ادانة عميد وملازم اول وعناصر في قضية فرار موقوفين من النظارات.. منح امتيازات لموقوفين..

كتبت لور أيوب في المفكرة القانونية
حكمت المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت برئاسة العميد وسيم فيّاض الإثنين في 24 آذار 2025 على 24 ضابطًا وعنصرًا في الأمن العام في قضية فرار الموقوف فايز العبد من نظارة دائرة التحقيق والإجراء في بيروت في 10 أيّار 2024. وهذه ليست القضية الوحيدة لفرار سجناء التي ينظر فيها القضاء العسكري، إذ رصدت “المفكّرة” أربع قضايا أخرى تتعلّق بتسهيل فرار سجناء بين 2021 و2024 حيث تبيّن منح بعض الموقوفين امتيازات مقارنة مع غيرهم وتلقّي رشاوى من قبل عناصر من الأمن الداخلي وأمن الدولة.
وكان العبد، وهو سوري الجنسية، موقوفًا في شبهة جناية الاتجار بالمخدرات والترويج لها، وبقي قيد الاحتجاز في الأمن العام لنحو تسعة أشهر قبل أن يتمكّن من الفرار من النظارة مستخدمًا المفاتيح. وانتشرت معلومات صحافية حينها تفيد بأنّ العبد تمكّن من الهروب من لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي وتوجّه إلى تركيا.
وخلال جلسة المحاكمة الإثنين التي خصّصت للمرافعة، استمعت المحكمة إلى إفادة شاهد، هو رئيس شعبة النظارة النقيب ج. إ. الذي أعرب عن اعتقاده بأنّ العبد تمكّن من الفرار بمساعدة من داخل النظارة، وكشف أنّه كان من الموقوفين المحظيين في النظارة إذ كان يتمتع بامتيازات عن باقي السجناء ويتحرّك بحرّية بين الزنزانة ومكاتب الضباط.
وكان مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي قد ادّعى على عناصر الأمن العام في هذه القضية إضافة إلى العبد، وأحالهم إلى المحاكمة أمام المحكمة العسكرية.
فأدانت المحكمة العقيد أحمد الأسعد المدّعى عليه بإساءة استعمال السلطة وإهمال القيام بواجبات الوظيفة و”إتلاف برقية نقل السجين إلى سجن القبة”، فحكمت عليه بالحبس شهرًا. كما أدانت الملازم أوّل ستيفن رويل المدّعى عليه ب “تسهيل فرار الموقوف بجرم من نوع جناية”، فحكمت عليه بالحبس لمدّة شهرين. وأدانت المفتش أوّل حسين الأسعد، المدّعى عليه بالتماس الرشوة للقيام بأعمال تتنافى مع الوظيفة وعلى تسهيل فرار العبد، فحكمت عليه بالحبس لثلاث سنوات مع الأشغال الشاقّة والتجريد من حقوقه المدنية، بالإضافة إلى غرامة بقيمة مليون ليرة، علمًا أنّه المدّعى عليه الوحيد الذي كان موقوفًا لدى إصدار الحكم. أما العناصر الـ 21 المدّعى عليهم بالإهمال الوظيفي ومخالفة التعليمات العسكرية، فحكمت على 11 منهم بغرامة بقيمة 300 ألف ليرة، فيما أبطلت التعقّبات في حق 10 عناصر. ولم تتمكّن “المفكّرة” من الاطّلاع على مضمون الحكم لمعرفة مواد الإدانة والأسباب التي استند إليها، علمًا أنّ المحكمة العسكرية نادرًا ما تعلل أأحكامها. أمّا بالنسبة للموقوف الفار فايز العبد المدّعى عليه بجرم “دفع رشوة لموظفين في الأمن العام” والمتواري عن الأنظار، فقرّرت المحكمة فصل ملفّه وتحديد جلسة للنظر في قضيته في 14 تمّوز 2025.
زنزانة للموقوفين المحظيين
في جلسة المحاكمة الأخيرة التي عقدت يوم الاثنين 24 آذار، استمعت المحكمة العسكرية إلى شهادة النقيب ج. إ.، رئيس شعبة نظارة دائرة التحقيق والإجراء في الأمن العام، حول أوضاع الموقوفين داخل الزنازين ودوره في إدارتها. جاءت الجلسة بعد استجواب سابق للعناصرالمدّعى عليهم في جلسة عُقدت في 25 شباط 2025 من دون أن تتمكّن “المفكّرة” من مراقبتها.
وخلال شهادته، أفاد النقيب ج. إ. عن حصول بعض الموقوفين على معاملة خاصّة، مشيرًا إلى أنّ “ما كان مسموحًا للموقوف فايز العبد لم يكن متاحًا لغيره”. وأوضح أنّ الزنزانة رقم 1 تتميّز عن باقي الزنازين، من حيث تخصيصها للأشخاص الذين يتمّ التوصية بهم من جهات عليا، من دون أن يذكر من هي هذه الجهات، ما يمنحهم امتيازات غير متاحة لبقية الموقوفين. ووفقًا لشهادة النقيب، كان هناك موقوفين آخرين بالإضافة إلى العبد داخل الزنزانة رقم 1 خلال تلك الفترة، وجميعهم ممّن وصلت توصيات بشأنهم.
وخلال هذه الإفادة، تدخّل المتّهم العقيد أحمد الأسعد، وشرح أنّ الغرفة التي كان العبد متواجدًا فيها هي غرفة مخصّصة للموقوفين الذين يُعانون مشاكل صحيّة أو إعاقات جسدية، وكذلك المضربين عن الطعام. واعتبر أنّ التوصية تتّصل بأوضاعهم الصحّية فقط.
وتابع النقيب بأنّ نزلاء هذه الزنزانة يتمتعون بحرّية أكبر، إذ يُسمح لهم بالخروج منها أكثر من غيرهم، وباستخدام الهاتف بشكل متكرّر، بالإضافة إلى إمكانية التوجّه إلى الكشك لشراء ما يحتاجونه مرات عدّة يوميًا. وأكد النقيب ج. إ. أنّ دوره في النظارة اقتصر على الجوانب اللوجستية، مشددًا على أنّه كان يتدخّل فقط عند حدوث أعطال أو في مسائل تتعلق بمأذونيات الضباط، من دون أي صلاحية للتدخّل في شؤون الموقوفين.
تسهيلات داخلية
رجّح الشاهد أنّ فرار فايز العبد لم يكن ليحدث بسهولة لولا وجود تسهيلات داخلية، معبرًا عن استيائه من العمل في تلك النظارة بالقول: “أنا هيدي النظارة ما كنت حبها”. وأوضح أنّ السبب يعود إلى سهولة وصول الموقوفين إلى مكتبه، وهو ما كان يزعجه، إلّا أنّه لم يكن قادرًا على الاعتراض لأنّ هؤلاء الموقوفين لم يكونوا تحت مسؤوليته المباشرة. وأكّد أنّه كان يتجنّب التواصل معهم ولا يسمح لهم بالتحدّث معه بحرّية، مضيفًا: “مش طالع بإيدي شي”، في إشارة إلى عجزه عن تغيير الوضع القائم.
واللافت في شهادته، أنّه بعدما لاحظ الامتيازات الخاصّة التي كان يحصل عليها العبد، استخدم صلاحياته للاطلاع على ملفه، ليكتشف أنّه موقوف بتهمة مخالفة الآداب العامة وليس بسبب المخدرات. وعند سؤال العميد فيّاض له عمّا إذا كان قد نبّه العقيد الأسعد إلى هذه التجاوزات، أجاب باقتضاب أنّ “الأسعد كان من أكثر المقرّبين من العبد”، في إشارة ضمنية إلى أنّ العلاقة الوطيدة بينهما قد تكون حالت دون أن يتدخّل.
في إطار استكمال الاستماع لشهادة النقيب، طرح العميد فيّاض فرضيّة أن يكون فايز العبد قد سرق المفاتيح من الخزانة الموجودة في مكتب الشاهد، فأوضح النقيب أنّه بعد مراجعة كاميرات المراقبة، تمكّن من تحديد المسار الذي سلكه العبد خلال فراره، والذي حصل عند الساعة 3:40 فجرًا، وتبيّن أنّ العبد عمد إلى لفّ رأسه بسجادة الصلاة، واستخدم مفاتيح لفتح الأقفال، لكنه حين وصل إلى الباب الأخير، لم تتمكّن الكاميرات من توثيق ما إذا كان يحمل مفتاحًا أم أنّ الباب كان مفتوحًا مسبقًا، إذ لم تكن العدسات موجّهة نحوه.
وهنا تدخّل المدّعى عليه الملازم حسن سليمان، الذي ساعد النقيب في التحقيق، وأوضح أنّ “سرقة المفاتيح لم تكن لتسمح للموقوف بالخروج من البوابة الرئيسية، لأنّ مفتاحها غير موجود مع بقية المفاتيح داخل الخزانة”. أمّا العقيد الأسعد، فقدّم تفسيرًا آخر للحادثة، معتبرًا أنّ أحد الموظفين قد يكون “ترك الباب الرئيسي مفتوحًا”، ما سهل عملية الفرار، مستبعدًا أن يكون العبد يحمل مفتاحًا للباب الرئيسي الذي سلكه للخروج من النظارة.
الوكلاء يطلبون براءة العناصر
قدّم وكلاء الدفاع مرافعاتهم للدفاع عن موكّليهم. فتولّى المحامي صليبا الحاج الدفاع عن العقيد الأسعد، مشددًا على أنّ موكله “لم يخفِ البرقية المتعلقة بنقل العبد إلى طرابلس، كما ورد في التحقيقات، بل أوقفها لأنّ فصيلة الرمل غير مخوّلة بمخاطبة العمليات”. وأشار إلى أنّ الأسعد ليس مسؤولًا عن فتح الأبواب أو إغلاقها، لافتًا إلى عدم وجود أي دليل يثبت اشتراكه أو تدخّله في عملية الفرار. وعليه طلب الحاج تبرئة موكّله واستطرادًا، منحه أوسع الأسباب التخفيفية.
ومن جهته، ترافع المحامي خليل العيش عن موكّله الموقوف المفتش أوّل حسين الأسعد، مشيرًا إلى أنّه “موقوف منذ نحو عام رغم التزامه بتعليمات رؤسائه”، وأكدّ أنّ الأخير “لم يكن في نوبة مناوبته وقت فرار العبد”. وبالتالي طلب تبرئته من التهم الموجّهة إليه. كذلك ترافعت المحامية كارلا عدوان عن موكّلها الملازم أوّل ستيفن رويل واعتبرت أنّ الأخير “غير مسؤول عن فتح الأبواب ولا يوجد أي دليل على اشتراكه في فرار الموقوف” وطلبت كفّ التعقّبات بحقه واستطرادًا منحه أوسع الأسباب التخفيفية. وترافع محام عسكري عن العناصر المتبقية، وطلب إعلان برائتهم وإلّا منحهم أوسع الأسباب التخفيفية.
تعدّد قضايا فرار موقوفين من النظارات
ليست هذه القضية الوحيدة لفرار سجناء تنظر فيها المحكمة العسكرية يوم الاثنين في 24 آذار، إذ أصدرت في اليوم نفسه أيضًا حكمًا أدانت فيه عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي في سجن زحلة في قضية تسهيل فرار سجناء حصلت في 19 كانون الأول 2022. وأدانت سبعة عناصر، تنوّعت رتبهم بين مؤهّل أوّل، ومعاون ورقيب وعريف، المدّعى عليهم بـ “إتاحة فرار السجناء”، وحكمت عليهم بالحبس شهرًا. وأدانت خمسة عناصر آخرين مدّعى عليهم بمخالفة التعليمات العسكرية عبر “تزويد السجناء بأدوات أتاحت لهم إحداث تخريب داخل السجن، وقص الدفاعات الحديدية” وحكمت عليهم بالسجن لشهر واحد ودفع غرامة 600 ألف ليرة. وأدانت 19 سجينًا مدّعى عليهم بتأليف عصابة بقصد النيل من سلطة الدولة وهيبتها، وبمخالفة الأنظمة الإدارية عبر حيازة ممنوعات داخل السجن، والفرار من السجن. فحكمت على خمس منهم بالحبس لشهر واحد مع غرامة 600 ألف ليرة، فيما حكمت على اثنين آخرين بالسجن لثلاث سنوات مع الأشغال الشاقّة والتجريد من الحقوق المدنية وبغرامة قدرها عشرون مليون ليرة. وحكمت على 14 آخرين غيابيًا بالحبس 15 عامًا وبغرامة 10 ملايين و600 ألف ليرة مع التجريد من حقوقهم المدنية.
كما كانت المحكمة قد أصدرت خلال شهر آذار حكمًا في حق 5 عناصر من قوى الأمن الداخلي في ملف فرار موقوفين من مخفر غبالة في كسروان في 2024، وهي قضية حظيت باهتمام واسع، بعدما كشفت التحقيقات أنّ الضابط المسؤول عن المخفر كان يسمح لبعض الموقوفين بالخروج ليلًا من الزنزانة مستخدمين سيارته الخاصة. وقد ورد لاحقًا اسم أحد الموقوفين الذي فرّوا، فراس ميمو، للاشتباه باشتراكه في مقتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان في جبيل في نيسان 2024. وأصدرت المحكمة حكمًا بإدانة الرقيب ج. ك. والمعاون ج. ب. ل. المدّعى عليهما بتقاضي رشوة مقابل السماح للموقوفين بالخروج، وحكمت عليهما بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة ب وتجريدهما من الحقوق المدنية، إضافة إلى غرامة مالية بقيمة 50 مليون ليرة. كما أدانت معاونين آخرين مدّعى عليهما بمخالفة التعليمات العسكرية وقضت بحبسهما شهرًا، بينما أدانت رقيبًا آخر مدّعى عليه بتلقي رشوة من موقوفين وقضت بحبسه لمدّة سنة. أمّا الموقوفان الفاران فراس ميمو وباسل علوش، فصدر في حقهما حكم غيابي بالسجن 15 عامًا مع الأشغال الشاقة، بالإضافة إلى غرامة مالية بقيمة 50 مليون ليرة.
كذلك تستمر المحكمة العسكرية الدائمة للنظر في ملفات مشابهة، ومن بينها قضية فرار 67 موقوفًا من نظارة قصر العدل في بعبدا عام 2021.
كما لا تزال قضية فرار الموقوف داني الرشيد من مركز حماية الشخصيات التابع لجهاز أمن الدولة في 28 آذار 2024 قيد التحقيق لدى قاضي التحقيق العسكري ألاء الخطيب. وهي قضية كان قد ادعى فيها مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي على الرشيد بتهمة الفرار وعلى المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا وآخرين بتهم تتعلق بصرف النفوذ، واستغلال السلطة، ومخالفة التعليمات العسكرية. وكان الأمن العام قد تمكّن من إعادة توقيف الرشيد بعد ساعات من فراره وأخليَ سبيله مقابل كفالة مالية بعد استجوابه في كانون الأول 2024.