتفه” شهريًّا، فالمبلغ المطلوب ليقوم بتعبة الخدمة التي كان يستهلكها، والمتمثّلة ب”20g” شهريّا باتت تلكفتها تقارب المليون ونصف المليون ليرة لبنانيّة، فماذا عمّن يضطرُّ بحكم عمله لتعبئة أكثر من مرّة واحدة.
معتصم وهو صاحب محل للهواتف على طريق عام بلدة برالياس، يؤكّد أنَّ الزبائن باتوا قلّة، والأمر يقتصرُ اليوم، على بضعة دولارات يشتريها الزّبائن بشكل شبه أسبوعي للاتصالات المهمّة، مع تدنّي شراء “التشاريج” الكبيرة، إلا لمن يحتّمُ عليهم عملهم هذا الأمر.
خلاصةُ الأمر إنّ القطاع في خطر، والمستهلك أيضًا، ليبقى السّؤال المركزيّ الذي يطفو على بساط البحث:
هل ستكتفي هذه الحكومة “بالتّفرج” على انهيار القطاع، وحلم اللُّبنانيين بالتّواصل مع سواهم في وقت قريب. قد تحتاجُ الإجابةُ لردٍّ نجيب