لبنان المأزوم هل يستثمر بإعمار سوريا ويستقطب الشركات ؟
أسامة القادري – مناشير
المشهدية العامة في القمة العربية الأخيرة تختلف عما كانت عليه في اجتماعات القمم السابقة، لكونها اول مرة تعقد قمة عربية تحت عنوان “تصفير المشاكل العربية العربية”، مهد لهذا الانجاز إعلان الاتفاق السعودي الايراني من بكين.
فترجم الشكل الحالي للاتفاق وللقمة، انهما اتيا كإعلان انقلاب واضح على الأحادية القطبية المتمثلة بالولايات المتحدة الامريكية، واسلوبها في تركيب الملفات وتحويرها وإعادة ترتيبها بما يتناسب مع مشروع الفوضى بإستغلال حاجة شعوب المنطقة للتغيير وللخروج من قمقم التوريث والقمع والإداء المخابراتي، فتأخذ الفوضى بإتجاه ما تشتهيه مصالحها الآنية على حساب واستقرار المنطقة، وتكون المشكلة الأكثر فظاعة واستغراباً بجمود اللبناني وعدم تحوره مع المتغيرات واستمراره العمل بذات الاسلوب وذات قالب الارتهان وفق مصالح الخارج ومن دون ان يطرؤ اي تغيير في دفعها نحو مصالحه.
وانطلاقاً من المتحور الجديد “صفر مشاكل”، والانتقال من مرحلة الاشتباك السعودي الايراني الى مرحلة ” التشبيك”، أو بالأحرى، الى فتح ابواب الشراكة العربية الفارسية من أوسع أبوابها والاستثمار بمئات المليارات، لتطرق على الفور ابواب الحل الحرب السورية وتبريد الجبهات وبدء التحضير لإعادة اعمار سوريا مع عودة سوريا الى الجامعة العربية وحضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية على رأس وفد، فان ذلك يعطي اشارة الى تسريع عجلة التسويات بما يضمن اعادة اعمار سورية.
وأمام هذا الإزدحام والحراك الاقليمي والدولي لازالت الساحة اللبنانية خالية من حراك أهلها، لتستمر القوى السياسية المتناحرة على الية انقاذ البلد والمتفقة على انهياره، جاثمة فوق صدور اللبنانيين تمارس سياسة التعطيل ودفن رؤوسها في رمال طوائفها، سيما ان دول المنطقة تتسابق لأن تجد لنفسها “مرقد عنزة” عسى تكون شريكة في اطلاق مشروع اعادة اعمار سورية واطلاق المشاريع التنموية في المنطقة.
ففي منتصف 2018 لم يكن من باب الصدفة حراك الشركات الصينية الكبرى وتوجهها الى لبنان لدراسة الأرضية والإمكانية لجعل لبنان منصة لها وللمعامل والمشاريع المزمع مشاركتها في اعمار سوريا. فكانت محطاتها الرئيسية في البقاع والشمال ومرفأ بيروت، ولم يكن من باب الصدفة الحديث عن سكك حديد تربط العاصمة بالبقاع ثم بسوريا، وانفاق ومعارض وغيرها، ولم يكن أيضاً من باب منافسة الشركات الصينية للشركات الاوروبية والغربية كما روج البعض، او كما قال أحدهم ان اليد العاملة الصينية قادمة الى لبنان لتنافس اليد العاملة اللبنانية، بمقاربة أقرب الى الغباء منها لأن تكون استنتاج، من دون أن يعلموا ان الصين بتعدادها المليار ونصف نسمة أصبحت صفر فقر وصفر بطالة وتخطى الحد الادنى للأجور ال500 دولار.
وبالعودة الى “القمة” بدى ان سوريا العائدة من الحرب والمثقلة بالغبار والدمار حضورها كان اكثر توازناً وأصلب في شرح ما تريد واكثر جدية، مقابل ما اعطاه حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي انطباعاً هزيلا للوضع اللبناني، وفراغ رئاسة الجمهورية أثبت عجز هذا الكيان وقواه الحزبية والسياسية عن بلوغ سن الرشد السياسي وحاجته لوصاية جديدة تأمر وسلطة مطيعة تنفذ ما عجزت عن تنفيذه.
ويقول المراقبون الاقتصاديون ان الموقع الجغرافي للبنان لا بكفي لاستقطاب المستثمرين، ولا شك أن كل يوم تأخير في انتخاب رئيس للجمهورية هو تعطيل عجلة الخروج من الأزمة ومزيد من الانهيار، واثبات الضعف والوهن، فيكون المستفيد الاول هم المنافسون أصدقاء كانوا ام اعداء، فلبنان اليوم بأمس الحاجة عن أي وقت مضى لأن يسلك طريق الخلاص من الريعية التي ما أثمرت الا مزيد من الارتهان وعدم النضوج وكثير من التسويات، الى الانتاجية وانتهاز فرصة حاجة المشروع الدولي والاقليمي الى الموقع الجيوسياسي في خارطة الشرق الأوسط، ولبنان من احدى هذه الدول المرشحة لأن تكون منصة للشركات الاقتصادية، وبالتالي تعطيل المؤسسات والتأخير في النهوض يدفع بالشركات والدول الشريكة في اعادة اعمار سوريا بالإنتقال الى حيث يتوفر استقرار اكثر، وبنية تحتية جاهزة وقادرة.
فهناك منصات اقليمية جاهزة لأن تكون البديل بحال تم استكمال مشروع التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وهذا ما يحاول يومياً الاعلام العبري ترويجه بتضخّيم القدرات الاقتصادية الاسرائيلية ومدى استطاعتها لان تكون منصة. عدا عن دول خليجية منها المملكة العربية السعودية والتي تنطلق برؤية مشروعها الحلم 2030 وما يتضمن من المشاريع الكبرى التي تأخذ المملكة نحو التنويع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبالتالي ستؤدي كل هذه المشاريع إلى فتح مجالات جديدة للنشاط الاقتصادي، وخلق فرص عمل، ودفع التنمية الاقتصادية بما يتماشى مع الرؤية، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على الدور اللبناني في العديد من المجالات، وبظل ازمته الحالية وضرب القطاع المصرفي احد ابرز النقاط المجشعة للاستثمار، تنعدم الرؤية الاقتصادية والاجتماعية مما قد يبقي لبنان بأزمة ليضل محكوم بالريعية وربما بوصاية جديدة من نوع جديد.
بعد الاتفاق السعودي الايراني وبعد القمة العربية الاخيرة حري أن يكون ذلك أكبر مؤشر لأن يسارع اللبنانيين الى تجهيز الأرضية لتكون المحطة القادرة على استقبال الشركات المزمع مشاركتها انطلاقاً لإعمار سوريا. وتأمين موادها الأولية والبنية التحتية دون انتظار الضوء الأخضر الأمريكي
هذه نتيجة “حتمية” لبلد سياسيوه بأحزابهم الطائفية والمذهبية لا يتجددون ولا يطورون رهاناتهم، ولا يتأقلمون مع متغيرات المرحلة على قاعدة ان الدولي يتعامل وفقاً لمصالحه، فهنا حري بالمراهنين اللبنانيين التوقف عن مغامرة الرهان على الامريكي المساوم على مصالحهم في جميع المحطات السابقة بكل اوساخها،
ولأن الأحداث تتسارع ولا تنتظر اللبناني حتى يشغل محركات مركبه، من الطبيعي ان لا يطلب أحداً منه تشغيلها، فالمرحلة المقبلة هي مرحلة التحضير لاطلاق ورش العمل بأسرع وقت ممكن.
فبعد الاتفاق السعودي الايراني وبعد القمة العربية الاخيرة حري أن يكون ذلك أكبر مؤشر لأن يسارع اللبنانيين الى تجهيز الأرضية لتكون المحطة القادرة على استقبال الشركات المزمع مشاركتها انطلاقاً لإعمار سوريا. وتأمين موادها الأولية والبنية التحتية دون انتظار الضوء الأخضر الأمريكي.
وبطبيعة الحال يتطلب ذلك لبنانياً التكيّف سياسياً مع المرحلة المقبلة لجعل لبنان منصة ومحطة للشركات المخولة والمزمع مشاركتها في اعادة الإعمار.
لذا ما يعانيه لبنان يفرض على الاقتصاديين والسياسيين اللبنانيين العمل سريعاً على تهبيئة الارضية اللبنانية لاستقبال الشركات الدولية الاقليمية وتطوير المحلية، لأن الوقوف مكتوفي الايدي وانتظار صفارة القبطان “الأمريكي”، فيما الجميع يعمل على “تزييت” عجلاته للمشاركة تخطيطاً وتحضيراً على الأرض للانطلاق، وغير ذلك يضع لبنان على هاوية الانتحار والتضحية بالاقتصاد اللبناني الى غير رجعة، يكفي اللبنانيين انتحار ومجازفات المطلوب اليوم اخراج العلاقة مع سوريا من البازار السياسي العالمي والاقليمي، الى علاقة المصلحة الندية فيما يخدم الاقتصاد اللبناني وينظم عودة النازحين بعيدا عن خطاب التحريض والعنصرية.