قبل قراءة خطاب الرئيس سعد الحريري الذي ألقاه أمس في الذكرى الـعشرين لإغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، لا بد من العودة الى ما قبل تعليق العمل السياسي له ولتياره الذي اعلنه قبل ثلاث سنوات، وما سبقه من اشكاليات على الساحة اللبنانية والعربية، ومن اصطفافات طائفية واحلاف كادت ان تحرق المنطقة برمتها. كانت المشهدية الواضحة امس من خلال الحضور الشعبي المؤيد واضحة وضوح الشمس، ان الذين حضروا الى ضريح والده لم يتم ترهيبهم ولا ترغيبهم بأموال مشحونة، انما اقتصر الحضور على مؤيدين نزلوا على نفتقتهم ليقولوا لسعد الحريري “انت زعيمنا” في بلد تحكمه المحاصصة الطائفية. فكشفت هذه الذكرى ان تيار المستقبل رغم توقفه عن العمل السياسي لفترة ثلاث سنوات لازال يحتفظ بموقعه الأول في لبنان من حيث التأييد الشعبي اللبناني عامة وذات الغالبية السنية خاصة، كتيار سياسي يعتمد الخطاب المعتدل والتعايش وبناء الدولة من رؤيته في كيفية المحافظة على المؤسسات وفق منظومة المحاصصة الطائفية القائمة منذ اتفاق الطائف ولا زالت.
فهذا التيار كثيراً ما تعرض لصدمات داخلية ناتجة من مواقف وخيارات اتخذها الرئيس الحريري في مراحل سابقة بدءاً من زيارته دمشق حسب الرغبة السعودية ولقاء رأس النظام السوري بشار الاسد قاتل والده رغماً عنه، مروراً بخيار ربط النزاع مع حزب الله قطعاً لطريق الحرب الطائفية التي طلت برأسها في 7 ايار، وفي 17 تشرين اثر “انتفاضة” اللبنانيين على منظومة الفساد، ليقطعها بتقديم استقالته من رئاسة الحكومة استجابة لنداءات الشارع اللبناني، وصولاً الى انتخاب ميشال عون رئيساً بهدف وقف نزيف التعطيل في مسار المؤسسات الدستورية والتشريعية والقضائية، وما نتج عنها من تهالك في بنيان “الوطن”.
لم يذكر السعودية سوى بملف غزة كما مصر والاردن رداً على الطرح الأميركي في تهجير الغزاويين، ما يؤشر أن تيار المستقبل مستمر شاء السعودي أم أبى، وان كان على السعودي التعاطي مع التيار فليتعاطى من خلال الاحجام والمواقف
فقشة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية حليف حزب الله قصمت ظهر “الحريري” سعودياً، وفتحت عليه جهنم محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ليتخذها ذريعة لوقف دعمه لـ”لبنان” ذات التأثير المباشر على رؤيته 2030 التي ارادها بن سلمان ولو على حساب لبنان وموقعه الجغرافي على حوض البحر المتوسط ومناخه المعتدل وامتيازه التاريخي من خلال نظامه الديمقراطي والرأسمالي الحر الاستقطابي لرؤوس الامول والمستثمرين، وللاتفاقات الدولية والاقليمية ذات البعد الاقتصادي.
ففي قراءة الحشود الغفيرة التي اراد “المستقبل” منها ان تكون رسالة واضحة للسعودية قبل اي جهة اخرى، “ان الحريري هو الزعيم السني الأوحد في لبنان، فأكد انه لازال يحتفظ بشعبية عابرة للطوائف قلّ نظيرها عند أي شخصية او زعامة لبنانية، وهذا ما اثبتته “المناسبة” التي تميزت برفع العلم اللبناني دون رفع أي علم آخر سوى القلة التي رفعت العلم “الأزرق” لتيار المستقبل، للقول أن “تيار المستقبل” بعد 14 شباط 2025 ليس كما قبله، هو اليوم تيار لبناني مستقل عن اي دولة عربية كانت أم غير عربية يستمد شرعيته وقوته من ناسه وجمهوره بعد تعليق عمله لثلاث سنوات، غربل خلالها المتسلقين والمتزلفين والمراهنين على مواقف واجندات، على قاعدة حيث تكون مصلحة لبنان يكون. وأكد بخطابه المتوازن أن قرار تعليق العمل السياسي كان قراراً شخصياً من الحريري لم يمليه عليه أحد، وعودته تأتي في ذات الإطار.
لم يكن صدفة ان الحريري لم يتطرق في كلامه الى الشأن الداخلي بخطاب متشنج او بنبرة عالية اتجاه حزب الله والتيار الوطني الحر أو اتجاه القوات اللبنانية، انما اراد ان يمسك بعصا المرحلة المقبلة من وسطها تاركاً أبواب تحالفاته في الإستحقاقات المقبلة مفتوحة دون التصويب على اي جهة سياسية لبنانية.
اما في قراءة الخطاب كان واضحاً انه خطاب متقن في الربط وفي السرد وفي توجيه الرسائل “هذا انا” بين اهلي وناسي وجمهوري،
ولكي تطغي لبنانيته اكثر على المشهد وجه التحية الى الشهداء في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وإعتبر أن الحرب نتيجة إجرام إسرائيلي لا نتيجة مغامرة لحزب الله، لم يذكر السعودية سوى بملف غزة كما مصر والاردن رداً على الطرح الأميركي في تهجير الغزاويين، ما يؤشر أن تيار المستقبل مستمر شاء السعودي أم أبى، وان كان على السعودي التعاطي مع التيار فليتعاطى من خلال الاحجام والمواقف العروبية ومصلحة لبنان لا من خلال املاءات وفقاً لمصالح لا تعير أي قيمة للمصلحة اللبنانية في واقعها الداخلي، وقال بين سطور خطابه لا احد يمكن ان يلغي اي فريق، وعلى الآخرين ان يعترفوا بوجوده من خلال جمهوره لا من خلال خضوعه لعصا الطاعة، وان كان للبنان مصلحة مع السعودية ايضاً له مصلحة مع الاميركي والروسي والاوروبي والصيني والسوري والتركي والقطري وغيره من الدول ذات المصالح على البحر المتوسط. من هنا تبرز اسئلة ماذا على السعودي ان يفعل؟
لا اين على اللبناني ان يلتحق؟
هذه الاسئلة التي طرحها خطاب الحريري لها ما لها وعليها الكثير من التوقف للتدقيق، ومن يلاقيه في منتصف الطريق من عموم القوى اللبنانية، واخذ النفس ملياً عما تخبئه الأيام القادمة.