خبر عاجلسياسةمقالات

هل ينتقل السوريون من “دوامة” التخوين الى “التكفير”.. ؟ – اسامة القادري 

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

هل ينتقل السوريون من “دوامة” التخوين الى “التكفير”.. ؟ – اسامة القادري

اسامة القادري

أي زائر لسورية بعد سقوط الأسد ونظامه المخابراتي، يدرك جيداً أن ليس سهلاً على السوريين أن يطووا صفحة فظيعة ومعقدة من تاريخ سورية، بعدما أطلق سراح افكارهم وتوجساتهم وتكسرت قيود الزنازين والمسالخ البشرية في نظام “البعث” لأن تنتهي حقبة خمسة عقود ونصف لـ “أل الأسد”، (بنى فيها حافظ الأسد الأب هيكلية الحكم بهندسة أمنية معقدة أشبه بـ “بناء العقد”، كل جهاز يرتبط بالقائد مباشرة، استكملها الابن بشار الأسد الرئيس “المخلوع” بذات الاسلوب وبأقل حنكة)،  وبمجرد ان هوى سقطت كل قيادات الأجهزة والأفرع الأمنية كأحجار الدومينو في وقت قصير جداً احدى عشر يوم، بمشهدية محيرة وبإسلوب عسكري مدهش وراقي من معارضة استطاعت ان توحد نفسها تحت اسم “هيئة أحرار الشام”، رغم وجود فصائل فيها متهمة بـ”الارهاب” والتشدد الديني، ما يفتح ابواب التكهنات عن مستقبل سورية الجديدة، والتوجس من فوضى ما لم يتم احتواء ما بعد سقوط النظام. هذه التوجسات والمخاوف واضحة بل ارتفعت بعد اعلان الحكومة الانتقالية والأسماء ما اوحى بتغليب الطابع الديني على المدني، وما صرح به وزير العدل عن امكانية العمل بالقانون الذي عملوا به في ادلب.

توجسات لا يخفيها السوريون المثقلين من سياسة التخوين، والخارجين تواً من قمقم القمع كما لا يخفوا تخوفهم من ان يدخلوا “الدوامة نفسها” من بوابة سياسة “التكفير”، لأن تكون بديلاً عن حلمهم بالوصول الى دولة مدنية حضارية راقية يتعايش فيها الجميع

هذه التوجسات لا يخفيها السوريون المثقلين من سياسة التخوين، والخارجين تواً من قمقم القمع كما لا يخفوا تخوفهم من ان يدخلوا “الدوامة نفسها” من بوابة سياسة “التكفير”، لأن تكون بديلاً عن حلمهم بالوصول الى دولة مدنية حضارية راقية موحدة يتعايش فيها الجميع.

فسورية بلوحتها التاريخية هي “موزاييك” من الطوائف، سيما ان الأقليات فيها انتفضت على النظام في بدايات الثورة السورية، وبعد ان جنحت نحو الإسلام السياسي، انكفأت تلك الأقليات وانطوت على ذاتها في أكثر من محافظة وتم قمعها وتهجيرها قسراً،  في وقت أن أكثر طائفة دفعت ثمناً كبيراً هي الاسلامية (سنية) والاكبر في سورية ليس دفاعاً عن مشروع انشاء دولة اسلامية انما دفاعاً عن الحرية والديمقراطية وعن مشروع ارساء دستور وطني يضمن حرية الرأي والتعبير وحق الجميع في الحكم، وقانون للاحزاب وللحريات وقانون انتخابي حضاري عادل الكل ينضوي تحت سقفه. وبعد فشل النظام السوري لأن يبقي نفسه حاجة دولية واقليمية في ادارة الملفات، وعجزه عن اخراج “الساحة” السورية من المشروع الايراني، والعودة الى الحضن العربي، وبعد تحوّل المصالح الدولية وتبدل في التحالفات الإقليمية، تتسابق الادارة الامريكية الى انهاء العديد من الملفات الامنية في المنطقة بشكل سريع جداً ترتيباً وتمهيداً قبيل وصول دونالد ترامب الرئيس الاميركي المنتخب الى البيت الابيض في النصف الاخير من الشهر المقبل، وبحسب مصادر دبلوماسية مقربة من ادارة ترامب ان “ترامب يريد ان تكون حقبة ادارته صفر حروب، وصفر فوضى، بهدف الحصول على جائزة نوبل للسلام”.

كل ذلك اعطى المعارضة السورية نفساً أطول ودعماً أمنّ وصولها الى “قصر المهاجرين”، من خلال تحالفات جديدة اخرجت نظام الأسد من كل المعادلات، وجعلته ضعيفاً مترهلاً ما يضع سورية على سكة الذهاب الى “معسكر” جديد والى حاضنة جديدة وتحالف جديد، بدءاً من التخلي الروسي عن دعمه وعن دوره في البحر المتوسط مقابل ترتيبات لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وتقول مصادر روسية مطلعة ان الأسد عندما زار موسكو في الأيام الاولى من بدء هجوم المعارضة، تم ابلاغه ان موسكو رحبت باقتراح تقاسم السلطة بينه وبين المعارضة بما يضمن انتقال سلس للسلطة في سوريا، وذلك بتمني من ترامب شخصياً مقابل أن يعمل على انهاء الحرب الروسية الاوكرانية بناءً لشروط موسكو. هذا ما رفضه الاسد وفضل الابتعاد عن السلطة مقابل تأمين حمايته الشخصية واللجوء الانساني في موسكو.

ليس صدفة ان تستهدف طائرات الكيان الاسرائيلي جميع مستودعات ومواقع فلول الجيش السوري، على اعتبار أن الجيش القادم لسوريا لن يكون سلاحه روسياً

لذلك ليس صدفة ان تستهدف طائرات الكيان الاسرائيلي جميع مستودعات الاسلحة ومواقع فلول الجيش السوري، على اعتبار أن الجيش القادم لسوريا لن يكون سلاحه روسياً. وهذا ما يدعو المعارضة “السلطة الجديد لسورية” للإجابة على جملة من الأسئلة. حول موقفها بواقعية من الصراع العربي الاسرائيلي وتحديداً حول القضية الفلسطينية وقضية الجولان السوري المحتل، بعدما اشبع نظام الاسد السوريون والعرب شعارات المقاومة والتصدي، واذ به يفرغ ترسانته التسليحية على شعب سورية..

هذه التبدلات ادت الى تخلي الايراني عنه مقابل فك الحظر الاميركي عن 33 مليار دولار من الارصدة الايرانية في البنوك الامريكية، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم. فأرسى الاتفاق الاميركي والروسي والعربي بتكليف التركي الأقرب الى اكبر الفصائل المعارضة لسيطرتها على سورية بأقل الخسائر البشرية.

هذه العوامل جميعها مهدت لأن “تنتصر” ثورة الشعب السوري  خلال 11 يوم، معلناً سقوط النظام بهروب الرئيس بشار الاسد وفرار كل القيادات الامنية والعسكرية وعلى رأسهم شقيقه ماهر الاسد وازاحت عن كاهلهم اثقال اربعة وخمسون عاماً من القهر والذل والقمع، كان فيها الثمن غالِ جداً لإسقاط النظام المخابراتي. ما يعني ان ثورة الـ11 يوم هي امتداد لـ”ثورة الياسمين” التي انطلقت مع الربيع العربي في عام 2011، وحطمت عند السوريين حاجز الخوف مطالبة بدولة مدنية عصرية وبحرية الشعب وبتطبيق القانون، انما ارادة المجتمع الدولي كانت تصرّ الحفاظ على هذا النظام بعدما تحولت الثورة السورية الى ثورة اسلامية تطالب بنظام اسلامي، هذا ما جعل العالم ينحاز لنظام ديكتاتوري، وهذا الانحياز جعله أكثر نهماً للدم، فرمى الاف الاطنان من المتفجرات فوق رؤوس السوريين وحول سجونها وافرعتها الامنية الى مسالخ بشرية، اما بعد تبدل التحالفات وترابط المصالح الاقليمية والدولية مع سقوط الاسد، أصبح هذا النظام غير قادر على انعاش نفسه بجملة من الاصلاحات الدستورية والقانونية والامنية التي اشترطتها عليه القوى الدولية والاقليمية وأعطته وقتاً اكثر من سبع سنوات للتغيير في مسلكه، واذ به يمعن في سياسة “المراوغة” القائمة على “نعم ولكن” فاتحاً لنفسه ابواب المراهنة على تقطيع الوقت والرؤوس ظناً منه أنه حاجة اقليمية.

هذا ما جعل الاسد يسلك مساراً طويلاً من المراهنات التي باءت بالفشل فيما شعبه يقبع بين سندان الفقر والنزوح ومطرقة نظامه القمعي الميليشياوي.

لذا ليس بالأمر البسيط ان تنتهي”حقبة” او تاريخ مليئ بسياسة القمع والقتل والتصفية والاعتقال، وتكبيد أكثر من مليون ومئتي الف شهيد، وعشرات الاف المعتقلين والمفقودين في غياهب سجون لم تعرف جميعها بعد، ومقابر جماعية سيكشف عنها في الايام القادمة ما “يشيب لها الولدان” على حد قول المثل الشعبي السوري.

الشيء الوحيد الذي “انتصر” به هذا النظام طيلة حكمه انه استطاع بقبضته الامنية الحديدية أن يمسك بسورية ويبني منظومته المخابراتية ويفني في اقبية السجون الحياة السياسية، بإعتماده سياسة التخويف والتخوين لكل من يعارض او يدلي بصوت اعتراضي للواقع “الشامي”.

وذلك خلافاً للقاعدة التي على اساسها تأسست الدولة ووضعت الدساتير وسنت القوانين،

انما في الواقع السوري بدلاً من أن تكون الدولة، كيانٌ وسيط ينظم العلاقات المتداخلة بين أفراد المجتمع وفقًا لقوانين مستمَدة من القيم المجتمعية والأعراف أمست في عهد حكم آل الأسد منظومة الفرد وتسخير كامل الدولة لمآرب الحاكم وزبائنيته.

وبالعودة الى المشهد السوري في الايام القليلة الماضية بدى المشهد راقياً، واعطى اطمئنانية لغدِ سوري مشرق خلافاً لكل مشاهد الانقلابات والثورات في الوطن العربي، فلم تسلك المعارضة السورية مسلك تفكيك كل شيء، المؤسسات الحكومية والادارية والاملاك الخاصة والعامة كما حصل في العراق ابان سقوط نظام صدام حسين، وكما حصل في ليبيا مع سقوط معمر القذافي، انما سلكت طريق المحافظة على المؤسسات وتسيير أمور الناس بما يضمن مرحلة انتقالية بعد اسقاط رأس النظام، ما يعيد الى الاذهان المشهد المصري بعد سقوط محمد حسني مبارك، وفوز الاخوان المسلمين في الانتخابات، وفور وصول محمد مرسي لسدة الرئاسة تاهت مصر في نفق السيطرة على الدستور وعلى القانون بما يضع مصر في نفس الدوامة السابقة، هنا عاد المصريون والتفوا حول الديكتاورية القديمة بوجهها الجديد.

فالسوريون اليوم امام امتحان صعب جداً بين ان ينجحوا في بناء “سورية الجديدة” كدولة مدنية ديمقراطية عادلة او أن يعودوا الى الدوامة والتوهان في غياهب جديدة، من افكار الغائية تسنها نشوة الانتصار وتصك دساتيرها حب الأنا والشخصنة وانتهاز الفرص لتعويم تيارات واحزاب سياسية دينية للانقضاض على الحكم بصيغة الدستور والديمقراطية ثم الدخول في دوامة الصراع الدموي على السلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى