المتحرّش: عريس أو مختل.. أين القانون؟
كتبت ميرنا عمّار
تطفو صورة المتحرش إبراهيم نصار على وجه جرائم التحرش والإغتصاب، بعد أن خلع القناع وأظهر الوحش فيه أمام طفلة الست سنوات، متخطياً كل الحواجز والقيم والأخلاق الإنسانية.
إبراهيم نصار ابن الـ49 عاماً، وصاحب نزعة الإجرام والخلل النفسي والإنساني الجلّ، أجبر فتاة سورية صغيرة على معايشة جريمة بشعة، وأوقع عدداً كبيراً من الأطفال والفتيات، في مستنقع عميق من انعدام الضوابط وانحلال الأمان بكل مستوياته.
هذا النوع من الجرائم بات شبه يومي في مجتمعاتنا ومدننا، وأخذ ينمو بشكل كبير بين الفئة الأضعف والبعيدة كل البعد عن حماية القانون، إن كان يحمي، وهم الأطفال المتسولون.
قانونياً، وبحسب قانون العقوبات في جرائم الإغتصاب والتحرش، يعاقب المجرم بالحبس من سنتين إلى 4 سنوات وبغرامة تتراوح من ثلاثين إلى خمسين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في الحالات التالية:
– إذا وقع الجرم على حدث أو على شخص من ذوي الاحتياجات الإضافية، أو على من كان لا يستطيع المدافعة عن نفسه بسبب وضعه الصحي الجسدي أو النفسي.
– إذا كان الجاني ممن له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على المجني عليه.
– إذا ارتكب فعل التحرش شخصان أو أكثر.
– إذا استخدم الجاني الضغط الشديد النفسي أو المعنوي أو المادي في ارتكاب الجرم للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية.
فإذا أردنا تفنيد المادة الثانية من هذا القانون، التي ذكرت الفئة الضعيفة والضغط والمنفعة الجنسية، فأساساً هذه الجريمة غالباً ما ترتكب في الفئة الأكثر ضعفاً وطبعاً لمنفعة جنسية تحت الضغط، أما العقوبة التي تتمثل بـ4 سنوات أو بغرامة، فهذا بطبيعة الحال أقل بكثير من الحد الأدنى للعقوبات على جرائم بهذه الفظاعة، وليس للأجور.
ودائماً ما يتعرض الأطفال، المتسولون خصوصاً، لضغط كبير من المجرم طالما أن الدولة متغيبة عن دورها معهم، ولصعوبة إيجاد دليل واضح على الجريمة، على عكس حالة المجرم نصار الذي لحسن الحظ، وجد دليل صارخ على جريمة ارتكبها ليس فقط بالفتاة الصغيرة، بل أيضاً بالأطفال الشاهدين، حيث ظهر مدى استضعافهم وقلة حيلتهم أمام وحشية المتحرش.
وبحالة نصار، عنصر الأمن العام، فالمفروض أن تتم محاسبته أولاً وفق قانون العقوبات أمام المحكمة الجنائية، ومن ثم محاكمته عسكرياً، خصوصاً بعد تحول القضية إلى قضية رأي عام.
وهنا نجد إشكالية أخرى في طريقة التعامل مع هكذا قضايا، اذا ما تحولت إلى الرأي العام. فلا ننسى العقلية الشرقية بهذا الموضوع، التي حرمت العديد من الأطفال والفتيات من تحقيق العدالة، خوفاً من وصمة العار التي “تعشعش” داخل عقول العرب فقط.
قانون العقوبات هنا يحمل وجهاً آخر، ينصف الجريمة أكثر من الضحية، عبر تخفيف العقوبة في بعض الحالات مثل زواج المجرم من ضحيته، وهنا تكون الضحية قد عاشت الجريمة مرتين، مرة عندما تعرضت للإغتصاب، والثانية عندما أملت أن ينصفها القانون، من ثم وضعها مع مغتصبها في فراش واحد.
أما سبب التخفيف الثاني فهو: إذا وُجدت في القضية أسـباب أو أعذار مخففة تخفض العقوبة وفقاً للمادة 251 وما يليها من قانون العقوبات.
ومن الأمثلة على ذلك: اسقاط الحقوق الشخصية، وسن المتهم، كعدم بلوغه السن القانوني، والعدول الاختياري، كحالة المجرم الذي قام بضرب الضحية ونزع ملابسها ثم عَدَلَ عن اغتصابها، فهو لا يُعاقب على جريمة الاغتصاب ولكن يُعاقب على جريمة الإيذاء وعلى جريمة المتمثلة بالفـعل المنافي للحشمة وفقاً للمادة 200 معطوفة على المواد 554 و507 وما يليها من قانون العقوبات، شرط أن يكـون رجوعه عن ارتكاب جريمة الاغتصاب يعـود لأسباب اختـيارية خاصة به، لا لأسباب خارجة عن إرادته تعتبر محاولة أو شروعاً في جريمة الاغتصاب.
وكأن عدول المغتصب عن الإغتصاب يعتبر تكفيراً عن الذنب الأول المتمثل بـ”الفعل النافي للحشمة”.
معالجة هذه الجرائم في بلداننا تفتقر لمكون أساسي، يسمّى الإنسانية، حيث تتركز العقوبات على أسباب المجرم ووضعه المادي، وعلى عدوله أو عدمه عن الفعل، بغض النظر عن الضحية ونتائج الجريمة عليها، فالحل موجود: تتزوج!
وإذا قارنّا بين الماضي والحاضر في هذه القضايا، نجد تحسناً طفيفاً، وهذا يعود أيضاً لمواقع التواصل التي تساهم بنشر هذه الجرائم أكثر، وبالتالي تشكّل آلة ضغط على الجهات المعنية أكثر.
وللجمعيات دور أيضاً في هذا الضغط، لكن يكمن السر في القوانين والمحاكم، والأهم وضع المتسولين سوريين أم لبنانيين تحت حماية هذا القانون، وإلغاء فتوى تخفيف العقوبة.
والأهم، أن تتم متابعة ضحايا التحرش والإغتصاب نفسياً، الذي يعتبر التعويض الأهم بهذه الحالات، ومعالجة المجرم وإعادة تأهيله.
ضحية الست سنوات اليوم، ترجعنا إلى لين طالب، وغيرهن الكثير من الأطفال الذين حرموا من الطفولة على أيدي وحوش يحتمون بمجتمع، أو نفوذ، ويفتح الكثير من الأسئلة والملفات المغلقة، وأهمها عن مصير اللواتي تعرضن لهذا الإجرام ولم تكن “الكاميرا” تسجل!
هل ستتحقق العدالة لهن؟ أم أن الزواج على “الأبواب”؟