حول الزلازل والخطر على لبنان وتأثير القمر والشمس …. ماذا تكشف الأبحاث العلمية ؟
مناشير
الدكتور إبراهيم حلواني
عنوانُ مقالٍ مثل “تاريخ بيروت حافل بزلازل قلبتها رأساً على عقب”
وآخر “#لبنان بلد زلزالي بامتياز”
وثالث “حركة الكواكب ومواقعها تسبّب الزلازل والهزات”
وعناوين أخرى مثيرة فيها استجلاب للقرّاء واستجداء لإعجاباتهم،
هذه العناوين تركت عند الناس ذعراً وخوفاً في غير محلّه.
المشكلة الكبيرة أننا لم نجد في لبنان، بلد #العلم والعلماء، من تناول الحديث في الموضوع من زاوية علمية بحتة، بدون جنوح إلى الإثارة وبدون أخطاء من غير المسموح أن تأتي على لسان جيولوجيين.
…
بعد أسئلة وردتني من أصدقاء عديدين، وبعد أن لاحظتُ قلقهم إزاء ربط تأثير القمر بالزلازل، يتحتّم عليّ أن أوضح التاليات:
أولاً: إن الدافع الأساسي لحدوث الزلازل والهزات الأرضية يبقى محصوراً في حركة الصفائح والطاقة التي تصل إليها عبر الحمل الحراري المنطلق من باطن الأرض. يقدر العلماء أن 95% من الأحداث تلك يكون سببها حركة الصفائح.
ثانياً: تشير الأبحاث الجديدة إلى علاقة بين ظهور القمر الوليد، أو القمر البدر، وبعض الزلازل التي حدثت في السنوات الأخيرة. نظرياتهم تتلخص في أن القمر والشمس اللذين يفرضان قوة جذب مهمة بسبب قربهما النسبي إلى الأرض، إنما يؤثران على الصفائح بذاتها، وقد يشكلان القشة التي تقصم ظهر البعير، ليس أكثر.
ثالثاً: الباحثون الذين توصّلوا إلى تلك النتائج يتحدثون عن ظروف نادرة تتعلق بموقع القمر وموقع الشمس والفصل في السنة وحالة الصفائح الغامضة التي لم يعرفوا عنها الكثير بعد، وأحياناً حالة البحر وحالة الطقس، وأمور أخرى كثيرة. كل تلك الأمور إذا اجتمعت قد (وأشدّد على “قد”) تسهم في دفع نشاط زلزالي بسيط أو قويّ.
رابعاً: ذلك لا يعني أبداً أنه سوف تحدث زلازل كل شهر مرة أو مرتين، وإلا لما عمرت المعمورة، ولما كان الإنسان موجوداً.
خامساً: إن الحديث عن تأثير لمواقع أجرام غير القمر والشمس، مثل المشتري والمريخ والكواكب الأخرى والمذنّبات، على الأحداث #الزلزالية الأرضية، هو حديث غير علمي لم يقل به سوى منجّمين.
سادساً: من الجيد في هذا المجال أن نذكّر الإحصاءات التالية: (المرجع موقع Volcano Discovery)
منذ سنة 1900، تعرّض لبنان ومحيطه القريب لهزة واحدة قوتها 6.6 درجات، و7 هزات قوتها بين 5 و 6، و43 هزة قوتها بين 4 و5، و218 هزة قوتها بين 3 و4، وهزات كثيرة دون ذلك من حيث القوة.
الهزة التي ضربت في منطقة شحيم سنة 1956 كانت بقوة 5.5.
سابعاً: لبنان ليس منطقة زلزالية بامتياز كما صرّح البعض. نعم هناك بعض الفوالق والصدوع في المنطقة، ولكن الإحصاءات العلمية تضعنا في منطقة قليلة التعرّض (أقل من المتوسط) نسبة إلى باقي الدول.
ثامناً: المناطق الأكثر خطراً: (المرجع: هيئة المسح الجيولوجي الأميركية وهيئة المسح الجيولوجي البريطانية)
المناطق الأخطر زلزالياً في العالم تنحصر في “حلقة النار”، وهي حزام محاذٍ لحواف المحيط الهادئ يشمل الشواطئ الغربية للأميركيتين والشواطئ الشرقية لليابان وشرق آسيا وجنوبها. في حلقة النار يحدث أكثر من 80% من الزلازل الخطرة في العالم، فصفيحة الهادئ تندس تحت الصفائح المجاورة هناك.
تأتي بعدها المناطق التركية وجنوب اليونان وإيطاليا ومناطق في حوض الكاريبي.
تاسعاً: هل انتهى الخطر؟
قد لا يستطيع أحد الإجابة عن هذا السؤال، ولكن هناك قانونان علميان مطمئنان في الموضوع:
الأول أن الهزات الأساسية التي حدثت في تركيا وسوريا والهزات الارتدادية التي تبعتها تُعدّ بحق تنفيساً للطاقة المتجمّعة عند حدود الصفائح المعنية، فالأقوى قد ضرب والأسوأ قد مضى.
الثاني أن خطر حدوث هزات أساسية أو ارتدادية يقل مع مرور الوقت.
الخلاصة: لبنان ليس بلداً زلزالياً بامتياز، وهو يتعرّض أقل من سواه للهزات الأرضية العنيفة.
القمر والشمس، وليس الكواكب، لهما مساهمة في التسبّب بهزات أرضية، وفق أبحاث جديدة.
بالنسبة للخطر، العلم عند الله، ولكنني أعتقد أن الأسوأ قد مضى.