لم تكن إقالة الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير من منصبه، كما تروّج أوساط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فقط لأنه «كان يقوم بمهامه بالوكالة، وقد أنجز المهمة، وحان وقت تعيين بديل». فطيلة 66 يوماً من العدوان الإسرائيلي على لبنان، سجّلت الهيئة خروقات عدّة لقواعد العمل الإغاثي. بدءاً بالإهمال وانتهاءً بمحاباة السياسيين في توزيع المساعدات، في ظل استياء رسمي وغير رسمي من طريقة إدارتها لملف النزوح. ففي حين افترشت آلاف العائلات النازحة الأرض في المدارس والمنازل في بداية العدوان، كانت مخازن الهيئة في البيال تحوي كمياتٍ من الفرش والبطانيات المخزّنة. كذلك كانت الحكومة قد رصدت للهيئة مبالغ مالية لشراء فرش قبل توسّع العدوان الإسرائيلي في 23 أيلول، إلا أنها لم تفعل إلا بعدما وقعت الواقعة، واحتكر تجّار الأزمات الاسفنج، فاضطرّت لشرائها بأسعار أعلى وبكمياتٍ أقل.
وفي جردةٍ سريعة لموقع الهيئة الإلكتروني، حيث تُنشر تفاصيل توزيع المساعدات، يتبيّن أن الهيئة اشترت من أموال الدولة مساعدات إغاثية وقدّمتها إلى جمعيات تتبع لسياسيين أو مقرّبين منهم. حجّة خير أنّ هذه الجمعيات كانت تتصل بالهيئة وتبلّغ عن حاجة منطقة أو بلدةٍ أو مركزٍ ما إلى مساعدة، أقبح من ذنب، إذ من المستغرب أن تمنح الهيئة الجمعيات مساعدات توزّعها الأخيرة باسمها، بدلاً من أن تقدّمها الهيئة باسم الدولة اللبنانية. الأمر نفسه اتّبعه خير مع نوابٍ ووزراء طلبوا منه مساعداتٍ، مكرّساً نهج الزبائنية السياسية على حساب دور مؤسسات الدولة. وفي إحدى المرات، ولتبرير منح مساعدات لأحد النواب بشكلٍ مخالفٍ للقانون، طلب خير من محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي التوقيع على تسلّم مساعدات بكمية أكبر من الكمية التي تسلّمها فعلياً، وفق معلومات «الأخبار»، بحجّة أنّ المساعدات سُلّمت إلى جهة سياسية ضمن نطاق عمل مكاوي أي محافظة جبل لبنان، رغم أن خطة الطوارئ تنص على مرور المساعدات عبر المحافظين. وعلمت «الأخبار» حينها أنّ مكاوي رفض التوقيع.
الهيئة العليا للإغاثة اشترت مساعدات إغاثية لصالح جمعيات محظية
كذلك، كانت الهيئة تشترط الحصول على نسبةٍ من المساعدات الإغاثية التي تطلب الجمعيات والجهات الخاصة إدخالها إلى لبنان باسم الهيئة، للاستفادة من الإعفاء من الرسوم الجمركية، وهي نسبة تبقى خارج «السيستم»!
الاطّلاع على موقع الهيئة، يُظهر أيضاً، حجم الفوضى التي مثّلت إحدى ركائز العمل، ربّما لتضييع «الشنكاش». فمثلاً، يذكر الموقع أنّ مساعدات ذهبت لـ «أحد مراكز الإيواء في الجديدة»، من دون ذكر اسم المركز أو عنوانه. وفي خانة أخرى، دُوّن أن 120 سجادة وُزّعت على نازحين في بيروت، من دون تحديد المنطقة ولا أسماء المستفيدين. بالمحصّلة قدّمت الهيئة المساعدات لصالح بلديات، ومحافظين، ومراكز إيواء، ونازحين فرادى وجمعيات وسياسيين، بطريقة غير واضحة، وفي غياب آلية ومعايير محدّدة للتوزيع، إذ ليس مفهوماً اختيار هذا النازح دون سواه، أو تلك البلدية دون سواها، وهو ما يُعد ضرباً للشفافية التي يجب أن تحكم عملاً كهذا.
كذلك، استغلّ اللواء خير منصبه على ما يبدو لشراء الولاءات، وهو ما تشير إليه الحركة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة طرابلس أمس وقام بها شبان اعتراضاً على إقالة خير، ما يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كان ينبغي أن يكون لمسؤول يشغل منصباً كمنصب اللواء خير مناصرون؟
أضف إلى ذلك أن التحفظات على أداء خير «تاريخية» بسبب عجز الهيئة العليا للإغاثة، بصفتها الجهة الحكومية الوحيدة المعنية بالعمل الإغاثي، عن القيام بواجباتها. يبقى أن خطوة ميقاتي المتأخرّة بإقالة خير جاءت ناقصة أيضاً، إذ اقتصرت على إزاحة رأس الهرم، من دون إحداث إصلاحٍ جدي كوضع نظام مالي للهيئة وأصول قانونية تنظّم عملها، وهو ما لا يدعو إلى التفاؤل بفتح الباب على حركة إصلاحية سيّما أنّه يُفترض أن يكون للهيئة دور في ملف إعادة الإعمار.