الأب المدبر العام ميشال أبو طقّة خلال ترؤسه قدّاساً بمناسبة عيد مار مارون في العاصي” رفع الصلوات لأجل انتخاب رئيس للجمهوريّة”
بمناسبة عيد مار مارون، إحتفل المدبّر العام في الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الأب ميشال أبو طقّة بالقدّاس الإلهي في دير مار مارون – العاصي، بمشاركة رئيس دير مار مارون العاصي الأب ليشع سرّوع، ورئيس دير مار أنطونيوس زحله الأب موسى عقيقي، وعدد من الكهنة والرهبان والراهبات، بحضور العقيد الركن طوني منصور ممثلًا قائد الجيش العماد جوزاف عون، وقائد اللواء التاسع العميد كمال نهرا، وممثل مدير المخابرات العقيد ملحم حدشيتي والسيدين ابراهيم الصقر ونصري غصوب، وحشد من المؤمنين.
الأب أبو طقّة
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المدبّر العام الأب أبو طقّة عظة استهلّها بالقول: “من يحبّ نفسه يفقدها، ومن يبغضها في هذا العالم يحفظها لحياةٍ أبديّة”. كلام الإنجيليّ يوحنّا هذا يكشف لنا معنى المسيحيّة الأعمق، والسّلوك الّذي ينبغي على كلّ مؤمنٍ بيسوع المسيح أن يسلكه في حياته، لكي يبلغ الحياة الأبديّة. وهو يؤكّد أنّ المحبّة هي الأساس الّذي يبني الإنسان نفسه عليه. المحبّة الّتي يكشفها الإنجيليّ هي محبّةٌ تولد من رحم العطاء، وتتكوّن من ممارسة التخلّي والموت عن المادّة، عبر تحويل النّهم إلى السلطة، إلى تأدية واجب الخدمة، والشّراهة في الكبرياء، إلى تواضع التضحية بالذّات”.
وأضاف: “نحتفل اليوم بعيد أبينا القديس مارون، شفيعنا وقدوتنا في اتباع المسيح. القديس “مارون الإلهي” كما سمّاه توادوريطس أسقف قورش، كاتب سيرة حياته، الّذي نقل إلينا ما جسّده هذا الرّاهب النّاسك الزّاهد بالدّنيا من كلام الله حتّى تلازمت سيرته وتعليم الإنجيل المقدّس، فغدى بدوره شهادةً إنجيليّة صادقة، ملتزمة، وصفحةً حيّةً منه. القديس مارون ترك لنا نهجًا مسيحيًّا حقيقيًّا، تحوّل عبر الأجيال إلى مدرسة قداسة وروحانيّة. من شهادته بدأت الكنيسة المارونيّة، فالشهادة الّتي أدّاها كانت استشهادًا يوميًّا في تحدّي الطبيعة، عائشًا في العراء في القفر في العزلة في الصّمت في اتحادٍ دائمٍ مع الله”.
وأشار إلى أنه “عندما نسمع هذه الشهادة في هذا الدّير الـمقدّس نشعر بحضور القديس مارون يتواصل عبر التاريخ لنلمسه في شهادة تلاميذ مدرسته الّذين جسّدوا ما عاشه، بأمانةٍ كاملةٍ، فأكّدوا لنا مرّةً جديدة حقيقة نهج مارون الإلهيّ، الّذي أفضى بهم إلى الاتحاد بالله. القديسون شربل ورفقا ونعمة الله والطوباوي اسطفان هم شهودٌ لمار مارون، من خلالهم نلتقي بصورة أبينا ومؤسّسنا وشفيع كنيستنا وفي حضرتهم لا نقف عند أشخاصهم، وإنما نوجد في حضرة الله، الّذي ما برح حيّاً فيهم، وهم يعلنونه من خلال ما يجترحونه في العالم”.
وتوجّه إلى أبناء “مارون الإلهي”، مشدّدًا على “أن مارون ليس حكرًا على الموارنة، إنّه قدوةً مسيحيّة، روحانيّته قامت على محبّة الصّليب، لقد مات مارون آلاف المرّات كلّ يومٍ وقد قاسى البرد والحر والجوع والعطش وقساوة الطبيعة في العراء، مسمّرًا إرادته وعقله وجسده في صليب المسيح عملاً بكلمة يوحنّا الانجيليّ: “من يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها لحياةٍ أبديّة”.
وعن روحانيّة مار مارون أكّد الأب المدبر أبو طقّة أنها “قامت على تحقيق كلام الربّ في حياته، فهو بإصغائه لكلام الربّ، لم يقف عند حدود السماع، بل جعل هذه الكلمة حقيقةً عاشها ومارسها فانطبعت في ملامحه حتّى غدى هو بدوره إنجيلًا حيًّا. كما قامت على الصلاة والعيش الدائم في حضرة الله، عاش عابدًا لا همّ له ولا مهمّة سوى مخاطبة الله، يسبّحه، يناجيه، يقدّسه ويسجد له، لا ملك له يهتمّ به، ولا مال يقلق على تكديسه والحفاظ عليه، ولا مكان يأوي إليه، لقد ماثل المعلّم الإلهي الّذي قال “للثعالب أوجرة ولطيور السّماء أوكارًا امّا ابن الانسان فلا مكان يسند إليه رأسه”. هدم مارون أصنام الضلال في ذاته وفي المعابد الوثنيّة، وحوّلها إلى كنائسٍ لعبادة الله بالرّوح والحق. روحانيّة مار مارون قامت على احترام الطبيعة والأرض. إنّ خياره العيش في العراء في الطبيعة مفترشًا الأرض ملتحفًا السّماء، هو أبهى صورة عن محبّته العميقة للأرض واحترامه لها، لأنها هيكل الله الخالق”.
وتابع: “ونحن نتأمّل بهذه الحقائق الروحانيّة الّتي نستشفها من شخص القديس مارون الإلهيّ، نجدنا مدعوين إلى القيام بفحص ضمير، عمّا يربطنا نحن أبناءه به، وما نواصله من نهجه وما نحقّقه من روحانيّته؟!
لقد حوّلنا المارونيّة إلى مارونيّةٍ سياسيّة، إلى مارونيّةٍ أفرغت من حقائقها الأساسيّة. فالمارونيّة هي وتبقى كنيسةٌ تعكس حضور المسيح وفعله في العالم وهي أمّةٌ من المؤمنين بالإنجيل وبالخلاص الذي نرجوه ونعمل على بلوغه بواسطة الالتزام بعيش القيم الإنجيليّة الّتي مكّنت مارون وتلاميذه والآباء القديسين شربل ورفقا ونعمة الله والأخ اسطفان والعديد من أبناء كنيستنا من الوصول إلى الملكوت”.
وأكّد أنه “على كلّ مارونيّ لا بل وعلى كلّ مسيحيّ أن يتحلّى بهذه المميزات، فالمارونيّة ليست واقعًا اجتماعيّاً، إنّها دعوةٌ لعيش الحقيقة المطلقة أي الاتحاد بالله عبر محبّة القريب. من هنا، المارونيّة هي انفتاح على الجميع دون تمييز، وهي تتطلبّ من الجميع أيضًا أن يحترموها وينفتحوا عليها. ارتباط الموارنة بلبنان ليس ارتباطًا عابرًا، والكنيسة المارونيّة ليست بحاجة لشهادة أحدٍ للإقرار بدورها ودور الموارنة في قيام الكيان اللبنانيّ في الشراكة مع المكونات اللبنانيّة الشقيقة على تعدّدها، فنحن جميعنا أبناء وطنٍ واحدٍ يجسّد بالنسبة لنا القيم الأساسيّة من انفتاحٍ وحريّةٍ ومحبّة، وينبغي أن تتضافر جهود الجميع للحفاظ على هذا الوطن الرسالة؛ دعوتنا إلى القادة السياسيين والعاملين في الشأن العام للعودة إلى القيم الّتي من شأنها أن تحقّق حياة الوطن والمواطن وفق معايير الكرامة الإنسانيّة والتضامن الاجتماعي لمواجهة التحديات، وإعادة النظر في سلوكيّات كلّ الفرقاء لكي يعود لهذا الوطن وجهه الحقيقي، كوطن-رسالة”.
ورفع الأب أبو طقّة الصلوات لأجل انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، “يحمي الوطن، لينتظم عمل المؤسسات الدستوريّة”.
وباسم قدس الأب العام هادي محفوظ السامي الاحترام، الرئيس العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونية، توجّه من الحضور ومن جميع الّذين يحملون اسم مارون العظيم بمعايدةٍ روحيّة.
وأضاف: “كما نعايد حضرة الأب الرئيس الحبيب ليشع سرّوع الّذي يواصل في حياته وخدمته بأمانة نهج مارون. لكم منّا يا أبت العزيز كلّ الشكر والامتنان والفخر لما تشهدون به في هذه المنطقة العزيزة على قلب الرهبانيّة. ومعكم نشكر قيادة وضباط وافراد الجيش اللبناني على دعمه المتواصل لرسالة الرهبانيّة ولكل ابناء المنطقة بدون تمييز. أمام انهيار مؤسسات الدولة، يبقى الجيش اللبناني الأمل الوحيد في الحفاظ على ألأمن والاستقرار وعلى العيش المشترك الصادق التي تتميّز به هذه المنطقة”.
وختم عظته رافعًا الصلاة “من أجل أرواح ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيّا وسوريا ومن أجل المصابين والجرحى الذين نتمنى لهم الشفاء العاجل، ونوكل المتضررين من هذه الكارثة إلى عناية الله. كما نرفع الصلاة من أجل وطننا لبنان ليمنّ الله عليه بالأمان والسلام، راجين بشفاعة القديس مارون أن نكون شهودًا حقيقيين للمسيح ولإنجيله”.
الأب سرّوع
ثم أقيمت مأدبة غداء بعد القدّاس، ألقى خلالها الأب ليشع سرّوع كلمة شكر فيها جميع الأصدقاء المؤمنين والمضحّين في سبيل إنجاح هذه الرسالة، وذكر المحاور الجديدة لرسالة الرهبانيّة في منطقة العاصي في المرحلة الحالية والمقبلة، لافتًا إلى أنه “بالإضافة إلى ما تقوم به على الصعيد الروحي والرعائي والإجتماعي والإنمائي، تنوي الرهبانيّة إكمال ترميم مبنى ومحيط دير مار مارون – العاصي بالتعاون مع جامعة الروح القدس – الكسليك والسفارة الهنغاريّة، وقد وضعت أراضيها بتصرّف الجيش اللبناني لإنجاز المشاريع التي يقوم بها في هذه المنطقة، وتقوم بتأسيس جمعيّة “رسالة العاصي” بالتعاون مع آل افرام وغيرهم، كما تحضّر لإطلاق مشروع تربوي يعود بالخير على أبناء المنطقة”.