صواريخ العرب ضد إسرائيل: شحنات جوية من الغذاء والدواء.. !
خاص مناشير
مطلع العام 1982 كانت الأجواء السياسية والعسكرية توحي بشكل واضح أن هناك مشروعاً كبيراً للمنطقة ترتبه واشنطن وتل أبيب وبتنسيق مع بعض العواصم العربية، يبدأ من اجتياح إسرائيلي للبنان في خضم الحرب الاهلية اللبنانية، بذريعة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية لاستخدامها الاراضي اللبنانية لشن هجمات على إسرائيل، ولتقويض الدور السوري في لبنان، وايضاً للحدّ من النفوذ السوفياتي انذاك في المنطقة، وصولاً إلى تشكيل نظام لبناني جديد يفتح الطريق أمام توقيع “اتفاق سلام” على غرار اتفاق كامب دايفيد، الذي عقدته مصر مع الكيان الإسرائيلي واعتبر يومها اتفاق الخيانة والعار، لكونه اخرج مصر من معادلة “لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سوريا”، هكذا اصبحت مصر منبوذة عربياً، فيما كانت المملكة العربية السعودية والأردن تلعب دوراً محورياً في هندسة حلّ أمريكي يقود إلى الاعتراف بإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تحت رعاية أردنية، في وقت ان تل أبيب تسوّق لمشروع إنشاء اتحاد كونفدرالي بين فلسطين والأردن.
فكانت إسرائيل انذاك متأهبة للحرب في ظل تشرذم عربي ممنهج أعقب فشل الجامعة العربية خلال مؤتمر فاس بالمغرب عام 1981، في إقرار رؤية موحّدة للاتفاق على معاهدة الدفاع العربي المشترك، والإخفاق في التفاهم على مشروع الملك فهد للتسوية الشاملة في المنطقة، وهو الذي تضمّن “استعداد الرياض للاعتراف بإسرائيل إذا أعادت الأراضي المحتلة في العام ١٩٦٧ واعترفت بحقوق الفلسطينيين”، على حد قول وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.. وعلى الرغم من نفي الرياض لتصريح الفيصل لاحقاً – بعدما رفضته تل أبيب بشكل قطعي- إلا أن الأمور كانت تسير بشكل حميم إلى حرب كارثية في حزيران 1982..
آنذاك هدّدت السعودية على لسان وزير دفاعها الامير سلطان أنها “على استعداد لإرسال قواتها لمساعدة أي بلد عربي يتعرّض لهجوم خارجي وهي لم تتخلَّ عن مسؤولياتها في الدفاع عن أمن الدول العربية عامّة ودول الخليج خاصّة”، فكان الرّد الإسرائيلي بضمّ هضبة الجولان السورية، ولم يتحرّك العرب إلا في أروقة الأمم المتحدة لتحصيل قرار إدانة واجهته واشنطن بالفيتو وضربته تل أبيب عرض الحائط.. واجتاحت إسرائيل لبنان ودخل جنودها إلى “العاصمة بيروت” التي كانت تودّع قوافل المقاتلين الفلسطينيين الذين رُحّلوا إلى دول الشتات العربي وبدون سلاح، فأصبح الفلسطيني في لبنان لاجئاً أعزلاً دون بندقية.. ودون الحق في إبداء الموقف من القضية، أما الملك فهد فقد “تضرّع إلى الله بأن يخلص الشعبين الفلسطيني واللبناني من محنتهما الناجمة عن الغزو الإسرائيلي للبنان، وبأن ينصرهم على عدوهم”، وجلّ ما استطاع فعله هو استعداده لتخصيص طائرات كبيرة لنقل مقاتلي منظمة التحرير إلى خارج لبنان، وإيصال المساعدات الغذائية والطبية للفلسطينيين المنكوبين. وهنا يحضر السؤال هل تحضر الطائرات العربية لنقل مقاتلي حماس من غزة الى بيروت، باعتباره البلد العربي المحكوم بالتجاذبات والفراغ.
سقطت كل اتفاقات الدفاع العربي عند أعتاب بيروت التي اختصر احتلالها شكل الهزيمة، باعتبارها العاصمة العربية الوحيدة التي احتلت، وخمدت نار المواقف التي كانت تهدّد إسرائيل تحت وطأة تحذير مناحم بيغن العرب، من مغبة التدخّل في حرب لبنان، و”عدم تكرار أخطائهم في حرب الأيام الستة”
سقطت كل اتفاقات الدفاع العربي عند أعتاب بيروت التي اختصر احتلالها شكل الهزيمة، باعتبارها العاصمة العربية الوحيدة التي احتلت، وخمدت نار المواقف التي كانت تهدّد إسرائيل تحت وطأة تحذير مناحم بيغن العرب، من مغبة التدخّل في حرب لبنان، و”عدم تكرار أخطائهم في حرب الأيام الستة”، أما الرئيس الأمريكي رونالد ريغان فقد خاطب بيغن من على منبر مجلس العموم البريطاني، وأبرق إليه يقول: “..نحن معكم ونؤيد ما تقومون به من قضاء على الارهاب”، فيما كان وزير خارجيته ألكسندر هيغ أشدّ وضوحاً حين أكّد من لندن أيضاً أن “الولايات المتحدة لن تتخذ عقوبات ضد إسرائيل، وأن امدادات الاسلحة الأمريكية إلى إسرائيل ستستمر بدون توقّف”.
مضى على نكبة حزيران الثانية أكثر من أربعين عاماً، والتاريخ في التدوين الأمريكي والإسرائيلي والعربي لم يتغيّر بل يتكرّر اليوم مع اختلاف في الأسماء فقط، أما في تدوين المقاومة فإن التاريخ يأخذ منحىً آخر، والاحتلال الذي انهزم في بيروت على وقع عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول”، وادت ضربات المقاومة الى انسحاب المحتل من بيروت الغربية بعد 17 يوم في 27 حزيران من عام 1982 الى حدود الاولي ومن ثما انسحب في عام 1983 الى جنوب صور، ثم انسحب في عام 1985 الى الجنوب اللبناني ” الشريط الحدودي” واقام منطقة حدودية وشكل ميليشيا عملية له. حتى اندحر المحتل وميليشيا “جيش العميل انطوان لحد” من لبنان في العام 2000 بدون تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية، يواجه اليوم فعلاً مبادراً على طرفي الجبهة في لبنان وفلسطين، فأصبح تاريخ 7 تشرين الأول نكبة على إسرائيل بكل ما لها من ترجمة ميدانية على الأرض، على الرغم من هول المجازر والتدمير وفظاعة الحصار والتجويع.
واليوم رغم أن إسرائيل تشن حرب ابادة بغطاء وضوء أخضر اميريكي فلا شك انها تعاني من ضغط الكمّاشة المتعدّدة الأفكاك، فمن الشمال تتماهى المقاومة اللبنانية مع رفع وتيرة العدوان وتجعل من مستوطنات الشمال أعجاز نخل خاوية، ومن الجنوب تواصل المقاومة الفلسطينية التفنّن في اصطياد جنود الاحتلال بكمائنها وصواريخها التي لم تتوقف في دكّ “مستعمرات غلاف غزة”، ومن الداخل في جينين والقدس تستمر ثورة الشعب الفلسطيني ومقاومته بما تيسر لتحدث الارباك ومن الشرق يطبق “اليمنيون” على عنق المضيق انتصاراً لفلسطين.
اما في المقلب الإخر معظم العرب وفي مقدمتهم الإمارات والأردن يتهافتون على تأمين أطواق النجاة لإسرائيل عبر فتح ممر نقل برّي تعويضاً عن الحظر البحري من جهة، ومن جهة ثانية يسجّلون إنجازاً دعائياً برمي ما أمكن من المساعدات الغذائية والطبية (كما حصل عام 1982) للشعب الفلسطيني المنكوب، ولم يكن ذلك ممكناً لولا الضوء الأخضر الذي منحتهم إياه واشنطن، وكأنهم يقفون على الحياد ولا شأن لهم بفلسطين والقضية الفلسطينية.
سبق للملك الأردني الراحل حسين أن قال: “إن وجود اسرائيل لم يعد يمثّل مشكلة، لكن تصرّفاتها ومواقفها هي الأمر الذي يثير مشكلة للشرق الأوسط بأسره”!! ويبدو أن المستند الذي بُني هذا الموقف على أساسه قبل أربعين عاماً لا يزال كما هو من حيث الشكل، ولكنه اليوم أكثر إمعاناً في التنكّر لقضية فلسطين من حيث الواقع والمضمون، فلم يعد هنا منظومة عداء عربية ضد إسرائيل، وتحوّل العرب إلى وسيط منحاز ضد فلسطين، يروّج لأي مشروع يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت شعار السلام في المنطقة.
ومع عودة الحديث عن “الوطن البديل” للفلسطينيين – وفق مشروع مناحم بيغن وأرييل شارون – سواء أكان هذا الوطن في مصر أو الأردن، تبدو دول الطوق العربي وكأنها ترزح تحت نير الابتزاز الأمريكي – الإسرائيلي، وفق سياسة الامر الواقع التي يرسمها الاقوى ومن لديه قدرة اكثر على القتل والتدمير والتهجير دون اي رادع اخلاقي او انساني، لتتّجه إلى القبول بدولة فلسطينية هجينة وإعادة إيحاء فكرة “مقايضة الأرض بالسلام” (كامب ديفيد جديد)، في وقت اصبح رفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، من فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية اشبه بـ”الحلم” والقفز فوق السياسة الواقعية التي يرسمها الاقوياء.
الا ان تجربة مقاومة الاحتلال والاصرار على التحرير عبر التاريخ حققت المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان انجاز التحرير وطرد إسرائيل بدون قيد أو شرط.
الا يثبت ذلك الحق المقدس، ان المقاومة بكل المحاور الداخلية ودول الطوق قادرة على طرد إلاسرائيليين من فلسطين.. كل فلسطين، دون الحاجة إلى كيس طحين لا يغني من جوع أو علبة دواء لا تغني من وجع.