خبر عاجلسياسة

العهد في مواجهة الطبقة السياسية والمخاطر القائمة – زكي طه

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

العهد في مواجهة الطبقة السياسية والمخاطر القائمة – زكي طه

كتب زكـي طـه في بيروت الحرية
اسابيع قليلة كانت الفاصل بين حدثين اعطيا أكثرية اللبنانيين جرعة أمل كبيرة. الأول كان في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني الماضي، عندما صدر الاعلان عن بدء نفاذ وقف اطلاق النار الذي تضمن آلية لتنفيذ القرار 1701، ووقف الحرب الاسرائيلية المدمرة على بلدهم. والثاني كان إنهاء الشغور الرئاسي الذي تجاوز السنتين والشهرين، عند انتخاب رئيس للجمهورية، كمحصلة لدورتي اقتراع عقدهما المجلس النيابي في التاسع من شهر كانون الثاني الجاري. وما يجمع بين الحدثين أنهما شكلا معاً إعلاناً مبدئياً حول إمكانية تجاوز البلد ما يواجهه من الازمات والمخاطر التي عصفت بأوضاعه وهددت وجوده ومصيره على امتداد العقود الماضية.

جرعة الأمل تلقاها اللبنانيون بعد طول انتظار، في خضم مسار طويل ومعقد من الانقسامات والنزاعات والحروب المستدامة. مسار تشابكت فيه العوامل الداخلية والاقليمية مع المصالح الدولية المتصارعة ليس في لبنان وحسب، إنما على صعيد المنطقة بأكملها. لكنها لا تعني بأن لبنان بلغ محطة الأمان ودخل مرحلة الاستقرار. بالقدر الذي تؤشر إلى إمكانية حصول ذلك، بالرغم من الصعوبات والتحديات القائمة والتي لا يمكن الاستهانة بها، أو التقليل من خطورتها. ما يعني أن الابواب باتت مشرعة أمام تلك الامكانية.

الثابت الآن أن لبنان أمام حدثين تاريخيين، يشكلان إنجازاً. والتقليل من أهميتهما يقع في باب الخطيئة الوطنية، لأنهما محطة انطلاق وبوابة عبور نحو مرحلة جديدة من تاريخ البلد. لكن ذلك ليس مدعاة لاستسهال الحلول والمعالجات، أو الاستهانة بما تراكم من معضلات مستعصية على امتداد المرحلة السابقة. وصعوبة التصدي لها يكمن اساساً في تخلف وانغلاق أكثرية اطراف الطبقة السياسية التي تعاقبت على السلطة، وفي فئوية أحزابها وتياراتها الطائفية. والاخطر يتمثل في قدرتها على انتاج الأزمات وإثارة النزاعات وتزخيم الانقسامات الموروثة. والأشد خطورة هو استعداد قواها الدائم للتفريط بالبلد والخضوع للوصاية الخارجية. وهي الصعوبات التي تجلت بأوضح صورها على امتداد سنوات المرحلة السابقة، خاصة الاخيرة منها. سواء في ما تسببت به من أزمات نتج عنها تعطيل الاستحقاقات الدستورية، وشلل مؤسسات الدولة والانهيار الاقتصادي والمالي. أو في مواجهة العدوانية الإسرائيلية، بقوة الإصرار على ربط لبنان بأزمات المنطقة، واستسهال التفريط بانجاز التحرير من الاحتلال الاسرائيلي وتعريضه لخطر الدمار الشامل.

وما يؤكد هذه الحقائق أن التحديات التي يواجهها اللبنانيون راهناً، من أجل إنقاذ بلدهم وإعادة بناء الدولة فيه، تتجاوز الموافقة على آلية تنفيذ القرار 1701، والقيام بانتخاب رئيس للجمهورية. خاصة وأن كلاهما لم يتحقق إلا بقرار خارجي وبقوة الضغوط التي جعلت جميع من هم في مواقع المسؤولية، يخضعون للأمر الواقع، ومعهم سائر مكونات الطبقة السياسية التي تشكل منظومة السلطة. سواء الذين يرفعون رايات المقاومة والوطنية، أو الذين يدعون حرصاً على السيادة والدستور. وهو الخضوع الذي كشف خواء أكثرية الطبقة السياسية على نحو مفجع وطنياً. هذا ما أكدته بنود آلية تنفيذ وقف اطلاق النار، التي نالت من السيادة الوطنية، ومن خلال التسليم للارادة الاميركية على لبنان والقبول بالشروط الاسرائيلية للانسحاب. ولا يخالفها في ذلك، ما رافق الاستحقاق الرئاسي، من استهانة واذلال اصاب غالبية احزاب وتيارات السلطة، سواء التي حاولت ملاقاة قرار الخارج للتغطية على طموحات قادتها غير المشروعة، أو تلك التي حاولت تعريضه للمساومات الفئوية الرخيصة للحد من وطأة هزيمتها.

ولذلك، ولأن قائد الجيش الذي نجح في الابقاء على المؤسسة العسكرية خارج اطار التجاذبات والصراعات الداخلية. فإن انتخابه كان بمثابة عملية قيصرية نفذها الخارج عنوة. وهي لم تكن حصيلة تضافر مبادرات اطراف الطبقة السياسية في سبيل خلاص البلد. التي أمعن أكثرهم في البحث عن مرشحين يستخدمون لتعزِّز ادوارهم وحماية موقعهم في ميادين المحاصصة الطائفية على حساب الدولة والوطن. هذا ما أكدته وقائع العملية الانتخابية التي نفذت خلافاً لارادة تلك الاطراف ترشيحاً واقتراعاً. وهي التي جرت أمام انظار اللبنانيين، في ظل رقابة دولية وعربية مباشرة. شارك فيها حشد كبير من الموفدين والسفراء والمندوبين، الذين شاهدوا عرضاً فولكلورياً بائساً، وتأكدوا بأم العين من قدرتهم على اخضاع أكثرية الطبقة السياسية، وفرض إرادتهم عليها.

إن ما تضمنه خطاب القسم من برنامج عمل ووعود اصلاحية شاملة مختلف قضايا وأزمات البلد ومشكلاته. قد خاطب قدر كبير من طموحات وأحلام أكثرية اللبنانيين. والأهم أنه شكل مضبطة اتهام صريحة وواضحة للطبقة السياسية ولسائر تياراتها واحزابها وقواها الطائفية. وهي التي امتهنت إلى جانب سوء ادائها وممارساتها، التنكر لوعودها الاصلاحية امام اللبنانيين، وفي علاقتها مع الخارج.

لقد وضع رئيس الجمهورية موقع الرئاسة، منذ لحظة قسم اليمين في مواجهة مع تلك القوى. وهو ما يشكل تحدياً لقدرته على التزام تعهداته وتنفيذ وعوده للبنانيين. والتحدي مصدره الاول أن خصومه الذين أجبروا على انتخابه، يمتلكون من الدهاء والكفاءة ، والكثير من الاسلحة للدفاع عن مكتسباتهم، وحماية مواقعهم في السلطة التنفيذية، وفي أجهزة الدولة وإدارة قطاعاتها كافة. ومن المؤكد أنها لن تتخلى بالسهولة التي يظنها البعض عما هي فيه وعليه. عدا أنها كانت ولا تزال مستعدة لخوض أعتى المعارك دفاعاً عن أدوارها ومواقعها ووجودها، على نحو يحول دون قدرة الرئاسة على تجاوزها.

إنه الواقع الصعب الذي يواجه موقع رئاسة الجمهورية وأكثرية اللبنانيين في آن. الرئيس من موقعه الوطني والدستوري، انطلاقاً من البرناج الذي التزمه ووعد بالعمل على تنفيذه. واللبنانيون المعنيون بتحقيق احلامهم وطموحاتهم. وهم المطالبون الآن بعدم تضييع الفرصة أو التفريط بما هو متاح لهم وامامهم. والامر لا يتحقق إلا عبر المبادرة لتحمل المسؤولية، رغم كل المصاعب والعوائق والشوائب الكثيرة التي تحيط بهم. سواء في مواجهة العدوانية الاسرائيلية والوصايات الخارجية، أو في خوض الصراع مع الطبقة السياسية المسؤولة عن الازمات المستعصية التي تأسر حاضرهم وتهدد مستقبلهم.

وفي هذا السياق وبالقدر الذي لا يجدي فيه التحلل من المسؤولية، على صعيد إنقاذ البلد وإعادة بناء الدولة، وفي المشاركة في لتصدي لكل المشكلات والأزمات التي تضمنها خطاب القسم . وكلا الامرين هما عملية تراكمية متعددة المسارات، في شتى الميادين والمجالات، بما فيها تنفيذ القرار 1701، بكل مندرجاته، لإجبار العدو الاسرائيلي على الانسحاب، وتمكين النازحين من العودة، واطلاق ورشة إعادة الاعمار من قبل الدولة، مدخلاً وحيداً لتحصين السيادة الوطنية في وجه العدو الاسرائيلي.

إن نجاح العهد يكمن في فتح آفاق التقدم على طريق الإنقاذ، وإعادة بناء دولة القانون والمؤسسات. دولة الحقوق والمساواة بين اللبنانيين. ولأن الامر ليس برامج أو شعارات، بل جهد متواصل كي تتحقق وتصبح أمراً واقعاً. ولذلك فإن قوى المعارضة الديمقراطية المستقلة معنية بإستعادة دورها المفقود. سواء على الصعيد البرنامجي، أو في ميدان تحشيد القوى، لتأسيس حركة مجتمعية ديمقراطية تعددية مستقلة. حركة قادرة على المشاركة في عملية الانقاذ، والمساهمة في دفع مسيرة التقدم والتطور الديمقراطي خطوات إلى الامام. كما في تحقيق وحدة اللبنانيين وبناء دولتهم الوطنية التي تعبر عن مصالحهم وحقوقهم المشتركة فيما بينهم، باعتبارها الضامن الوحيد لبقاء لبنان وطناً موحداً لهم ولابنائهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى