عام على الحرب الاsرائيلية المفتوحة على فلsطين ولبنان: السياسات الاميركية والايرانية تتقاطع لضمان استمرارها
كتب زكي طه في بيروت الحرية
الحرب الواسعة في المنطقة وعليها هي حقيقة قائمة. منذ عام أعلنت اسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة الاميركية، وبدعم ورعاية من الدول الاوربية حرباً وجودية مفتوحة ضد الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه. أتى إعلان الحرب رداً على الهجوم الذي نفذته حركة حماس على مستوطنات ومواقع جيش الاحتلال في محيط قطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، وأسر ما يقارب 250 جندياً ومستوطناً اسرائيلياً.
وضع الهجوم اسرائيل أمام تحديات كبرى. وقد أدت حربها لغاية الآن، إلى مقتل 42 ألف فلسطيني من سكان قطاع غزة، وإلى نزوح وتشريد نحو 2.3 مليون مواطن، عدا تدمير بنيته العمرانية والاقتصادية وإعادته إلى كنف الاحتلال. ولم يختلف الامر عنه في الضفة الغربية المحاصرة بالاستيطان وعمليات جيش الاحتلال والمستوطنين، التي أدت إلى سقوط مئات القتلى وآلاف المعتقلين عدا التدمير والخراب الذي اصاب المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية..
في المقابل وقبل عام بدأت معارك “مساندة غزة” على عدة جبهات. وهي المعارك التي بدأها تنظيم “أنصار الله” الحوثيين في اليمن ضد السفن التجارية المتجهة إلى اسرائيل عبر البحر الاحمر، وميليشيات الحشد الشعبي في العراق التي استهدفت القواعد الاميركية في سوريا والعراق. ورغم تعطيل النظام السوري بتحريض من القيادة الروسية محاولات فتح جبهة الجولان في اطار معارك المساندة تحت شعار “وحدة الساحات” إلا أن عمليات القصف الاسرائيلي عليها لم تتوقف.
و في المقابل تميزت معركة حزب الله عبر الحدود اللبنانية، ونجحت عمليات القصف التي نفذها في تهجير عشرات الوف المستوطنين من مستعمرات شمال فلسطين المحتلة، وفي إيقاع خسائر بشرية واقتصادية فادحة باسرائيل. غير أن الخسائر التي وقعت على لبنان كانت أكثر فداحة بما لا يقاس بشرياً وعمرانيا وعلى الصعيدين الاقتصادي والسياسي، نظراً لتحوّل لبنان ساحة مشرّعة بالكامل للحرب مع العدو الاسرائيلي، في ظل رفض حزب الله كل محاولات فصلها عن مسارات الحرب الدائرة في قطاع غزة.
تشابكت الحرب الاسرائيلية مع الحروب المفتوحة منذ عقود في المنطقة وعليها، بفعل تقاطع استراتيجية السيطرة والهيمنة الأميركية على المنطقة وسياسات النظام الايراني لتوسيع دوائر نفوذه الاقليمي. اميركا رفعت شعار الفوضى الخلاقة وجهة لتحقيق أهدافها، وتعمّدت تسعير الحروب والنزاعات المحلية والبينية بواسطة التدخل فيها وإدارتها. والنظام الايراني وجد في تلك الوجهة ضالته ورافعة مشروعه الاقليمي على أسس طائفية ومذهبية، لتعميم ثورته وتعزيز نفوذه في سائر دول الجوار العربي.
اليمين الصهيوني وحروب المفتوحة
وفي السياق تصاعدت حدة الانقسامات الداخلية وانفجرت في صيغة نزاعات محلية تحت وطأة الاستبداد في العديد من البلدان العربية، وبقوة التدخلات الاقليمية الايرانية والتركية، التي جعلت من تلك البلدان ساحات مشرعة لحروب مفتوحة تتداخل فيها العناصر الداخلية، وتتشابك مع العوامل الخارجية بإدارة اميركية سافرة.
وفي السياق عينه كان صعود اليمين الاسرائيليى الذي تعمّد تعطيل تنفيذ الاتفاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتصعيد الحصار السياسي والاقتصادي ضد السلطة الوطنية في الضفة والقطاع، سعياً منه لقطع الطريق امام حل الدولتين. ولذلك تعمّد وبكل الوسائل تشجيع الانقسام الفلسطيني واستغلاله في اطار مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية، والاستثمار فيه لتوسيع الاستيطان، مدخلاً لإقامة اسرائيل الكبرى، التي تشكل إحدى أهم ركائز المخططات الاميركية والاوروبية للسيطرة على المنطقة.
ولذلك فإن حكومات اليمين المتطرف لم تتردد في الافصاح عن أهدافها تباعاً، والعمل في سبيل تحقيقها ومحاولة تكريسها بقوة الامر الواقع في سياق حربها المفتوحة والقائمة بالتكافل والتضامن مع الولايات المتحدة التي تتولى عمليات الدعم والتنسيق على سائر الجبهات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية. في موازاة رفض رئيس الحكومة الاسرائيلية القاطع لوقف اطلاق النار في قطاع غزة، والامعان تحت أنظار العالم في متابعة تنفيذ مسلسل عمليات القتل والتشريد الجماعي لسكانه، والايغال في الحرب ضد السلطة الفلسطينية وعلى مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، في ظل انقسام فلسطيني مستدام وحصار عربي ودولي. أما المحصلة الاجمالية للحرب الاسرائيلية على الجبهة الفلسطينية فإنها ولغاية الآن تكاد تتجاوز من حيث خطورتها نكبة عام 1948، نظراً لما هي عليه من انقسام، مقابل الوضع العربي المسكون حالياً بالعجز والتواطوء. وهي المحصلة التي لا تبدل من طبيعتها مكابرة قيادة حماس على رافعة ما هو قائم ومستمر من مقاومة محدودة سواء في القطاع أو الضفة، ولا تخفف من وطأتها مراهنات السلطة على المجتمع الدولي وهيئاته ومحاكمه.
وإذ شكلت معارك المساندة تغطية لخضوع النظام الايراني للتهديدات الاميركية، والتزام عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع اسرائيل واميركا ضمناً. لكنه تعامل مع تلك المعارك كجبهات أمامية لتعزيز دوره وحماية نفوذه، ومحاولة استغلالها بأمل إعطائه دور الشريك في تقرير أوضاع المنطقة. الأمر الذي لم يتحقق لغاية الآن رغم تقاطع الحرب الاسرائيلية مع الحروب القائمة، واهدافها التي تتضمن إعادة تنظيم أوضاعها في ضوء ما هي عليه من أزمات وانهيارات بنيوية، وفي ظل الطور المتقدم الذي بلغته الاستراتيجية الاميركية في المنطقة من ناحية، وتزامن الحرب مع موسم الانتخابات الرئاسية من ناحية ثانية.
شعار عودة مستوطني الشمال ؟!
أحدثت تطورات الحرب الاسرائيلية المستمرة على قطاع غزة والضفة الغربية، تبدلاً في اولوياتها.. وتمكنت حكومة العدو من وضع هدف إعادة المستوطنين المهجرين إلى مستعمرات شمال فلسطين المحتلة موضع التنفيذ. وقررت الخروج على قواعد الاشتباك التي قبلت بها طوال الفترة السابقة، وبدأت بتنفيذ تهديداتها عبر إعلان الحرب على حزب الله ولبنان معاً على نحو شامل، من خلال تصعيد وتوسيع دائرة عمليات القصف التدميري، وعبر تفجير أجهزة الاتصال بهدف شلّ بنية الحزب وإصابتها بأكبر قدر من الخسائر البشرية، خاصة على صعيد القيادات العسكرية الاساسية والكوادر القتالية والامنية. وصولاً إلى استهداف قيادات الصف الاول واغتيال الامين العام للحزب والعديد من القيادات المركزية، على نحو بدت معه بنية الحزب مكشوفة بالكامل امام العدو، ما وضع قياداته أمام تحديات مفاجئة وغير مسبوقة، تتعلق بقدرته على متابعة الحرب وقيادة قواته في ميدان المواجهة مع اسرائيل.
وفي موازاة استمرار عمليات الاغتيال ومطاردة قادة الحزب ومسؤوليه، كان الأهم ما تعرضت له مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية للعاصمة من عمليات القتل والتهجير الجماعي القسري للسكان، التي لم تزل تتوالى فصولاً دموية، جراء عمليات القصف الجوي والمدفعي التدميري، كما كان الأمر في قطاع غزة من حيث شموليتها وخطورتها. سواء لناحية تسارع أعداد الضحايا الذي تجاوز الالفين، والجرحى عشرة آلاف. والأخطر على هذا الصعيد مخطط التفريغ الشامل للبلدات والقرى وللضاحية الجنوبية، بشكل منظم، عبر مسلسل الانذارات اليومية التي توجه إلى السكان، والتي تسبق عمليات التدمير الواسع والشامل التي تستهدف عمران جميع بلدات وقرى تلك المناطق وبنيتها التحتية والاقتصادية.
إنها الحرب الاسرائيلية على حزب الله وعلى لبنان، في اعقاب تجاهل ورفض كل محاولات فصل المعركة التي قررتها قيادة حزب الله بشكل منفرد تحت عنوان “مساندة غزة”. وهي التي ورغم الخسائر الهائلة التي مُني بها الحزب ولبنان، لا تزال تصرّ على متابعتها التزاماً بما حددته لها من أهداف، وسط تجاهل تام لمفاعيلها على صعيد اسناد غزة، والتي تكاد أن تكون شبه معدومة، مقابل إدارة ظهر كاملة للمصلحة الوطنية ولآراء وتحذيرات اكثرية اللبنانيين بشأن المضاعفات التدميرية الخطيرة للحرب على مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية، واستطراداً البقاع ولبنان بشكل أعم.
الخطر الاسرائيلي والوصي الايراني
وما يفاقم خطورة الحرب القائمة والمستمرة لا يقتصرعلى الأهداف التوسعية الاسرائيلية المزمنة حيال منطقة جنوب الليطاني، ولا على التغطية الاميركية المعلنة لاهداف الحرب، والصمت العربي حيالها. بل يضاف لها الاصرار على متابعة معارك المساندة، وفق مواقف الوصي الايراني كما عبر عنها المرشد، وتصريحات المسؤولين ووزير الخارجية الذي زار لبنان لتأكيد استمرار المعركة التي بدأها الحزب قبل عام. مقابل التزام ايران بالردود الرمزية على ما تتعرض له من عمليات سواء في داخلها أو في سوريا ولبنان.
لكن الأخطر في مواجهة أهداف الحرب الاسرائيلية هو تخلي أكثر أهل السلطة عن مسؤولياتهم باشكال مختلفة، والتعامل مع الحرب على لبنان وحيال مهمات إنقاذه من مفاعيل عمليات القتل والتهجير الجماعي ومخاطر الدمار والخراب الواسعة، ومخاطر تدمير وتفريغ مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من أهلها، ومع ما تمثله قضية النازحين المتروكين لشأنهم ومصيرهم من أخطار بنيوية على صعيد الاجتماع اللبناني. والتعامل على نحو غير مسؤول مع المبادرات الملتبسة بشأن انتخاب رئيس للجمهورية وعدم إقامة أي اعتبار لما يتهدد البلد راهناً. ولذلك نجدهم يتحصنون بمواقعهم الطائفية وحساباتهم ومشاريعهم الفئوية، التي حكمت العلاقات فيما بينهم طوال العقود السابقة. وهي التي أدت إلى تآكل دور الدولة وأجهزتها وقطاعاتها، وتعطيل مؤسسات الحكم واستطالة الفراغ الرئاسي وشلل السطات القائمة وتفاقم الانهيار الاقتصادي والمالي وتسارع سيادة وتعميم الفوضى الاهلية والامنية.
يؤكد ذلك أن رئيسا المجلس النيابي وحكومة تصريف الاعمال، ولغاية الآن لم يغادرا دور الوسيط مع حزب الله والتسليم بامتلاكه قرار السلم والحرب. وبديلاً عن المبادرة إلى استعادة القرار السيادي والدستوري للدولة، والاعلان امام المجتمع الدولي عن قرار تكليف الجيش اللبناني منفرداً مسؤولية حماية لبنان والدفاع عنه، مدخلاً لإنقاذ البلد من الدمار الزاحف، والتنسيق مع قوات اليونيفل لتعطيل ذرائع العدو الاسرائيلي، نجدهما يكرران اعلان المواقف المبدئية الملتبسة بشأن الالتزام بالقرار 1701 والاستعداد للتفاوض حول سبل تنفيذه بعد وقف اطلاق النار الذي لا احد يعلم متى وأين وكيف يمكن له ان يتحقق، في ظل التأييد الاميركي المطلق لاهداف الحرب على لبنان، واعلان موفدها بإن الأمر تعدى ما كان مطروحاً من مبادرات بشأن تنفيذ القرار 1701، والعودة إلى مطلب نزع وتسليم سلاح حزب الله، وفق القرار 1559 وعدم الاكتفاء بانسحابه إلى شمال الليطاني.
إن لبنان اليوم في معمعة الحرب الاسرائيلية المدمرة بكل المقاييس، وهي حرب لا تستهدف حزب الله بقدر ما تستهدف البلد. أما التشاطر والتهرب من المسؤولية الوطنية، والامعان في المغامرة والتلاعب بالمصير الوطني والارتهان للخارج، أو دفن الرؤوس في الرمال بانتظار مخلص خارجي لن يأت، فإنها بمجملها خيارات لن تحمي لبنان ولن تنقذه من مصير محتوم، ومن خطر التدمير والاخضاع لمشيئة العدو الاسرائيلي.
وكما وأن سائر أهل السلطة وفي المقدمة منهم رئيسا المجلس النيابي والحكومة مطالبان بتحمل مسؤولياتهما وعدم الخضوغ للتهديدات الاميركية الاسرائيلية، أو الرضوخ لابتزاز النظام الايراني بذريعة حماية الطائفة الشيعية ودعم غزة وفق زعم قادته ووزير خارجيته. فإن اللبنانيين الحريصين على بقاء لبنان وطناً لهم مطالبون أولاً بالتضامن فيما بينهم والتعالي على الصغائر، وثانياً بتضافر جهودهم للضغط على من هم في موقع المسؤولية، واجبارهم على القيام بواجباتهم الوطنية، بديلاً عن استمرار الحرب وضياع البلد قبل فوات الآوان