في وداع “البيك”… نجاح قزعون..
في وداع “البيك”… نجاح قزعون..
اسامة القادري
في يوم حزين من أيام البقاع، طوى الوجع صفحة من صفحات تاريخه، مودِّعًا واحدًا من أبنائه الأوفياء، الأستاذ نجاح قزعون، الذي رحل بصمت الكبار، وترك خلفه أثراً لا يُمحى من الذاكرة والقلوب.
نجاح، ابن البيت السياسي العريق، نجل النائب الراحل رفعت قزعون، ووريث السيرة الوطنية والعائلية المجبولة بالعطاء والكرامة. نشأ على قيم الشرف والمسؤولية، وتشرّب الحكمة من سيرة الآباء والأجداد، من البقاع إلى جبل العلويين، حيث جذوره ضاربة في الأرض والتاريخ.
لم يكن الراحل مجرد مثقف، بل كان مدرسة سياسية فكرية، يربط بين أحداث العالم بخيط منطق متين، وكان أميناً على ارث والده الراحل من خصال ومزايا. ويقرأ في الحاضر إشارات الغد. رجلٌ لا يشبه إلا نفسه: ذاكرة حادة، وعين ترى ما وراء الخبر، وقلبٌ يعشق لبنان كما يعشق ترابه البقاعي.
كان “البيك” أحبّ الألقاب إلى قلبه، لا تباهياً، بل لأنّه يختصر مرحلة زاهية من تاريخ بيتهم، بيت ملؤه النُبل والكرم، ويمثّل هو امتدادها المضيء. في كل لقاء، كان يسبقك بالمحبة، يبادرك بعناق وكلمة، ثم يأخذك في جولة بين أفكار الكبار ومقالات المفكرين، كأنّك أمام مكتبة تمشي على قدميها.
نجاح قزعون لم يكن عابرًا في حياة من عرفوه. كان قارئًا نهمًا، مناقشًا لامعًا، محاورًا مهذّبًا، وصديقًا لا يُنسى. كل جلسة معه كانت لقاء فكر، وكل حكاية منه كانت شهادة عصر.
برحيله، يخسر البقاع وجهًا من وجوهه البهية، وتفقد الكلمة عاشقًا، وتفتقد الذاكرة حارسًا. لكن إرثه باقٍ، في القلوب كما في التاريخ، وسيبقى اسمه يُذكَر كلما ذُكرت النخوة والأصالة والرأي العاقل.
سلامٌ عليك أيها البيك، يوم ولدت، ويوم عشت شريفًا، ويوم رحلت نبيلًا.