سوريا سبقت لبنان في دفع “الثمن”
مناشير
في خطوة مفصلية تحمل دلالات استراتيجية كبرى، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، رفع العقوبات عن سوريا، فيما اعتُبر أهم تحول في مسار الأزمة السورية منذ اندلاع الحرب عام 2011.
هذا الإعلان، الذي جاء في سياق إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديدة، يؤكد أن دمشق استطاعت أن تواكب المرحلة السياسية الدولية، وتدفع الثمن المطلوب مقابل إعادة دمجها إقليميًا ودوليًا، ولو عبر نظام جديد مؤقت.
في المقابل، يبدو لبنان عالقًا في مكانه، لا إصلاح سياسي، ولا مقاربة جذرية للأزمة، ولا نظام بديل يُطرح، بل استمرار في تدوير النظام ذاته الذي أثبت فشله على مدى 40 عامًا، سواء تغيّر الرؤساء أو الحكومات أو التحالفات.
تجاوزت سوريا مرحلة الحرب وانطلقت في الترتيبات السياسية الكبرى، بينما لبنان لا يزال يتعاطى مع الانهيار بلغة الإنكار والمماطلة. فمن لا يواكب التغيير، يُهمَّش، ومن لا يمتلك جرأة إعادة النظر في النظام القائم، سيبقى أسير أزماته وانقساماته، فهذا حال لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي.
وبالعودة إلى اللقاء “القمة” بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، فإن أبرز ما خرج عن اللقاء هو تأكيد ترمب على الدور القيادي للمملكة في الشرق الأوسط، وأن أي تطور استراتيجي في المنطقة لا يمكن أن يتم دون الغطاء والمباركة السعودية.
وفي اللقاء العلني الذي جمع ترمب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، برز توافق واضح على أن التحالف الأميركي–السعودي هو حجر الأساس في أي خريطة سياسية جديدة للمنطقة، بما يشمل التسويات الجارية من سوريا إلى اليمن، مرورًا بالعراق ولبنان.
ورغم أن النظام السوري الحالي يُحسب تقليديًا ضمن المحور المدعوم من قطر وتركيا، إلا أن تصريحات بن سلمان كانت حاسمة بأن قرار سوريا في الاستراتيجية الإقليمية الجديدة بات بيد المملكة، في إشارة مباشرة إلى أن أي انفتاح دولي على دمشق، بما فيه رفع العقوبات، جاء نتيجة تسوية تمت بإشراف وموافقة الرياض.
يبدو واضحًا من خطوات الرئيس الأميركي أن الشرق الأوسط الجديد الذي ترسمه الولايات المتحدة يُقيم الدول إلى قسمين: دول طبّعت أو عبّدت الطريق نحو التطبيع مع إسرائيل، ودول أخرى تحوّلت من خصوم للمحور الأميركي إلى شركاء مشروطين فيه، وبين هاتين المعادلتين، لا مكان للغموض أو التردّد. فالمنطقة تُقسَّم اليوم بوضوح، من اختار الانخراط في المنظومة الأميركية – السعودية، ومن اختار أن يدفع الثمن للخروج من العباءة الإيرانية أو لتحسين شروط بقائه.
وسط هذا المشهد، يبدو لبنان تائهًا بين محورين، بلا رؤية، بلا قرار. لا انخراط ولا تقبل لمسار التطبيع، ولا احتفاظ بموقع مستقل ضمن محور المقاومة. لكن هذه المنطقة الرمادية التي يقف فيها لبنان لا تشكل مدخلًا للنجاة، فالخريطة الجديدة لا تعترف بالحياد الغامض، بل تطلب تموضعًا واضحًا وموقفًا جريئًا.
فإما أن يواكب لبنان التحوّلات الكبرى ويدخل في التسوية الإقليمية بشروط تُناسبه قبل أن تُفرض عليه، أو يبقى متفرّجًا، تتحكم به الأزمات، وتحدّد مصيره طاولات وتسويات دولية هو ليس جزءًا منه